الفصل الواحد والعشرون

15.9K 854 246
                                    

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "

مِل بكتفك عليَّ سأعطيك أمانا أفتقده..
رغما عن تكدّس الأشياء السيئة داخل صدري..
رغما عن تخبطي المتكرر في اماكن عديدة
ثابت أنا لكن داخلي ينتفض ويبكي ويحترق..
أود أن أخبرك أنك تسكنني فكرا وحبا،،
أحببتك بإفراط للحد الذي شعرت أنني لا أصلح لأحد غيرك..
وبأن الحب الذي في صدري خلق لك وحدك...
لكن كم هي قاسية تلك التراكمات التي تجعلنا نقسو رغم حناننا ونبتعد عنهم رغم حاجتنا لهم...
ونصمت رغم تكدس الكلمات في صدورنا..
كم هي قاسية تلك التراكمات التي تجبرنا أن نكون على غير حقيقتنا..
ف العشق ُ إنْ ملَكَ القلوبَ أذلّها
حتى يطولَ عناق ُ مَن تهواه

فوق الرموش ِ أراكَ طيفا ً ساكنا
لكنَّ حبَّكَ في الحشا سُكناه ُ

حبي لوجهك خالد ٌ ومخلد ٌ
أيموت ُ حبٌُّ في دمي مجراهُ...

اتَّجهَ يحاوطُ ذراعيها مع ضغطها على الزنادِ لتتَّسعَ حدقتيهِ بفزعٍ وهو يرى أنَّ الرصاصةَ استقرَّت بكتفِ إسلام.

ألقت السلاحَ وبدأت بوصلةِ صراخٍ تضعُ كفَّيها على أذنها، اتَّجهت فريدة بنظرها إلى مصطفى:
-إسلام..نطقت بها بذعرٍ وهي ترى الدماءَ التي لوَّنت قميصه، أشارَ مصطفى بيدهِ إليها:
-اهدي يافريدة، هوَّ كويس..قالها مع احتوائهِ لذراعِ ابنه، دنا إلياس وعينيهِ على موضعِ جرحه، جثا أمامه:
-ورَّيني كدا اتصبت فين..قالها بلسانٍ ثقيلٍ وهو يسحبُ ذراعه، ليطبقَ على جفنيهِ محاولًا الضغطَ على أعصابهِ حتى لا يلتفتَ إليها ولا يتركها سوى قتيلة.

ضمَّتها فريدة لأحضانها محاولةً السيطرةً على بكائها قائلة:
-حبيبتي اهدي ياعمري، إسلام كويس، ميرو اهدي، جثت على الأرضيةِ تبكي بشهقاتٍ مرتفعة..توقَّفَ إلياس متَّجهًا إليها بعدما فقدَ اتزانهِ والتَّحكمَ في أعصابه:
-عجبك كدا، بتعيطي ليه دلوقتي، هتفضلي لحدِّ إمتى متهورة، قوليلي لحدِّ ماتموِّتي حدِّ فينا..
توقَّفت فريدة أمامهِ وهدرت بهِ بعنف:
-ممكن تسكت، إنتَ مش شايف حالتها عاملة إزاي، خد أخوك وروح المستشفى بدل ماحضرتك واقف تعاتبها خدها في حضنك وهدِّيها..
كزَّ على أسنانهِ وتحوَّلت عيناهُ لنيرانٍ جحيميةٍ يشيرُ على إسلام:
-أروح المستشفى وياترى لو سألوني أقولهم إيه، مراتي مجنونة وكانت عايزة تنتحر، كلِّ ماتغلط وتزهق تمسك المسدس وعايزة تموت، انحنى إليها ولم يكترث إلى صياحِ مصطفى عليه:
-إنتِ جبتي أخرك معايا، أنا مش متجوِّز مجنونة ولا طفلة علشان كلِّ ماتضايق تجري تمسك المسدس وبتهدِّدنا بيه، إنتِ كبيرة يامدام والمصيبة هتكوني أم، إيه لمَّا تغضبي من ولادك هتموِّتيهم..نظراتٌ قاسيةٌ يرمقها بها كمن تلبَّسهُ شيطانٌ وليس معشوقِ قلبها..رفعت عينيها لتقابلَ عينيهِ القاسيةِ، ليستوطنَ الألمَ بداخلها ونيرانًا تأكلُ صدرها، استندت على فريدة ونهضت بتخبُّطٍ متحركةٍ للخارجِ بقلبٍ محترقٍ من قساوةِ كلماته، دلفت إلى غرفتها القديمة وأغلقت الباب خلفها، ثمَّ هوت خلفه، تبكي بشهقاتٍ مرتفعةٍ تضعُ كفَّيها على فمها تمنعُ صوتَ بكائها، ظلت لدقائقَ وعيناها خيرُ دليل على ماتشعرُ به..حتى ارتجفَ جسدها بالكامل، استمعت إلى طرقاتِ غادة على بابِ الغرفة:
-ميرو افتحي الباب ياقلبي طمِّنيني عليكي، نهضت من مكانها وأردفت بصوتٍ متقطِّعٍ باكي:
-عايزة أقعد لوحدي ياغادة لو سمحتي، قالتها وخطت إلى غرفةِ ملابسها، تبحثُ عن شيئٍ ترتديه، جذبت أحد قمصانها وارتدتهُ ومازالت كلماتهِ تتردَّدُ بأذنها، اتَّجهت إلى فراشها تتمدَّدُ عليه، حينما شعرت بالخدرِ يتسرَّبُ إلى جسدها وكأنَّها ستفقدُ الوعي..لم يمرّ دقائقَ معدودة وغرقت بغيبوبةِ فقدانها للوعي، مرَّت فترةٌ بعد الاطمئنانِ على إسلام وإحضارِ الطبيبِ وإخراجِ الرصاصةِ من ذراعه، توجَّهت فريدة إليها، جلست بجوارها تمسِّدُ على خصلاتها، مرَّرت أناملها على وجنتيها تزيلُ آثارَ دموعها ثمَّ انحنت تقبِّلُ جبينها:
-عارفة اللي بتمرِّي بيه صعب يابنتي، ربنا ينتقم من راجح ورانيا، ظلت تمرِّرُ كفَّها على خصلاتها إلى أن دلفَ إلياس إليها:
-نامت؟..أومأت متوقِّفةً ثمَّ دنت منه وأخبرتهُ بعتاب:
-اللي عملته غلط وغلط كبير، إنتَ مكنتش هناك وشوفت اللي اتعرضناله..

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن