الفصل الثلاثون

15.4K 1K 203
                                    

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "

كيف أسامحُ من أغرقني في أوجاعٍ لا لغةً تصفها؟..
كيف أطلبُ منهُ أن يفهمَ عمقَ ألمي، وهو لم يشعر أبدًا أنَّ روحي كانت امتدادًا لروحه؟
أتمنَّى لو أنَّ أحدًا يخبره:
أنا التي حملتُ أوجاعي كصليبٍ ثقيلٍ على كتفي..
أنا التي نزفَ قلبي حتى صرخَ الحزنُ داخلي، لكنَّني كنت وحدي..
حتَّى هو كان السيفُ الذي مزَّقني، والقاضي الذي حكمَ عليَّ بالصمت..

هذا الألم ليس جرحًا، عاصفةً تملؤني بالصمتِ والصراخِ معًا..
ليتهُ فقط يشعر، ولو للحظة، كيف يتألَّمُ من كانت روحهِ تهيمُ على حافَّةِ الانكسار..

#شظايا_قلوب_محترقة

تحرَّكَ إلياس إليها كالعاصفة، بعدما وجدَها تترنَّح، ضمَّها بقوَّةٍ حين شعرَ بأنَّ جسدها ينهارُ بين يديه، شعرَ بالألمِ وهو يرى ضعفها، رفعها بين ذراعيهِ وكأنَّهُ يحملُ روحه، عيناهُ مثبَّتتانِ بملامحها التي فقدت ألوانها، وقلبهِ يصرخُ بصمتٍ بينما طلبَ راكان الطبيب للذهاب بها لغرفته؛ وأشارَ إلى الشرطي يجرُّ راجح إلى حبسه، تحرَّكَ بها إلياس نحو غرفةِ الطبيبِ بخطواتٍ مسرعة..

بعدَ فترةٍ داخل الغرفة، فحصها الطبيبُ سريعًا..دقائقَ مرَّت وكأنَّها دهرًا..تنفَّسَ إلياس بصعوبة ثمَّ قال الطبيبُ بنبرةٍ مطمئنة:

هبوط حاد في الدورة الدموية، وإن شاءالله هتكون كويسة..قالها وتحرك للخارج

رفَّت أهدابها ببطءٍ كأنَّها تخرجُ من كابوس..همست باسمهِ بصوتٍ ضعيفٍ بالكادِ يسمع، لكنَّهُ اخترقَ قلبهِ كالسهم..أمسكَ بكفَّيها الباردينِ يضغطُ عليهما بخوفٍ ممتزجٍ بالحنان، وهمسَ بصوتٍ مرتعش:

"ميرال، أنا هنا...افتحي عيونك.."

استفاقت ببطء، نظراتها تجولُ حولها وهي تحاولُ استيعابَ ما حدث..رفعت يدها بضعفٍ تمسحُ وجهها، و تحاولُ محوَ الألمِ الذي تسلَّلَ إلى ذاكرتها.. التفتت إليهِ بعينينِ غارقتينِ بالتعب والغضب:
- عايزة أمشي...جايبني هنا ليه؟
أشارَ إلى المحلولِ المعلَّقِ بكفِّها وقالَ بهدوء:
"لمَّا المحلول يخلص"
ثمَّ اقتربَ منها وأشارَ إلى حجابها:
ظبَّطي حجابك وهدومك.

لكنَّها نزعت المحلولَ بعنف، غير مباليةٍ بالدماءِ التي سالت من يدها، ونظرت إليهِ بعينينِ ملتهبتينِ وهتفت بصوتٍ متقطِّعٍ مليءٍ بالألم:
-أنا عايزة أمشي...مش هقعد هنا ولا دقيقة..
اقتربَ منها ثمَّ انحنى و أمسكَ بكتفيها بحذر، وأردفَ بصوتٍ هادئٍ محاولًا إخفاءهِ خلف حزمٍ مصطنع:
- اسمعيني، إنتِ تعبانة..اهدي شوية علشان صحِّتك.
نزعت نفسها من بين يديهِ وكأنَّ لمستهِ تُلهبُ جراحها، وقفت بصعوبةٍ رغم الدوار، وقالت بصوتٍ مرتجفٍ لكنَّهُ حادٍّ كالسيف:
-أنا قلت هرجع البيت، وزي ما جيت لوحدي هرجع لوحدي، اهتمامك دا مالوش لازم.
تجمَّدَ مكانهِ للحظة، كأنَّ كلماتها أطفأت كلَّ طاقةٍ بداخله..زمَّ شفتيهِ بشدَّة، ثمَّ قال بنبرةٍ تغلبُ عليها السخرية المرَّة:

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن