【 الفصل العاشر 】

1.9K 184 194
                                    

【 الفصل العاشر 】

ليلتين مضيئتين.

*************

وسط ذلك الظلام الدامس كانت تلك البقعة حيث بركة المياه المليئة بالفراشات مضاءة بوميض خافت يشع من اجنحتها البيضاء ... حلت محل القمر الخفي الضئيل ذي النور الشاحب في السماء ... و لأنها قريبة من الأرض بعكس ذلك الجرم السماوي فقد كان المكان أكثر إنارة و وضوحا مما لو كان بدرا مستديرا بين السحاب ..

كان آراش يجلس بجانب الآنسة لينور التي لاحظت بأنه شارد الذهن و ملامحه تميل للضيق ... خمنت مباشرة أنه يشعر بالمرض و سألته : هل أنت مريض ؟

حرك رأسه نفيا بخفة : ما بال هذا السؤال الغريب ؟

ردت عليه : ملامحك تدل على أنك لست بخير !

رسم شبح ابتسامة على وجهه سرعان ما زال و من ثم قال : إنني بخير حقا ..

جسديا و صحيا فهو بخير ... لكن الفوضى في عقله و الذكريات القديمة التي تدور في رأسه لا تساعده ليكون بخير ذهنيا ... و دون أن يشعر نطق و هو ينظر في الفراغ : بالنسبة لي فإني أفضل رحيل الشخص إلى السماء على أن يكون على قيد الحياة و يرحل بعيدا عني.

تعجبت من فتحه للموضوع ثانية و إبداء رأيه فيه ... من ملامح وجهه لم تعرف ما التصرف الصحيح في موقف كهذا ... فهل الصمت أفضل أم محاولة تجاذب أطراف الحديث معه ؟

فضولها منعها من الصمت فوجهة نظره تختلف تماما عنها ... تريد أن تعرف من أي ناحية يمكن أن يكون الموت أفضل لشخص ما من حياته و سألت بهدوء : و لماذا ؟

ظل صامتا بنفس وضعيته لدرجة أنها ظنت بأنه لم يستمع إليها فقررت تجاهل الأمر و السكوت عن الكلام.

مرت من أمامها عدة فراشات مضيئة و قد جذبت عيناها للنظر إليها قبل أن ينطق دون أن يتحرك أو يغير من نظراته الموجهة نحو البركة : مدربي الذي لا اذكر اسمه ... و لم اعد اذكر تفاصيل وجهه جيدا ... و صوته بات يتلاشى في ذهني و يتبعثر كبقية الذكريات المتعلقة به ... كان مقربا إلي للغاية ... هو الوحيد الذي كدت أن أقسم بأنه يحبني ...

لقد كاد يقسم بأنه يحبه لكونه اعتنى به و تكفل برعايته ... و بالنسبة له فإنه أحبه أكثر من والدايه اللذان تخليا عنه في أشد حالات ضعفه في قرية ما منعزلة عن العالم ... أكثر من أصحاب الميتم الذين أرادوا بيعه ... أكثر من أي كائن على وجه الأرض ...

كان هو مدربه و معلمه و صديقه و أباه و أخاه و كل شيء ... إنه الوحيد الذين منحه الدفء و الأمل في الحياة ... قد يبدو مخيفا و حازما للغاية اتجاه أي خطأ يرتكبه ... لكن الصغير آراش لم يخف أو يفزع أو يحزن يوما من صوته العالي ... أو الضرب الذي وجهه إليه ... أو النوم الذي حرمه منه ... أو الألم الذي يجعله يتقلب في مضجعه إزاء تدريباته القاسية ...

سنمّار درع لينورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن