الثالث والعشرون ج2

13.7K 699 119
                                    

أشياء كثيرة
.... تغيّرت فينا ....
لا الصوت صوتنا
و لا الضحكات ضحكاتنا
ولامشاعرنا بقِيَت كما كانت
ياليتها   ....   ياااليتها  ....  بقِيَت كما كانت

غرباء
صرنا عن أنفسنا
ما عُدنا نجدُ أنفسنا  فى أنفسنا
و لم  يعد بامكاننا  ان نلتقينا

                ما أبعدَنا اليوم عنّا    ........    و ما أقرَب الأمس مِنّا



وصلت فريدة إلى غرفتها،عاملة إيه حبيبة مامي..ابتلعت مرارةَ آلامها وابتسمت لوالدتها:
-كويسة حبيبة قلبي، أرسلان عامل إيه النهاردة..نزعت حجابها وجلست على الأريكةِ مصدرةً تنهيدةً عميقة:
-تعبان لسة، الحادثة كانت قوية، المهم سيبك إنتِ من أرسلان وقوليلي مش ناوية ترجعي البيت بقى، مش هينفع كدا إنتِ في مكان وجوزك في مكان..

جاهدت في إخفاءِ دموعها ورسمت ابتسامةً متَّجهةً إلى جهازها وتصنَّعت انشغالها، لتردفَ متسائلة:
-ماما عندي مؤتمر مهم أوي في شرم، إيه رأيك تكلِّمي إلياس وتقنعيه أحضره، ممكن يسمع منِّك..

توقَّفت فريدة واتَّجهت إلى جلوسها، ثمَّ انحنت تستندُ على الطاولةِ بكفَّيها تحدجها بنظراتٍ معاتبة:
-اسمعيني كويس ياميرو، مهما يحصل بينك وبين جوزك متخليش حدِّ يدخل بينكم حتى لو أنا، أنا مش عاجبني قعدتك في مكان وهوَّ في مكان، قولتي هتبعدي يومين ترتاحي، وكان حقِّك تهدي، بس دلوقتي ليه قاعدة بعيد عن جوزك، حبيبتي اللي بتعمليه غلط ..رفعت عينيها لوالدتها وجاهدت بإخفاءِ تمزُّقِ قلبها رغم ادِّعائها القوَّة إلَّا  أنَّ داخلها هش، هشٌ جدًا.
-ماما أنا خايفة، خايفة من بكرة أوي، خايفة من حياتي اللي جاية، إحساس جوايا وحش، مبقتشِ عارفة أتكلِّم مع حدِّ من صحابي، تخيَّلي المقالات اللي بهاجم بيها الناس، يطلع منهم راجل بحمل دمُّه، أنا تعبانة أوي ياماما أوي،
ومش عايزة ضغط من إلياس.
-ميرال خلِّيكي كدا لحدِّ ماجوزك يزهق منِّك..
صُعقت من حديثها المؤذي الذي شقَّ قلبها، كيف لها أن تتحمَّلَ فكرةَ أن تمتلكهُ غيرها، وخزاتٌ تنخزُ قلبها من مجرَّدِ كلمات..ثواني صامتة تقاومُ غلالةَ دموعٍ أحرقت مقلتيها، لتهبَّ من مكانها متَّجهةً إلى حمَّامها دون حديث، هوت على أرضيةِ الحمَّام تمنعُ بكاءها الذي جفَّ حلقها، لقد توجَّعت أكثرُ ممَّا تستحق، أغمضت عينيها وتمنَّت موتها لا محالة..شعرت بها لتدلفَ خلفها ترفعها من فوقِ أرضيةِ الحمَّام:
-قومي وبطَّلي ضعفك دا حبيبتي، أنا خايفة عليكي، ومستحيل أتخلَّى عنِّك، وهرجع أقولِّك للمرَّة المليون ميرال إنتِ بنتي وبس، مش عايزة موضوع راجح يكسرك، وثقي إلياس عمره ماهياخدك بذنبهم..

تعاقبت الأيام واحدًا تلوَ الآخر وبدأت حالةُ أرسلان بالاستقرار، وحُدِّدَ يومَ خروجهِ من المشفى، دلفَ إسحاق إليه:
-صباح الخير حبيبي..
-صباح الخير..نطقها وهو يعتدلُ فوقِ فراشه، أمالَ يضعُ وسادةً خلفه:
-أحسن النهاردة؟..
-الحمدُلله..دلفَ شخصٌ ما.
-أهلًا بحضرتك إسحاق باشا..دقَّقَ النظرَ إليهِ ثمَّ التفتَ إلى إرسلان:
-فيه حاجة ولَّا إيه؟..
-عمُّو ممكن تسبني شوية مع عمرو، عايزه في حاجة مهمَّة.
قابلَ حديثهِ بصمتٍ دام لدقائقَ ثمَّ انحنى يهمسُ بجوارِ أذنه:
-إنتَ ابني يالا، واحترم نفسك بدل ما تشوف وشِّ إسحاق التاني، هسيبك وأروح أشوف مراتي اللي حتى مش هان عليك تسأل عنَّها..
-ليه مالها؟!..تحرَّك إسحاق إلى أن وصلَ إلى الباب:
-باباك فاق وكلِّ شوية يسأل عليك،ياريت تقوم تتمشَّى وتروح تشوفه، يابنِ فاروق..قالها وخرجَ مغلقًا الباب..
أشارَ إلى الرجل؛
-عملت إيه؟!..وضعَ أمامهِ بعض الصور..
-دول العيال، اللي حضرتك تخيَّلتهم، اتأكِّد كدا..
قلَّبَ الصورَ من بينِ يديه، وشردَ بيومِ حادثته، بعدما عرقلت إحدى السياراتِ طريقه، لتنقلبَ السيارةَ رأسًا على عقب، مرَّرَ أناملهِ على أحدِ الصور، محاولًا التذكُّر، ثمَّ رفعَ الصور إليه:
-عايز الواد دا، وممنوع إسحاق يعرف حاجة، اخترع أيِّ حاجة..
-تمام ياباشا، فيه أيِّ أوامر تانية؟.،
أومأ له ثمَّ أردف؛
-عايز شركة أمن موثوق فيها..قطعَ حديثهما دلوفُ ملك، فأشارَ إليهِ بالخروج..
-أرسو حبيبي عامل إيه؟..
-ابتسمَ لها، اقتربت منه، فأشارَ بيدهِ أن تبتعدَ قائلًا:
-معلش حبيبتي تعبان وخايف أعديكي،
جلست بجوارهِ تسحبُ كفَّيه، ثمَّ انحنت تقبِّلهما وانسابت دموعها:
-مستعدة آخد آلامك كلَّها بس تفوق لأختك، مش هقدر أعيش من غيرك ياأرسلان..

شظايا قلوب محترقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن