【 الفصل الثاني 】
المدينة التجارية.
*************
ليلة مظلمة تسدل ستائرها على سماء المدينة التجارية ... نسائم تميل للبرودة تهب عليها بين الحين و الآخر ... و بما أن معظم الناس في منازلهم فلم يشكو أحد منها سوى من يجول الشوارع هذه اللحظة كحال ذلك الرجل السكير ...
يترنح في مشيته و هو يمسك بتلك الزجاجة في يده ... لا يعرف رأسه من قدمه و لا يفرق بين الأرض و السماء بل كل ما يفعله هو السير كما اعتاد بعشوائية على الأرض الحجرية المرصوفة بانتظام و ترتيب ...
و بينما كان كذلك اصطدمت قدمه بشيء ما ... لم يبدو جمادا بل كائنا حي فهو طري الملمس ... ظن أنها قطة ميتة أو كلب ضال ..
أنزل بصره لموضع قدمه و لم يصب في تخمينه ... فقد كانت جثة طفل صغير ..
لم يعرف هل هو ميت أو حي و بشكل أو بآخر كان عقله قد عاد للعمل جزئيا فانحنى و حدق في الطفل الساقط على جانبه الأيمن محاولا استنتاج ما إذا كان حيا أم لا.
وضع يده الكبيرة على كتف الصغير النحيلة و سحبه ليرى ملامح وجهه و قد بدى أنه يتنفس فتمتم بصوته الثمل : إنه حي ..
كان الطفل رث المظهر نحيل الجسد و ثيابه مهترئة و حذائيه مقطعان و في حال مزرية للغاية ... بدى كما لو أنه سار لفترة طويلة به !
اعتدل في وقفته و قرر ترك الطفل وحده ... و أخذ يكمل طريقه بخطواته المترنحة كما لو أن الأرض تهتز من تحت قدميه ..
*************
كانت أصوات زقزقة العصافير تصل إلى أذنيه و تتسلل إلى أحلامه التي مثلت جزءا من ماضيه ...
يجلس وحيدا أسفل إحدى الأشجار و هو يراقب الأطفال و هم يلعبون ... و من ثم لاحظ صوت الزقزقة من فوق و قد كان صاخبا أكثر من المعتاد فرفع بصره للأعلى حيث غصن شجرة و عليه استقر عش لعصافير ...
من دافع الفضول اخذ يتسلق الشجرة حتى و صل للغصن فوجد فيه عصفورة مع ابناءها تطعمهم ..
أعجب بهم كثيرا و كانت تلك من أجمل لحظات حياته حتى سمع صوت إحدى المربيات تصرخ بصخب : أيها الطفل !
لم يعلم لماذا صوتها بدى كالرجال و ذلك افزعه للغاية و اختل توازنه ليسقط من الأعلى و قبل أن يشعر بدماغه و هو يهتز داخل جمجمته إثر ارتطامه فتح عيناه بسرعة ليعود من عالم الأحلام إلى الواقع و قد شهق شهقة قوية و جلس بعدما كان مستلقٍ على الأرض.
أنت تقرأ
سنمّار درع لينور
Adventure.. "اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" .. نشرت في يوم الثلاثاء : الموافق : ٢٦ يونيو ٢٠١٨م ١٢ شوال ١٤٣٩هـ انتهت في يوم الخميس : الموافق : ٧ فبراير ٢٠١٩ م ٢ جماد الثاني ١٤٤٠ هـ .. فائزة في مسابقة أسوة ٢٠١٩ للقائمة الطويلة