كانت تجلس حاصدة الأرواح تحت ضوء القمر البارد، شعرها الداكن يتطاير مع نسيم الليل، وعيناها التائهتان تلمعان كأنهما تعكسان بقايا ذكريات لماضٍ مؤلم.
الآن، هي تذكر كل شيء. كانت تدعى يومًا سيلفر كريستينا، امرأة عاشت وماتت في عذاب. أدركت أخيرًا السبب الذي كان يجذبها كل عام في ديسمبر إلى ذلك البيت المهجور، السبب الذي كان يضغط على قلبها كحجر ثقيل.
كان ذلك تاريخ وفاتها... وكان ذلك البيت الذي تهيم حوله ذات يوم هو بيتها، المكان الذي شهد مسرح حياتها البائسة.
لطالما أرادت أن تتذكر، أن تفهم، أن تواجه شبح الماضي. لكن الآن، بعد أن استعادت كل تلك الذكريات، هل شعرت بالراحة
بالطبع لا...
كانت تتعذب على ما اقترفته يداها. تتذكر الطفل الذي قتلته في بطنها بإرادتها، وهي تجهل أي مستقبل كان سيحمله ذلك الطفل بين يديه.
كانت تتعذب على حقها الذي سكتت عنه، على سنواتها التي عاشتها في ظل الظلم والخوف.
ولكن أكثر ما يثقل قلبها هو حياتها التي فرطت فيها بيديها، حبها الذي أهدرت قيمته، واختيارها الذي دمر كل شيء.
دموعها لم تعد تسقط على وجنتيها؛ بل بقيت محبوسة، كأن روحها أضحت جافة.
"أي حياة كنت أعيشها؟ وأي موت تجرعته؟"
همست لنفسها وهي تنظر إلى السماء.
الآن، هي تعرف. ليس القدر وحده من خطّ مأساتها، بل هي من اختارت درب الهلاك بنفسها.
"إنها أنا... إنه خطأي... أنا من اخترت هذا القدر لنفسي..."
همست بهذه الكلمات وهي تنظر إلى القمر البعيد، كأنها تحدث ماضيها أو توبخ روحها التي كانت.
لكن، للحظة، توقفت أفكارها عند ذلك الحاصد... الرجل الذي لطالما أخبرها بأنه رآها في حياته السابقة. هل يمكن أنه...؟
توقفت الفكرة فجأة، وقطعت تسلسل أفكارها:
"لا يهم..."
نهضت متثاقلة، متجهة إلى القبر الذي لطالما كانت تجول حوله. قبر زوجها السابق، ويليام فكتور سميث. الكلمات محفورة على شاهد بسيط:
"هنا يرقد ويليام فكتور سميث... الإنسان الذي أحب بلا حدود."
رغم ثروته وممتلكاته الطائلة، كان قد اختار أن يكون منزله الأخير بسيطًا، مجرد حجر عادي. ومع ذلك، قضى ما تبقى من حياته في تزيين قبر زوجته، سيلفر كريستينا، ووضع أزهار نادرة وغالية الثمن عليها.
جلست عند قبره، تتأمله بصمت. شيء في قلبها كان ثقيلًا... الحزن عليه لم يكن منطقيًا بالنسبة لها.
"لماذا؟ لماذا أشعر بهذا الحزن؟ أنت الشخص الذي كان يحبني بلا توقف... وأنا من قتلت هذا الحب. قتلت كل شيء بيدي."
مرت لحظات طويلة من الصمت. كانت تمسح بأصابعها الباردة على حواف الشاهد، كأنها تحاول لمس جزء من ذكراه.
"ويليام..." همست بخفوت.
"أتعلم؟ أظنني لم أستحق حبك يومًا. لكنك أحببتني على أي حال. أعطيتني كل شيء، وأنا... أنا لم أعطك شيئًا سوى العذاب."
بدأت الرياح تهب بهدوء، حاملة معها صوتًا ضعيفًا، كأنه يأتي من أعماق الأرض. لم تكن تعرف إن كان حقيقيًا أم مجرد وهم آخر من أوهامها. لكنه قال بوضوح:
"سامحتك... وما زلت أحبك."
شعرت بوخزة في قلبها، كأن هذه الكلمات أخرجت ألمًا دفينًا كانت تحمله منذ سنوات. لكنها لم تبكِ. لم يكن البكاء كافيًا للتكفير عن كل ما حدث.
وضعت يدها على الحجر البارد وقالت بصوت جاف:
"ارقد بسلام... وليام. أنت تستحق راحة لم أعرف كيف أمنحها لك."
ثم نهضت، وعيناها تعكسان قسوة العالم الذي تركته خلفها، وندمًا لا ينطفئ أبدًا.
اقنعت نفسها ان الاستمرار في اداء مهامها كحاصدة ارواح قد يمنحها نهاية... ربما، عندما تنتهي من هذا كله، ستنال فرصة للخلاص. فرصة لتصبح روحا حرة تختار اما تعود للحياة مجددا او تذوب في العدم.
كانت متأكدة من اختيارها، لوحدث ذلك ستختار الموت الموت الحقيقي. وبهذا ستلتقي به اخيرا... ويليام، الرجل الذي احبها يوما... الرجل الذي دمرته بانانيتها.
لكنها لم تستطع تجاهل سؤال ظل يطاردها "ماذا عن حاصد الارواح؟"
لقد اختفى فجأة، كأن الارض انشقت وابتلعته. كانت كلماته الاخيرة لها تحمل شيئا من الغموض، وكأنه كان يعرفها اكثر مما تعرف هي نفسها.
"من كان حاصد الارواح هذا على كل حال؟ هل كان يعرفني حقا... ام ان هذا كان مجرد خيال؟"
هذه الفكرة ارقتها كلما حاولت ان تنسى وجوده، شعرت بانه مازال يراقبها من بعيد، كما لو انه لم يختف بالكامل.
"ربما هو جزء من خطاياي..." فكرت بصوت خافن وهي تمشي وحيدة تحت القمر.
"ربما مثله مثل ويليام... شخص اخر قدر له ان يتأذى بسببي"
لكن جزءا منها لم يصدق هذه الافكار. هناك شيئ مختلف في حاصد الارواح هذا... شيئ لم تستطع تحديده، شعور مألوف لكنه غريب، كانه قطعة مفقودة من لغز حياتها.
"اذا كان يعرفني، فلماذا اختفى؟" سألت نفسها مجددا وهي تمسك صدرها بيديها، كانها تحاوة تهدئة قلبها.
"هل كان ينتظرني لاتذكر؟ ام انه رحل لانه ادرك انني لم اعد الشخص الذي عرفه؟"
قررت انها لن تتوقف عند هذه الاسئلة. يجب ان تكمل طريقها، مهما كان ذلك الطريق مليئا بالالم.
لكن فكرة واحدة ظلت تراودها، تهمس في اذنها كما لو ان العالم يريد تذكيرها بشيء:
🥀"الحب الحقيقي لا ينتهي... حتى بالموت" 🥀

أنت تقرأ
حب بدأ حين انتهى💔 | 🥀love that began when it ended
Romanceانها لا تذكر حياتها السابقة، كل ماتذكره هو قبلته الاخيرة حين ماتت بين يديه 🥀💔 {ممنوع التقليد🚫‼️}