【 الفصل الثاني و العشرون 】

1.3K 145 221
                                    

【 الفصل الثاني و العشرون 】

صفعة.

*************

- أيها الطفل !

توقف عن السير ذلك الطفل الذي يبدو في العاشرة من عمره بشعر أسود و عينان زيتيتان و حرك نظره باستغراب لصاحب الصوت و لم يكن سوى رجل عجوز مسن بشعر أشعث بياضه يخالط سواده و عديد من الأخاديد حفرت في وجهه ليكمل الرجل : أين هما والديك ؟

نظر إليه الطفل ورسم على وجهه ملامح جدية و رد : ليس لي والدان ... إنني من الميتم !

تعجب العجوز الذي لم يبدو بتلك الطيبة و قال له : إذن أرني ما معك من المال !

كان حصول الطفل على المال أمر شاق بالفعل ... لقد تعب في حمل الصناديق من السفن في الميناء مقابل هذا الأجر كما أنه اكتفى من تقديم المال للغير فوضع نقوده مباشرة في جيبه و نطق بحدة : لن أعطيك شيئا !

وقف العجوز من مكانه و هنا ركض الصغير بسرعة للهرب منه ... لا يزال خفيف الحركة و سريعٌ في الركض لذا سيتمكن من الهرب منه و لن يسمح له بالحصول على القطع النقدية التي تعب من أجلها !

أخذ يركض بكل مارتبقى لديه من طاقة على الأرض الحجرية و هو يلهث و قدماه الحافيتان قد تجرحتا إثر احتكاكها بالحجر لكنه لم يرضى الاستسلام و التوقف و تسلل بين المباني بغية تشتيت انتباه العجوز و الإفلات من عينيه و كان ينعطف لأي منعطف بشكل عشوائي و يسلك الأزقة الضيقة التي تزداد هدوءا و بعدا عن الميناء و صخبه و آخر منعطف أخذه تفاجأ بطريق مسدود أمامه !

اتسعت عيناه من الصدمة و التفت وراءه ليجد العجوز و هو يمسك جانب معدته لاهثا في تعب بسبب ركضه كل هذه المسافة و ابتسامة خبيثة ظهرت على وجهه ذا التجاعيد بعض البقع الصبغية فيما لم يصدق الصغير أن رجلا كبيرا كهذا يمكنه أن يقطع كل هذه المسافة من أجل عدة قطع نقدية لا تغني من جوع !

أخذ يلهث بقوة و رغما عنه دمعت عيناه و قال بصوت مرتجف : أنا حقا بحاجة لهذه القطع النقدية ... سأعطيك نصفها لكنني لا استطيع تقديمها كلها لك !

اقترب الرجل العجوز منه و لا تزال الابتسامة مرتسمة على وجهه حتى وصل للصغير الذي تمكن الخوف من قلبه فأمسك بياقته بقوة و صرخ بجدية : اعطني كل ما لديك !

لم يرد أن يعطيه لكن حينما شعر بالاختناق و أن أنفاسه بدأت تنقطع و جسده صار يصرخ داخله طالبا للهواء أدخل يده في جيبه و تحسس القطع المعدنية قبل أن يقبض عليها كلها و يخرجها من جيبه و عن غير قصد أفلتها لتسقط على الأرض مصدرة رنينا واضحا و متفاوتا حسب وصول كل قطعة و اصطدامها بالحجارة المرصوفة ...

سنمّار درع لينورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن