الفصل الثالث والعشرون ج1

10.3K 473 67
                                    

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض "

ليلةٌ واحدة...لا ننساها...تلك الليلة التي كبرنا فيها عمرًا فوق أعمارنا ..ونضجنا فيها من شدَّةِ ما كان أذاها عميقًا..
كلَّ نظرةٍ منَّا تحكي صمتاً أثقلُ من الكلمات..وجرحًت لا يلتئم..
مابين الحزنِ والصبرِ تتأرجحُ المشاعرُ كأرجوحةٍ في مهبِّ الريح....
فسلامٌ على مشاعرٍ أحرقناها بالسكات..
وسلامٌ على أعينٍ قاومت دموعها بأسخفِ الضحكات..
وسلامٌ على دفترٍ ملأناهُ حتى سقطَ القلمُ وانتحرت الكلمات...
ثابتينَ رغمًا عن كلِّ شيئ.
ثابتينَ وداخلنا ينتفضُ ويبكي ويحترق ..
ندَّعي أنَّنا بخير ونحنُ في أمسِّ الحاجةِ لنرتمي في حضنِ أحدهم ونبكي دون توقُّف

مرَّت ليلةٌ ثقيلةٌ على الجميع، لم يغمض لهم جفنًا، فريدة التي احتُجزت بجوارِ ابنها يجاورها مصطفى الذي لم يبتعد عنها إنشًا واحدًا، بينما إلياس جالسًا بالخارج جسدًا مهشَّمًا يشعرُ وكأنَّ الحياةَ أطبقت على روحهِ لتأنَّ بأنينٍ مرير..اقتربَ منه إسلام:
-إلياس لازم تروح تغيَّر هدومك، هتفضل كدا..تراجعَ بجسدهِ للخلف وأغمضَ عينيه، لا يريدُ أن يتحدَّث، وكأنَّ الصمتَ ملجأهِ بتلك اللحظات، وماأصعبَ القلوبُ حينما تشعرُ بالانفجارِ ورغمًا عنها تصمت، ومخالبُ الألمِ تنهشُ بداخلها ..

-إلياس!! فتحَ عينيهِ وحاورهُ بصمت؛
-قوم روح ارتاح شوية وغيَّر هدومك، هدومك كلَّها دم..

-بعدين أطَّمن على ماما وأرسلان الأوَّل..استمعَ إلى حركةٍ بالردهة، وخروجِ صفية من غرفةِ أرسلان يحاوطها إسحاق، وهرولةِ الأطباءِ إلى الغرفة.
نهضَ من مكانهِ وتحرَّكَ إلى وقوفهم أمامَ النافذة، من يرى تحرُّكهِ يظنُّ هدوءَ لجسده، ولكن تحرُّكهِ لم يكن سوى ضعفه، ملامحٌ صلبةٌ جامدةٌ وقلبٌ استوطنَ به الألم، استندَ على الجدارِ حينما جاءهُ دوارًا من قساوةِ الحديثِ الذي اخترقَ أذنه:
زوِّدي الأدرينالين، المريض هيروح منِّنا.

استندَ على زجاجِ النافذةِ ينظرُ إلى محاولةِ الأطباءِ لإنعاشِ جسده، و إلى سكونِ جسدِ أخيهِ بفزعٍ وشبحُ رائحةِ الموتِ تطبقُ فوق صدره..

مرَّة واثنتان والطبيبُ يحاول إنعاشَ القلب، وهو ينظرُ إلى جسدهِ الذي يفارقُ الحياة، وصلَ إليه مصطفى وإسلام يحاوطونه، مع كلماتِ المواساةِ والدعاء..
مسَّدَ اسلام على ظهره:
-إلياس ..ولكن كيف له القدرة بالتفوُّهٍ او النظرِ إلى أحدٍ سوى أخيهِ الذي يلفظُ أنفاسهِ الأخيرة، بداخلهِ آلامًا عجزت الأبجديةُ عن وصفها، ألمُ ينزفُ من روحهِ ويستوطنُ خلاياه..
همسَ بنبرةٍ خافتةٍ كالطفلِ الخائفِ الذي يدعو ربه:
- اللهمَّ إنَّك رزقتني أخي من غير حولٍ لي ولا قوَّة فاللهمَّ احفظهُ لي وبارك لي في عمره،
اللهمَّ إنِّي أسألكَ بأنَّكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ  اللهمَّ احفظهُ بعينكَ التي لا تنام إنَّكَ الحيُّ الذي لا يموت..

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن