الفصل الثالث و العشرون

30.4K 588 14
                                    

انتفض جسدها رغما عنها وهي تدرك بالفعل وجود تميم أمامها ... لقد كان هو..
وليس مجرد خيال تمثّل من شوقها العنيف له 
لقد كانت تتخيله منذ لحظات ... لحظات فقط ... وها هو الآن يقف أمامها
بكل هيأته الرجوليه التي ينبض قلبها لها ... ذقنه غير حليقه مما أعطاه مظهر برّي
خاص به ... كان أكثر نحولا وعيناه يبدو عليهما الإرهاق 
ودت حقا لو ترفع يدها تلامس ملامحه المرهقه ...تخبره أنها هنا .. أمامه
وأنها اشتاقت بقوه 
الا أن عينيها أبت الاعتراف وهي تسدل ستارها علي تلك المشاعر القويه التي ظهرت
رغما عنها في لحظه خاطفه لعينيه
ولكنه لم يستجب لانعزالها هذا بل اقترب أكثر ويده تزيح خصلات شعرها عن عنقها
وشفتاه ترسم قبله ناعمه علي عنقها بهمسه أجشه
" اشتقت لرائحتك .."
(ادفعيه بعيدا .... ابتعدي يا غبيه ...!!...)
الا أن قلبها لم يستطع الابتعاد ... بل أغمضت عينيها من جديد تستمتع بصوته الذي 
افتقدته من مده طويله ... نعم ... ربما هي متألمه ... مستاءه .. ما زالت غاضبه
الا أنها ستكون أنانيه للغايه وتشعر بكل لحظه في قربه 
ولكن الزوبعه الصغيره ذات الشعر الأسود القصير المتناثر هنا وهناك لم تتركهم لحظه 
أخري وهي تنادي والدها من بعيد بصفته الأثيره وترفع يديها ببهجه وتسير بسرعه
متعثره حتي سقطت علي الأرض العشبيه وكان الدور علي المتجهم وراءها
كي يساعدها ... ذلك الصبي (قليل الكلام ) كما يطلقون عليه جميعا 
عمار ... أحيانا يكون غريب بنظراته المبهمه .... كلامه القليل للغايه ... ابتسامته البسيطه
صوت الضحكه لديه في خانة الندره

وبعد المساعده والانقاذ توجهت لوالدها الذي رفعها بابتسامه مشرقه يدغدغ فيها ويغمرها
بقبلاته التي لا تنتهي وقد طال منها واحده لوالدتها المبتسمه ببلاهه وهمسه أخري 
وصلت لأعماقها وطالت جانب الغيظ قليلا
" الفستان مكشوف .."
ما هذا إن شاء الله ... فرمان رجولي بحت ..أم ماذا ...؟؟.. 
ولم تصمت بالفعل ... فقد مضي زمن الصمت لديها وانقشعت الغمه عن عينيها 
وأجابت بتمرد
" أنا في المنزل ... ولا يوجد أحد غريب هنا ...ثم .. لا تتدخل في ثيابي"
وكان يعلم بالفعل ألا يوجد لغريب هنا ولكن بالفرض ... أتي أحد من الأقارب 
أحد أبناء عمومتها فجأه من سفرهم ... أو أحد العاملين رآها
وكانت تلك افتراضات عاشق .. يغار ...!!
وابتسامه عابثه صغيره لونت شفتيه وصوته يصلها بحزم لا يقبل الجدال 
ولا الرفض لأحقيته في الأمر 
" اصعدي يا سيلين ارتدي شيء عليه ..."
عقدت حاجبيها بغيظ وكتفت ذراعيها هاتفه من وراء ظهره بغضب
" أنا أساسا سأغادر بعد قليل ..."
ولزيادة غيظها واستياءها الأنثوي أتاها صوته بكل هدوء
" ستذهبين للمحل الخاص بك .. أنا أعلم ... العمال هناك منذ الصباح الباكر 
حتي يعيدو الطلاء ... "
فغرت شفتيها ببلاهه تنظر له .... لا يستوعب عقلها تلك المعلومات التي تسقط 
عليها دون حساب وأكمل هو بالتفاته بسيطه لرأسه 
" جهزي نفسك حتي نذهب بعد قليل ..."
وكأنه أمر واقع لا يحتمل المعارضه أو الرفض أو حتي السؤال
( وما دخلك ...؟؟...)
بل تابع طريقه يحمل الصغيره المتشبثه به والتي تقبل وجنته وتشتكي من شعيراته
الناميه وكأنها زوجته .. والآخر تركهم جميعا وكأنه فرح لانشغال الصغيره عنه 
وعن تحكمها بوقوفه وتشجيعه لها
شعرت بداخلها يستشيط غيظا منه الا أن جزء صغير للغايه تشبث بوجوده
باهتمامه وتقربه .... كيف علم بالأمر ....؟؟.. ومن أين أتي بهذا الكلام..؟؟
لا يهم في تلك اللحظه 
الآن الأهم هو ذلك الوقت الذي ستقضيه معه 
وماذا سترتدي ...؟؟
وفي لحظه مرّت خزانتها في رأسها واكتشفت فجأه أن كل الثياب لا تنفع..!.!
ومع خطواتها الأنثويه الواثقه وخصلاتها التي تتراقص مع خطواتها وكأنها
ولدت هكذا .... أنثويه بنغمه مميزه...!
في طريقها للداخل وجدت روفان تنفرد بحاسوبها علي إحدي الأرائك 
بعيدا عن ضجيج الصغار.... روفان ما زالت تحاول الاندماج مع الجميع ولكنها
أحيانا لا تنجح .. فتبتعد في قوقعه نصف مغلقه ... 
لا تنكر انشغالها فيما مضي عما يدور بين أخوتها ... ولكنها الآن تفعل ما بوسعها
كل ليله تذهب لها في غرفتها تتحدث معها ... تحاول إخراج روفان المدلله
كما كانت فيما مضي ... وبالفعل تتجاوب معها الصغيره في معظم الوقت 
ولكنها أحيانا تصبح منغلقه للغايه ... يصعب فهمها 
تنهدت سيلين بينما عينيها تدقق النظر في شقيقتها ... ربما اختفاء والدها من حياتها
جزء من الأمر .... حسنا ... هي أيضا عانت من الأمر فيما مضي ولكنها الآن تشعر
بحاله غريبه ,,, قد يكون تصالحها مع نفسها الفتره الماضيه هو السبب 
إعادة تفكيرها وحساباتها جعلها توقن أن توقيف حياتها علي أحدهم ليس الحل الأمثل
ولكن كيف ستقنع روفان بهذا ...؟؟..
تنهيده أخري وخطواتها تقترب من جلسة جدتها مع تميم ... تستقبله ببشاشه ... تسترسل
في الحديث عن كل شيء وآخرها ما التقطته أذن سيلين .. عن ياسين وخطبته
لقد كانت الجده فرحه بالفعل ... وجهها سعيد وهي تتحدث عن عروس ياسين 
وأهلها الطيبين وكم هي فرحه لأجله لأنه سعيد
فالتقطت سيلين نهاية الحديث وجلست علي المقعد تقول بلوم لجدتها
" ولكن يا جدتي أنا تعجبت حقا من ذهابك لهم في هذا الوقت من الصباح بعد
الخطبه مباشرة ..."
ظهر بعض الحرج علي وجه الجده ولكنها قالت بحماس
" لقد كنت سعيده للغايه ولم أستطع الانتظار حتي أعطيها هديتها ... لا تتخيلي يا سيلين
مدي سعادتي لياسين ... أتمني أن يهنأ في حياته ..."
قال تميم بصدق وهو يلاعب شعر صغيرته
" ياسين يستحق بالفعل ... خاصة بعد حياته مع زوجته الغير مستقره .. ولكنها
ماذا ستفعل .. أعتقد أنها ستطلب الانفصال الآن ..."
تبرمت شفتا الجده وهي تدعو الله من قلبها أن تفعل ما يقوله تميم وتبتعد عنهم تماما
فقد سئمت من وجودها حولها في المكان بوجهها الذي يقدح شرر وابتسامتها 
الملتويه كالأفاعي ... تتلون بكل لون تستطيعه ... ولكن هيهات 
فهي متشبثه بمكانها ولن تتركه ...!
تمتمت بغضب
" لن تفعل تميم ... بل هي متقبله للأمر بكل بساطه .. تشبثا بمكانها هنا 
وما يجعلنا نصمت عن أفعالها هو ذلك الصغير المنطوي ..حتي لا تكون نقطه سوداء
في حياته .. ويصبح أكثر انغلاقا ... نحن بكل ما في سوعنا نتدارك إهمالها
فيه بكل الطرق .. ولكن الي متي ... فهو بعد بضع سنوات سيكبر ولن ينفع
معه طرق الالهاء تلك ..."
أومأ تميم برأسه مؤكدا علي كلام جدته فهو أيضا يعلم جيدا كيف يكون إهمال 
الأهل ولكن يبدو أن شاهيناز فاقت الجميع 
قال بهدوء
" يمكننا تسوية الأمر معها جدتي ... إن كانت لا تريد الطفل وتريد المال
يمكننا ذلك مقابل تنازلها عن حضانته ...."
تنهدت جدته وهي ترتشف من فنجان قهوتها قائله بصوت خاوي
" لقد حاول ياسين بالفعل ولكن كما قلت لك هي متشبثه بمكانها ..."
ثم قاطعت الحوار قائله 
" أتركونا من الحديث عنها ... يكفيني وجودها حولي ... "
دارت بعينيها بينهما ... تميم الذي يلاعب شعر صغيرته التي تلقي علي مسامعه
أغنيتها الجديده بحروفها الضائعه وعيناه التي ترمق زوجته بين الحين والآخر
بنظرات حاره دون خجل بينما الأخري تتلاهي بااللاشيء
قالت الجده بهدوء موجهه حديثها لهما
" متي سينتهي هذا العناد المحيط بكما....؟؟... أنتما لم تعودا في سن المراهقه
ولديكما ابنه ... فحاولا تحكيم عقلكما لأجلها حتي ...."
ابتسم تميمه ابتسامه صغيره خبيثه وهو يقول بتحشرج
" أنا أمامك بكل عقلي جدتي .... ننتظر العقل الآخر كي يعمل..."
ثم رمق زوجته بنظره أخري شملتها بأكملها فلم تستطع البقاء أكثر من هذا ..
فنهضت علي الفور تتمتم بشيء عن تغيير ثيابها وأسرعت الخطا للداخل..

سلسلة قلوب شائكة /الحزء الاول(متاهات بين أروقة العشق) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن