بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والثلاثون
صالح يجلس جوار عبدالله وهو يضع يده على فخذه ويهتف بحزم: تجهز إن شاء الله بعد بكرة راجعين للدوحة
عبدالله هتف بحزم مشابه: لا جعلني فدا خشمك.. عطني يومين ثلاثة لين أرجع بورتلاند وأخذ لولدي تصريح يندفن في الدوحة وناخذه معنا
صالح تنهد بعمق ثم هتف بأشد حزم استطاعه: أنت اللي مالك لوا.. خالد الصغير اندفن من ثلاث أيام
والأرض كلها أرض ربك.. وكرامة الميت دفنه..
حينها صرخ عبدالله بصوت مرعب وهو يقفز واقفا: وأشلون تسوون كذا من وراي.. أشلون تجرأون تسوون كذا.. أنا إبيه.. وأنا اللي أقرر
أنا مستحيل أطلع من هنا بدون ولدي.. أشلون أقعد في ديرة هو مهوب مدفون فيها تقر عيني بشوفت قبره..
حينها هتف له صالح بغضب حازم: يعني وش تبي تسوي؟؟ تنبش قبره؟؟
وبعدين هذا أنت فجعت أبيك فيه.. حتى جثة تقر عينه فيها مالقاها لك
مثل مافكرت في ولدك.. ليش ما فكرت في إبيك؟!!
عبدالله مستمر في غضبه: لا لا تقارن.. إبي أنتو كلكم عنده تردون قلبه
لكن أنا ماعندي غير ذا الولد
وخلاص ما أظن عمري بأقدر أبدأ حياة جديدة ولا أتزوج.. ولا أجيب عيال
ماعندي غيره.. افهمني..
حينها نظر له صالح نظرة مباشرة وهو يهتف له بنبرة مقصودة:
ومن قال ماعندك غيره؟؟ ربك يأخذ ويعوض.. ولكلن غلاه
وأنت عندك ولد يأخذ معاليق القلب يابو حسن..
عبدالله لم يستوعب ما قاله صالح.. هتف بعدم فهم واختناق أقرب للصدمة: نعم؟؟ من أبو حسن هذا؟؟
صالح بشبح ابتسامة موجوعة: أنت أبو حسن.. الله يجعل خالد من عصافير الجنة.. ويكون شفيع لك يوم القضا والحساب
عبدالله ابتلع ريقه بصعوبة.. صورة ما بدأت تتكون في ذهنه.. لكنه عاجز عن إكمالها..
فقلبه المجهد المثقل بمختلف الآلام.. لن يحتمل أملا كهذا
صمت.. لم يجرؤ على السؤال حتى.. (أ يعقل ابن؟؟ ومن جوزاء بالذات؟)
ولكن صالح لم يسكت وهو يقتحمه وينسف قلبه المنهك بحماسته المتدفقة:
حسن فديت قلبه تو كمل 3 سنين من 3 شهور.. يا لبي قلبه.. قطعة منك
ثم غمز بعينه وهو يردف: الظاهر أم حسن كانت تحبك أكثر ما تحبها.. عشان كذا الولد كله لك
عبدالله انتفض قلبه بعنف.. بدا كما لو أن صالحا يرتكب فيه جريمة ما وهو يعذبه بهذه الصورة..
فهو مازال عاجزا عن التصديق.. فكيف بكل هذا الانثيال العاطفي المتحمس من قبل صالح:
والله لو مهما أقول لك عنه ما أوفي.. حبيب قلب الكل.. عيالي المساكين مايسوون عنده.. لو مر يومين ثلاثة ماجانا في البيت
شفت أبو صالح وعياله الثلاثة مرتزين في مجلس أبو عبدالرحمن كل واحد منهم يحك رأسه..
صالح بحماسة أخرج هاتفه المحمول: خلني أوريك صورته.. معي صورة له توها مالها كم يوم..
عبدالله انتفض بجزع وهو يقف: صورته؟؟
ثم أردف بألم عميق.. عميق: صالح أنا صدق عندي ولد؟؟ وإلا تلعب علي؟؟
صالح رفع حاجبا: ألعب عليك؟؟ وليه هذا موضوع ألعب فيه؟؟
أنت سافرت وأم حسن حامل.. والمسكينة حادت عليك ثمان شهور
حينها انتفض عبدالله بغضب كاسح: تخلونها تحاد 8 شهور وأنا مطلقها... ليش؟؟ ليش؟؟
صالح بهدوء: ابي من زعله منك ماشاف ورقة الطلاق..
عبدالله مستمر في غضبه: وهذا التبرير بكل بساطة؟؟ 8 شهور ما تطلع من البيت بدون سبب.. ودراستها زين متى لحقت تكملها؟؟
صالح بذات الهدوء: ما كملت دراستها..
عبدالله جلس من ثقل وطأة الصدمة عليه: أشلون؟؟ كان باقي لها مادتين بس..
صالح هز كتفيه: هذا اللي الله كتبه.. وبعد أم حسن من النوع اللي يحاتي واجد.. وما حبت تخلي حسن وهو صغير..
عبدالله يفتح عينيه ويغلقهما ويهمس بأمل موجوع: يعني صدق أنا عندي ولد من جوزا؟؟ صدق يا صالح؟؟ تكفى لا تكون تلعب علي والله ما استحمل
صالح كان يهز له رأسه بينما عبدالله أردف بغضب تفجر فجأة وهو يتذكر شيئا:
وإذا أنا صدق عندي ولد..أنتو أشلون تخلون ولدي يربيه رجّال غريب ماكن له أهل
صالح يشير له أن يهدأ: أول شيء أم حسن توها تملكت من كم أسبوع بس.. ومابعد عرست.. وابيك اللي مارضى حد يتعرض لها
قال كفاية اللي اخيكم سواه فيها.. والله ماحد منكم يقهرها على ولدها
وقتها ما فهمت ابي ليه سوى كذا.. بس الحين فهمت وما ألومه
أنت تقول أنك ظلمت البنية بنفسك
وأم حسن ذا السنين كلها وهي ترفض تتزوج.. والحين جاها واحد ما ينرد من وجهة نظر ابيك.. وحلف علينا ماحد يتدخل
عبدالله حينها شعر أنه يحترق حتى أقصاه من ناحية.. قشعريرة غضب وغيرة عارمين اقتحماه بلا هوادة رغم محاولته دفعها..
ومن ناحية أخرى شعر براحة غير مفسرة.. أنها مازالت لم تصبح لرجل آخر بعد
ولكنه هتف بغضب مر من بين صرير أسنانه: ومن حضرته اللي ما ينرد؟؟
صالح ببساطة: امهاب آل يحيا...
***************************************
كانت على وشك النزول للأسفل.. رأت طيف فهد الذي عرفته ببدلته العسكرية.. لذا عادت لناحية قسمها.. حتى يتوجه لقسمه هو هزاع في الناحية الأخرى من الطابق
وبقيت قريبا من الباب المفتوح
اقتحمها الصوت الواضح القريب في منتصف الصالة.. صوت فهد الذي هتف بإرهاق:
جيت والله جابك.. تكفى ياخيك..
صوت هزاع المرح: وفيها تكفى بعد... كم تدفع؟؟
فهد بذات الصوت المرهق: اللي تبي.. والله أني حاضر
هزاع يضحك: غريبة الأخ طافي مرة وحدة.. يا الله احتراما للأخوة ولأخي الشيبة آمرني..
فهد حينها أمر بحزم: بس إياني وإياك حد يدري باللي أنا اقوله لك
هزاع (بعيارة) : خلصني.. يعني باروح أنشر اللي بتقوله في وكالات الأنباء
فهد بأمر: روح الحين لبيت صالح.. بتلاقي عمال يشطبون غرفتين داخل.. تقريبا هم خلصوا.. بس باقي شغلات بسيطة
أبيك تقعد فوق روسهم لين يخلصون.. لأنه بعد شوي بتجي شركة التنظيف
لأني بكرة لازم أفرش الغرفتين ذولا والمجلس..
صالح جاي بعد بكرة.. ولو ماخلصت متحلف فيني يعلقني على باب بيته..
هزاع يحك رأسه: متحلف فيك يعلقك؟؟ هذي تخليني أفكر أفرك لها وأخليك تورط.. عشان أجي عقب وأضحك..
فهد بنفاذ صبر: هزاع بلا عباطة.. والله أني ميت من التعب توني جاي من الزام هلكان.. على الأقل بأنام ساعتين وأنا بجيك عقب
حينها هتف هزاع (بعيارة) : إلا وش عنده اخيك الكبير مكتم على الموضوع..
لا يكون رايح أمريكا يبي يجيب مرته الجديدة ويسكنها في البيت.. وحاشرنا على سبت ذا الموضوع..
حينها ابتسم فهد: الظاهر شكله كذا..لا وأزيدك من الشعر بيت.. مارضى يقول عن وقت رحلته بالضبط.. يقول مايبي حد يستقبله.. بيجي على تاكسي
الأخ الظاهر غيران حد يشوف المدام الجديدة..
هزاع يضحك: لا لا أنا معترض.. البيت الجديد حق بنت عمي أم خالد..
تبيه يجيب الجديدة على رأسها ويعطيها بيتها بعد.. شين وقوات عين
فهد يتوجه لناحية قسمهما: اعترض على كيفك.. خلني أنام بس..
هزاع يستوقفه وهو يهمس بنبرة مقصودة مرحة: يا حضرت الملازم ترا نتيجتي قربت تطلع.. جهز نفسك للوعد عند الحلاق..
فهد كان قد وصل إلى باب القسم دون أن يلتفت أشار بيده: احلق حواجبي مع شنبي كنك جبت نتيجة بس..
هزاع نزل.. وفهد أغلق باب غرفته عليه.. وهناك مستمع ثالث انهار جالسا على الأرض
تعلم أنهما يمزحان.. ولكن خلف المزح حقيقة جلية واضحة
صالح طلب تشطيب البيت وفرشه دون علم أحد..
فإلى ماذا يهدف من ذلك..
أمنياتها البريئة حاولت أن تقنعها أنه ربما كان يريد مفاجئتها بذلك كصلح بينهما
ولكن عقلها رفض هذا التبرير الغبي..
تشطيب غرفتين فقط وبشكل عاجل وسري
كل هذا يشير إلى توقع واحد مرعب..
هزت رأسها رعبا جزعا.. وقلبها يهوي بين قدميها :
لا لالالالالالالالالالا.. لالالالالالالا.. صالح ما يسويها فيني
********************************
" منصور حبيبي.. صار لك كم يوم وأنت بالك مهوب رايق
وش فيك ياقلبي؟؟"
حينها التفت منصور لعفراء التي جلست لجواره للتو وهمس بشفافية عميقة بها رنة وجع عميقة مخفية:
ويا ترى أنا حبيبش وقلبش.. وإلا كلمة فض مجالس؟؟
عفراء أنزلت عينيها بخجل: يعني لازم تدقق على كل كلمة..
منصور بذات النبرة الشفافة الموجوعة المختبئة خلف ثقة صوته المعتادة:
أدقق؟؟ لا صارت الكلمة حلم أتمناه.. أشلون ما أدقق
عفراء تتنهد ( ليتني ماقلت له شيء.. إلا لازم يحرجني بتدقيقه)
همست وهي تتهرب من الرد: يعني مسكت في أطراف الكلام وخليت لبه.. وش مشغل بال أبو زايد؟؟
منصور تنهد وهو مصر على مافي رأسه.. تحسس طرف خدها وهو يهمس بخفوت:
هو عندش أطراف كلام لكنه عندي لبه وأساسه..
عفرا أبي أكون قلبش وحبيبش صدق مهوب كلام بس
عفراء صمتت وخجلها يلتهمها.. بينما منصور عاود التنهد وهو يهتف بحزم:
وعلى العموم اللي شاغل بالي شوي تخطيطات
عفراء حاولت أن تبتسم تجاوزا لحرجها: تخطيطات عسكرية أو حياتية؟؟
ابتسم منصور وهو يطوق كتفيها بذراعه: شوي من هذا وذاك..
تعرفين حن العساكر قانوننا الأزلي.. ضحي بالمهم عشان الأهم
وهذا اللي أنا قاعد أسويه ذا الأيام..
عفراء بتساؤل رقيق: وياترى وش مقياس المهم والأهم عندك؟؟
منصور استدار ليواجهها.. وهتف لها بشجن: خلني أشوف عيونش وأقول لش
عفراء حاولت رفع عينيها فلم تستطع.. ابتسم منصور وهمس لها بنبرة دافئة شعرت بها تذيب خلاياها:
المهم أنه الليلة كان فيه احتفال بترقية زميل عزيز
بس أنا لأني طلعت اليوم قبل صلاة الفجر.. وماشفتش الا لمحة ما أشبعت شوقي
فصار الأهم عندي أني أشوف عيونش .. لانه زامي بكرة مثل زامي اليوم (الزام/الدوام)
ومعنى كذا أني لو رحت العشا ما راح أرجع إلا متأخر ولا أقدر أشبع من قعدتش..
فاعتذرت عن الاحتفال والعشا.. وجاي مبلط عندش من بدري
وهذي طبعا تعتبر من المعجزات.. ومع ذا كله حضرتش شاحة علينا حتى بنظرة عيونش
عفراء شعرت بارتعاشة شفافة تجتاح جسدها ..فهي أصبحت تعرف اهتمام منصور المبالغ فيه بمجاملة زملائه في مناسباتهم..
وهو بالفعل نادرا ما يعود في وقت مبكر فهو يبقى في مجلسه حتى منتصف الليل أو ماقبل ذلك بقليل..
لذا استغربت عودته المبكرة اليوم.. وربطتها بتغييرات لاحظتها عليه الأيام الماضية
ولكن أن يصدمها بكل هذا الحنان غير المتوقع.. فهذا كان عاصفا بمشاعرها بالفعل
لذا رفعت عينيها له.. ثم تجرأت أكثر لتمد جسدها قليلا وهي تميل عليه لتقبل هي عينيه وتهمس له بعذوبة من قرب: الله لا يخليني من عيونك
منصور وضع يده على قلبه: وينش يمه؟؟ تعالي شوفي ولدش راح في خبر كانا
عفراء عاودت الجلوس والنظر ليديها بخجل.. منصور نظر لها بابتسامة: تونا وش حليلنا وما أسرع قلبنا
عفراء ابتسمت بخجل دون أن تنظر إليه.. ثم همست له بسعادة وهي تتذكر شيئا:
نسيت أقول لك... اليوم كلمتني جميلة... دكتورها رخص لها..
ياربي يا منصور.. يأنا انبسطت.. كنت بأموت من الشوق لصوتها
يا قلبي صوتها متحسن واجد.. وطمنتني إنها تحسنت.. بس تقول إنها مشتاقة لي..
قلت لها حتى أنا مشتاقة لش واجد وبجي لش قريب..
منصور كان ينظر لعفراء كيف أشرق وجهها مع ذكر ابنتها وهي تنثال بسعادة لم يراها مسبقا فيها.. كانت روحها تغرد..
شعر بسعادة في عمق روحه لسعادتها: الله يخليها لش.. ويخليش لي.. لا تحاتين ياقلبي قريب إن شاء بأوديش
موضوع جميلة هو بالفعل يشغل بال منصور.. ومهما حاول ترجئة الحديث عن هذا الموضوع يجده يقفز لبؤرة التفكير عنده
لذا مد يده لعفراء الجالسة جواره وأمسك بكفها بين كفيه ثم هتف بحزم:
تدرين عفرا أنا فعلا فيه شي شاغل بالي.. ومن يوم تزوجنا مهوب جديد
يمكن أحيانا يكون فيه مخططات الواحد يحب يحتفظ فيها لنفسه لسبب معين
لكن لما يكون في الرأس سؤال أنا ما أقدر أصبر ولا أراوغ
أحب أسأل بشكل مباشر وأتلقى جواب مباشر بدل ما أقعد أفكر وأقول يمكن كذا أو يمكن كذا
عفراء بتساؤل: أبو زايد ليش ذا المقدمة.. عندك سؤال اسأل وأجاوبك من عيوني..
منصور شد له نفسا ثم أكمل بذات الحزم: قبل ما نتزوج.. يمكن كل واحد منا شرط على الثاني شروط
بس شروط وانت على البر غير يوم تدخل البحر..
يعني يا عفرا أنتي شرطتي رضا بنتش عن زواجنا.. لكن فرضا إنها ما رضت.. وقالت يا الله يمه تطلقي
تسوينها.. تطلبين الطلاق مني؟؟ يهون عليش تقولين منصور طلقني عشان بنتي اللي عند رجّالها مهيب راضية؟؟
عفراء بدأت تشد أصابع منصور ارتباكا وتوترا دون أن تشعر وهمست بتوتر:
ما تشوف يا منصور إن هذا كلام سابق لأوانه وماله أي سبب الحين
منصور بحزم: أنا بصراحة كاره شعور القلق والمحاتاة اللي أنا فيه.. عفرا أنا ما أتخيل حياتي من دونش خلاص..
تخيلي يقولون لش ممكن نحرمش من الهواء أو الماء.. هل بتعتبرين الكلام عن الموضوع أو محاتاته كلام سابق لأوانه؟؟
عفراء احتضنت كف منصور برقة وحاولت دفع أكبر من المهادنة والرقة في صوتها.. فنبرة منصور بعثت قلقا وتوجسا عميقين في روحها:
حبيبي منصور فيه أمور ما تعالج بذا الطريقة
يعني أنت كل شيء عندك يا أبيض يا أسود.. ترى فيه ألوان ثانية..
خلك مرن شوي.. ومافيه داعي تفكر في ذا الموضوع بدون سبب..
اقعد يا قلبي ريح أعصابك وخلني أسوي لك أحلى عشا
حينها انتزع منصور يده منها بحدة وهو يقف ويهتف بنبرة مثقلة بحزم مصفى:
وياترى لوني أنا وش هو عندش يا عفرا..؟؟ لون ماله لازمة..؟؟
تدرين ..خلي عشاش لش.. وفوقهم حبيبي وقلبي.. اللي أكيد هم بعد من لون ماله لازمة.. مثل اللي تنقال له..
منصور توجه للدولاب يأخذ له ثوبا وغترة.. بينما تبعته عفراء بجزع..
يقف أمام الخزانة لا يرى من الغضب الذي يحاول كتمانه فلا يفلح.. وهو ينتزع الثوب بحدة حتى كاد يمزقه
فكلما تمكنت عفراء من روحه.. كلما أصبح شرطها جارحا أكثر لمشاعره وكرامته.. ثم بعد ذلك تريده أن يرى كل الألوان!!
(أي ألوان تريد أن أراها
وأنا أشتعل هكذا
أي ألوان أراها وأنا أعلم أنه في الوقت الذي باتت هي أنفاسي دون أشعر
في الوقت الذي تسللت لتقيم تحت جلدي
هي على استعداد أن ترمي بي بدون اهتمام
ثم بعد ذلك تقول لي كن مرنا.. انظر لكل الألوان
لقد بت أكره كل الألوان التي هدفها إبعادك عني
نعم أريد فقط الأبيض والأبيض
لا أريد الأسود حتى
أريد فقط بياضك أنتِ)
أخذه من أفكاره الغاضبة عفراء تمسك ذراعه وتهمس برجاء عميق:
تكفى حبيبي لا تطلع وأنت معصب كذا.. خلاص سامحني أنا آسفة..
منصور التفت لها بحدة وعيناه تطلقان شررا ملتهبا: لا تقولين حبيبي.. فاهمة.. شيء ما تقصدينه لا تقولينه.. لا تقولينه..
تحبيني وأنتي حاطتني ستاند باي.. لو بنتش الدلوعة قالت يمه ما أبيه.. مستعدة ترميني بدون تفكير..
عفراء بدأت تختنق بعبراتها: تكفى منصور والله مهوب كذا.. والله مهوب كذا.. زين اقعد خل نتفاهم..
منصور لم يرد عليها وهو يرتدي ثوبه..ثم يتجه للمرآة وهو يلبس ساعته وأزرته ويعدل غترته.. بينما عفراء بقيت واقفة بجوار الخزانة
قررت ألا ترجوه أكثر من ذلك لأنه بدا ثائرا فعلا وخشيت أن يحتد أكثر في الغضب..
كما أنها خشيت أن ترجوه أكثر فتنهمر عبراتها التي تسد حلقها
لم ترد أن تبدو بمظهر طفلة باكية أمامه
لا تعلم كيف انقلب بهذه الصورة.. منذ دقائق فقط كان رائقا جدا كبحر رقراق هادئ
فإذا البحر ينقلب إلى أمواج عاتية غاضبة..
كان وصل للباب حين استوقفه همسها المختنق: على الأقل قل لي وين بتروح.. لا تخليني أحاتيك تكفى..
منصور هتف ببرود وهو عند الباب ودون أن يلتفت لها: غريبة تحاتين ذي!!.. تحاتيني اليوم وأنتي بتبيعيني بكرة؟!!
رايح لعشا ترقية زميلي أبرك لي من ذا القعدة التي تقصر العمر..
**************************************
" وش رأيك تخاويني؟؟"
كان أبو عبدالرحمن يهمس بهذه الكلمات وهو يشير حسبما يستطيع لتميم
وخصوصا أن الاثنين بينهما تفاهم عميق جمعهما عليه اشتراكهما في هواية القنص بالصقور..
تميم ينزل فنجانه ويشير له بمودة : وين؟؟
أبو عبدالرحمن يحرك شفتيه بهدوء حتى يفهمه تميم: باكستان.. أبي اشتري لي طيور من ذا الحين قبل موسم القنص
تميم يشير برأسه بالموافقة ويشير له : متى؟؟ لازم أكون هنا قبل عرس أختي
أبو عبدالرحمن يبتسم: ذا اليومين.. بنروح ونرجع قبل العرس..
يبتسم له تميم ويشير برأسه: متى ما بغيت أنا جاهز..
أبو عبدالرحمن يبتسم بمودة كبيرة: جعل بنت آل ليث ما تجيب لك إلا عيال.. تجيب لك عشرة.. قل آمين..
في زاوية أخرى من المجلس نفسه.. مجلس فاضل بن عبدالرحمن
"امهاب قوم فارق لبيتكم.. بدل ملابسك"
مهاب يلتفت لعبدالرحمن بنصف عين: قاعد فوق رأسك أنت.. قاعد في مجلس عمي حبيبي..
عبدالرحمن يضحك: الله يهني سعيد بسعيدة.. بس ثوبك وسخه حسن بالشكولاته.. لا يجينا رياجيل وأنت كذا
يقولون وش ذا الكابتن المعفن؟؟
امهاب بمرح: عاجبني ثوبي.. وكيفي أنا وولدي.. حلاله خله يوسخ ثوبي
المسكين ارتاع يوم لقى ايديه وسخه.. مالقى له منشفة غير ثوبي
عبدالرحمن يضحك: بلاك ماتدري وش بليتك أنت وإياه.. مرتك وامه..
لو شافت ثوبك وسخ ..وإيديه وسخة ..مهوب بعيد تحطكم اثنينتكم في الغسالة
مجنونة نظافة..
مهاب عقد حاجبيه: من جدك أنت؟؟
عبدالرحمن يبتسم: إيه.. من جدي.. ما تشوف حسون 24 ساعة يلمع كنه مراية..
مهاب أدخل يده في ماء فناجين القهوة أمامه .. ثم رش عبدالرحمن بأطراف أصابعه لتصل بعض نقاط الماء لوجه عبدالرحمن: اذكر الله .. بتطس الولد عين بعد..
عبدالرحمن يمسح وجهه ويضحك: زين إن ابي وتميم لاهين وما شافونا.. وإلا كان وريتك شغلك ياقليل الحيا
امهاب يضحك: جزاك وأقل من جزاك.. قاعد تنظل مرتي وولدي على نظافتهم..
ثم أردف ببعض الجدية: إلا لا تكون أم حسن تعصب على حسن إذا لقته موسخ نفسه وإلا ثيابه..؟؟
عبدالرحمن بنبرة دهشة: تعصب عليه..؟؟ جوزا على نظافتها يمكن لا يجيها حسون طالع من بلاعة ما تعصب عليه..
عمري ماشفت أم تحب ولدها وحنونة عليه مثل جوزا..
غمز مهاب بعينه: عقبال ما ينولني من الحب جانب..
غمز له عبدالرحمن: اصبر على رزقك..
ثم أردف بجدية: شوف يا امهاب أنا وأنت واحد... ما أكذب عليك.. جوزا فيها عيوب واجد..
وأشين عيب فيها إذا عصبت وخر من طريقها لأنها تضيع مفتاح لسانها..
وهذي طبعا نصيحة لك.. إذا شفتها عصبت لا تكلمها
بس جد جد فيها صفتين يدور عليها كل رجال في بيته..
تقدر تأمنها على بيتك وأنت مالي يدك ..
والشيء الثاني اللي أنا من الحين أحاتيه إذا راحت.. إنها تسنعك عدل
يعني على أني الولد الوحيد وأمي موجودة وعندي أخت ثانية.. لكن كل شيء يخصني جوزا مسؤولة عنه
ثيابي وأغراضي كلها مرتبة مثل المسطرة.. وشوفت عينك حتى أنا ملمعتني ومسنعتني.. وبتجي أنت وتأخذها باردة مبردة
مهاب يضحك: الله أكبر عليك.. أشفيك اليوم مشغل الأربع عيون كلها
حتى مرتي بتناشبني عليها... كفاية عليك بنت آل ليث
عبدالرحمن بمرح: ياحي طاري بنت آل ليث.. طاري ولا به شوف..
مهاب يستعد للوقوف: زين خلك تحلم ببنت آل ليث وأنا بأروح للبيت
أتسبح وأبدل.. كساب كلمني يقول يبي يجيني
*************************************
كان يسترق النظر إليها ويبتسم رغما عنه وهو يخفي وجهه خلف جريدته
كان وجهها مشرقا وعيناها تلمعان بفرحة طفولية بعثت في روحه سعادة غير مفسرة
كانت تنظر لوجهها في المرآة الصغيرة التي طلبتها للتو من الممرضات..
وطلبت شيئا آخر.. ملمع شفاه زهري.. طلبته منهن بدلال.. وجدن أنفسهن يستجبن له بابتسامة
فهذه المخلوقة المدللة.. تعرف كيف تتدلل براعة.. دلال لا تستطيع أن تكرهه منها.. من يكره مثل هذا الدلال الرقيق؟؟
هكذا كان يفكر خليفة.. وهو يراها تنظر للمرآة وتدلل شفتيها باللون الزهري الذي زاد إشراق وجهها إشراقا..
ثم اصطادته ببراعة وهي تهمس بدلال رقيق: خليفة أدري أنك تطالعني من ورا جريدتك وتمسخر في قلبك..
بس عاد خلك جنتل وقول أني حلوة من ورا قلبك
خليفة أنزل جريدته جانبا وابتسم: وأنتي حلوة ومن قلبي بعد..
ابتسمت بشفافية: أدري انك كذاب.. بس عادي اكذب علي..اليوم أنا مبسوطة
اتسعت ابتسامته أكثر: وابتسامتج تينن.. ياليت تتكرمين علينا فيها من وقت للثاني..
اتسعت ابتسامة جميلة أكثر وهي تهمس بعذوبة: لا عاد هنا مهوب كذب بس.. إلا نصب على مستوى..
***********************************
" ادخل يا اللي عند الباب"
اعتدلت كاسرة جالسة حين رأت وضحى تفتح الباب وتدخل بخطوات مترددة وفي وجهها حديث
ثم تهمس بخفوت وهي مازالت واقفة قريبا من الباب: ليش ما تعشيتي؟؟
كاسرة بهدوء: تونا شربنا كوكتيل واحنا راجعين قبل المغرب.. حاسة ما همضته بعد
وضحى اقتربت خطوتين وهمست بشبح ابتسامة: تمنيت أسمع اجابة ثانية
كاسرة أشارت لها أن تجلس في المكان الخالي جوارها على السرير وهي ترفع حاجبا وتنزل الثاني: وشنهي الإجابة الثانية اللي تنتظرينها؟؟
وضحى جلست وهي تهز كتفيها بتردد: أنش مثلا متوترة إن عرسش قرب.. وعشان كذا نفسش مسدودة..
حينها ضحكت كاسرة بعذوبة: بصراحة الإجابة هذي ما تشبهني ولا واحد في المليون..
وضحى تهز كتفيها وتهمس بتلقائية: بس تشبه أي بنت طبيعية عرسها عقب حوالي أسبوع..
حينها نظرت لها كاسرة نظرة مباشرة وهمست بذات المباشرة الواثقة: يعني أنا شايفتني بنت غير طبيعية؟؟
صمتت وضحى وهي تخشى انفجار كاسرة فيها..
لكنها فوجئت أن كاسرة تعاود التمدد بشكل نصف مائل وهي تعدل المخدة خلف ظهرها وتبتسم:
وأنا ما أبي أكون طبيعية.. وما أبي أكون أشبه أي بنت.. لأن أنا هي أنا.. ومافيه حد يشبهني..
وضحى بتردد رقيق: طيب والبنت الخارقة ما تبي أختها تساعد في تجهيز شناطها؟؟
كاسرة ابتسمت: عشان أنا مروقة الليلة بأعدي الخارقة ذي يا يا غرانديزر
وأكيد باعتاز اختي تساعدني بس تو الناس على ترتيب الشناط ذي
وضحى حينها انفلتت بحماس هو مادفعها للحضور: لا مهوب تو الناس
لأنش لازم تجهزين الأغراض اللي بتروح لبيتش.. والشنط اللي بتأخذينها معش السفر
حينها اعتدلت كاسرة بحدة وهي تسأل بحزم: أي سفر؟؟
وضحى انكمشت قليلا: سفرش.. شهر العسل.. كساب كان هنا قبل شوي وقال لأمي أنكم بتسافرون ليلة عرسكم على طول
كاسرة ضاقت عيناها قليلا وكأنها تحادث نفسها: كساب كان هنا؟؟
ثم أردفت بغضب: وأمي أشلون ما قالت لي؟؟
وضحى بهدوء متردد: مابعد لحقت يمكن.. لأنه توه راح من شوية.. وهذا أنا قلت لش..
ثم أردفت وضحى بابتسامة: ياربي يا كاسرة.. رجّالش وذوق وجنتلمان بشكل
جايب لأمي هدية خيال..خيال..
كاسرة كانت تعض شفتيها دون أن تشعر
(يعني غاثني بالاتصالات والمسجات اللي كنها وجهه
ويوم يصير موضوع مهم مثل ذا.. بدل ما يقوله لي ..يبلغه لأمي.. وش يقصد من ذا الحركة يعني؟؟
وجايب لأمي هدية بعد من زود الذرابة والأدب يعني
الله أعلم وش يقصد؟؟
الذيب ما يهرول عبث!!
نشوف وش أخرتها معه ذا الكساب المصدي؟)
وضحى شعرت أنها ربما أخطأت بإبلاغ كاسرة وأنها كان من المفترض أن تترك هذه المهمة لأمها
لذا انسحبت بهدوء وأغلقت الباب دون أن تنتبه كاسرة لخروجها أبدا لشدة استغراقها في أفكارها الغاضبة من كساب..
********************************
في غرفتها.. مستغرقة في دوامة أفكارها التي تلتهمها منذ أيام...
زواج.. حياة جديدة.. مسؤولية مختلفة
هل هي مستعدة لكل هذا مع إحساسها الدائم بثقل ما في روحها؟
تشعر أنها غير مستعدة أن تخطو هذه الخطوة بينما في حياتها الحالية خطوات معلقة
هل تتزوج لترحل لبيت جديد بينما كساب مازال غاضبا منها؟؟
حينها أي فرصة ستكون لحل ما بينهما.. ستبتعد لتبدأ حياة جديدة بعيدا عنه.. وحينها لن يجد له سببا للرضا عنها
تريد حينما تنتقل لحياتها الجديدة أن تكون بكامل عافيتها النفسية في حياتها الحالية
لا تريد أن تنقل أحزانها معها هناك..
لا تنكر أنها في داخلها كانت كفة غانم ترجح لسببين
السبب الأول والأهم أنه من طرف كساب.. والسبب الثاني هو غانم نفسه
لأنه رأته بنفسها.. فصورته واضحة في خيالها.. وليس مجرد خيال غير معروف كابن عمه الآخر
وحينما صفت رؤيتها الآن بعد ابتعادها عن ضغط جو العمل
تتذكر الآن تعامل غانم معها.. التعامل الذي ضايقها في حينه لأنها كانت متضايقة ومتحفزة
ولكنها تراه الآن قمة في الذوق والشهامة والتهذيب
ولكنها مترددة جدا في الموافقة عليه
فبداخلها حزن بعمق الكون.. حزن لا حدود له.. وهي جربت جفاء الأقارب ووجيعته..وتكره أن تكون هي من تهديه لغيرها
قد تقول لنفسها وما يهمني من الأمر...ولكنها لم تستطع قول ذلك لنفسها
لا تتخيل حياتها مع رجل قد تكون هي سبب القطيعة بينه وبين ابن عمه
حتى لو لم تحدث قطيعة .. سيبقى دائما في القلب مافيه
سيبقى دائما يتذكر أنها سبب الجفاء وانقطاع المودة..
وقد يظن أحدهم أن الثاني قد خطب على خطبته.. فكيف سينظران بعدها لبعضهما؟!
ومن ناحية أخرى تخشى أن توافق على غانم فيحز ذلك في خاطر عمها منصور وخصوصا أنها تعلم قرب فهد آل ليث من عمها واعتباره له كابن له..
تشعر بالحيرة والضياع والتشوش من كل ناحية.. تشعر كما لو كانت في لجة بحر عميق..
كلما رفعت رأسها شعرت أن هناك مايشدها للأسفل ليغرقها أكثر وأكثر!!
تتنهد للمرة الألف هذه الليلة وهي تقطع غرفتها ذهابا وإيابا
وعقلها لا يتوقف عن التفكير الذي أجهدها وأرهقها لأبعد حد
تقرر ختاما أن تتوقف لتصلي صلاة الاستخارة للمرة العاشرة ربما
منذ أخبرتها خالتها بموضوع الخطبتين
******************************************
"أنت عطني جوالي صار لك ساعتين تمقل فيه.. أبي أكلم"
عبدالله لم يسمع صالح حتى.. فتركيزه كله مع صور حسن..
إحساس مذهل وغريب وغاية في الانتشاء يشعر به
مطلقا لا يأخذ ابن مكان ابن آخر.. فلكل واحد منهما معزته
ولكن هناك ابن اختفى وبقي لاختفائه هوة عميقة في الروح كادت تلتهم عبدالله
فإذا بالهوة تُردم وتمتلئ حد الانفجار بمحبة عميقة غريبة..متأصلة
كأنه يعرف هذا الصغير منذ الأزل
كأنه ينبض بين جوانحه.. وروحه الشفافة تُسكن روح والده الملتاعة
ينتزعه من أفكاره يد صالح تهز كتفه: أقول يأخينا عطني جوالي بأرسل لك صور ولدك أبلشتنا يالنشبة..
عبدالله التفت لصالح وهتف كأنه يكلم نفسه: صالح مانبي ننتظر لبعد بكرة.. خلنا نروح بكرة أو حتى اليوم لو قدرنا
صالح يجلس وهو يبتسم: لو داري كان قلت لك عن ولدك أول ماجيتك
عبدالله يضيق عينيه: هذي أصلا يبي لها حساب ثاني.. صار لك أكثر من يومين تهذر على رأسي.. وماخطر على بالك تسولف لي بالمرة عن ولدي
يالله ياصالح قم خل نغير حجزنا..
صالح بابتسامة: شكلك ياخ أنت ناسي ليه حجزت أنا بعد بكرة..
لأنه بكرة عندك جلسة التحقيقات الأخيرة أنت بروحك قايل لي أمس عقب ماطلع المحقق من عندك أنت وفيصل..
عبدالله يضرب جانب رأسه.. فظهور حسن قلب موازين تفكيره.. يهتف بتوجس:
تدري يا صالح والله ما أبي جلسة التحقيق ذي خصوصا عقب ماعرفت بحسن.. قلبي ناغزني من الجلسة
صالح بقلق: ليه؟؟
عبدالله يشد له نفسا: المحقق يقول إن راكيل تبي تشوفني وتكلم معي.. وأنا رفضت.. بس المحقق قال لازم تقابلها عشان نسمح لك تطلع
وأنا حاس إن هذا تخطيط على كبير من محاميها.. اللي هو أكبر محامي في نيويورك ويهودي مثلها
والمحامين ماتعرفهم هنا شياطين.. هو أكيد عارف أني كنت في المستشفى وكنت أهدد كل ماصحيت أخذ روحها
فالسيناريو اللي أنا خايف منه أني فعلا يوم أشوفها.. بانط في حلقها أخنقها مثل ما خنقت ولدي..
وطبعا هم بينقذونها من يدي.. لكن أنا بألبس السالفة كلها.. وبأصير أنا اللي حديتها على كل ذا.. لأنها أكيد تندمت على اعترافها
وبما أنها خلاص اعترفت بجريمتها لازم تلاقي لها سبب خلاها تسوي كذا
وأنا بأكون السبب القوي والمنطقي..
صالح تصاعد قلقه: طيب يوم أنت عارف إن هذا اللي هم يبونه.. حاول تمسك أعصابك.. لين تخلص الجلسة
عبدالله بكره عميق: قلبي محروق ياصالح.. ما أضمن نفسي..لو شفتها ما أدري وش ممكن أسوي فيها
صالح بألم: أرجع أقول كله ذنبك.. وإلا حد يحده النصيب على يهودية.. أشلون فات ذكائك ذا الشيء..؟؟
عبدالله بألم مشابه: والله العظيم دققت في ذا السالفة.. قالت لي أنها من المسيحين الأرثوذكس..
وأقنعتني إنها تبي تسلم.. وما شفت من عايلتها إلا إبيها مرة وحدة بس..
الله ياخذها أخذ عزيز مقتدر.. ما أدري وش تبي فيني بعد
تخيل صالح.. عقب مارجعت ودلت طريقي.. كانت تقول لي رجعني وأنا مستعدة أنسى اللي سويته كله
وطبعا رفضت وطردتها.. وهي ساعة تترجى وساعة تعصب.. وأخرتها أستغفر الله وأتوب إليه تقول أنا أبي أعيش معك حتى لو ماتبي تتزوجني مهوب لازم
المهم أرجع لحياتك..
وعقبها تحط حرتها في ولدي وتعصب عشانه حافظ قرآن..
وعقب ذا كله تقول أنت لي امسك أعصابك.. انا قلبي شايل منها فوق طاقته.. خلاص بانفجر يا صالح..
على كل اللي هي سوته.. عمري مامديت يدي عليها..
أبي أبرد حرتي فيها.. أبي أبرد حرتي فيها ياناس..
عبدالله بدأ ينفعل وصوته يرتفع وعيناه تطلقان شررا ملتهبا.. وأنفاسه تعلو وتهبط
صالح خاف عليه فعلا.. إذا كان ذكرها قد جعله يثور هكذا.. فكيف رؤيتها في الغد
صالح شده وهو يهتف بتهدئة: قل لا إله إلا الله.. اذكر ربك..
عبدالله تنهد وزفر أنفاسا لاهبة: لا إله إلا الله..
صالح هذي كانت حية خربت حياتي كلها..أدري إن السبب لحظة ضعف مني.. ولو أنا كنت ضعيف إيمان كان قدرت تكمل مخططها كامل علي..
حتى يوم أصرت هي تقدم لي على القرين كارد.. قلت لها ماله داعي أنا قاعد كم شهر وبننزل عقبها الدوحة.. ولو أبيها قدمت عليها بروحي..
بس هي أصرت وجابت لي ألف عذر.. كانت تبي تزرعني هنا جنبها.. كانت تخطط على كبير
كانت تحاول تقنعني أشتغل في معهد دراسات عالمي مشبوه.. هدفه المعلن السلام في العالم.. ويتلقى الدعم من اليهود..
وما يشتغل فيه إلا اللي معه جنسية أمريكية.. كل شيء نجس فكرت فيه بدقة
الله ياخذها.. الله يحرق قلبها مثل ماحرقت قلبي.. ضيعتني وضيعت ولدي
صالح بتهدئة: ماعليه ادعي عليها.. وتوجه لربك يأخذ حقك منها
بس الحين عبدالله تذكر حسن.. لو أنت خليت الغضب يعمي عيونك
وش بتستفيد؟؟ ما تبي ترجع الدوحة؟؟ ما تبي تشوف حسن؟؟
صالح لم يجد له شيئا يهدئ عبدالله به سوى ذكر حسن.. حينما رأى شدة فرحته به..تلمس شيئا يستطيع به أن يضغط عليه
ولكن ذلك لم يمنع من تسرب خوف متزايد في روح صالح توجسا مما سيحدث في الغد في جلسة التحقيق..
فهو يخشى حتى الموت أن هدوء عبدالله الظاهري سرعان ما ينتزع لتظهر ثورته العارمة تحته..
*************************************
" الحين أنت من جدك الحركة اللي مسويها؟؟ "
علي يلتفت لكساب ويهتف بهدوء باسم: إيه من جدي.. على طول وأنت تخطط.. خل حد يخطط عنك.. ريح بالك واستمتع بس
كساب بجدية: علي أنت تحرجني بذا الطريقة.. أنا مارفضت هديتك اللي أنت فرضتها علي.. حتى أني بلغت عمتي الليلة بموعد سفرنا
بس على الأقل عطني برنامج الرحلة.. أنا واحد مخي مخ بيزنس مان.. ومتعود على السفر اللي قبله تخطيط دقيق
علي بابتسامة دافئة: وسفرتك مخطط لها تمام.. من يوم توصل جنيف لين تطلع منها.. إذا أنت بيزنس مان.. أنا دبلوماسي.. واحنا خير من يخطط
نخطط أحسن منكم يأهل التجارة..
ثم أردف علي بمودة كبيرة: أنا قصدي من كل هذا.. أني أحسسك بجو مغامرة غير..صدقني إحساس ماراح يتكرر..وخصوصا أنه شهر عسلك
وأنا عارفك.. الرومانسية مضروب جنبها عندك.. منت بعارف تسوي برنامج متكتك مثلي..
أبيك تستمتع بكل خطوة بالكامل بدون ما تشيل هم اللي بعدها.. اللي بتكون في وقتها مجهولة لك..
تأكد إن كل شيء مدروس.. لا تخاف ماراح أفشلك في بنت ناصر..
حينها ابتسم كساب: زين وسألتني بنت ناصر.. احنا وين بنروح عقب..
أقول لها والله يا بنت ناصر رجّالش ثور الله في برسيمه.. مايدري وين الله حاشره..
كساب سر رغبته في المعرفة هو كاسرة بالذات..
ربما لو كانت زوجته صبية أخرى سواها .. شابة بليدة تتقبل الأمور كما هي دون أن تسأل أو تعترض لم يكن ليهتم أبدا
لكنه لا يريد أن تجد عليه كاسرة ممسكا كأن لا يكون يعرف ماهو مخطط رحلتهما
فلماذا كانت جميلة لهذا الحد؟؟ وذكية لهذا الحد؟؟
لماذا لم تكن كما قال المثل العتيد: كوني جميلة واصمتي
لماذا تريد قلب قواعد اللعبة عليه
ولكن على كل حال.. ليس هو من يخشى شيئا..
أبــــــدا!!
علي أجابه بمرح وهو يغمز بعينه: ما ينخاف عليك .. آخر شي أنت تحاتيه أنك تلاقي كلام.. بتفر مخ بنت ناصر..
وحينها غمز كساب له بالمثل: وأنت متى بيفرون مخك؟؟
علي يضحك: هي كل المواضيع اللي في الدنيا خلصت.. ماحد يشوف وجهي الا يبي يزوجني أنت وابي ومزون وحتى عمي وخالتي
باقي الجيران وراعي البقالة وتكملون..
كساب بثقة: خلاص أنا خلصوا مني.. صار الدور دورك..
علي بمودة باسمة: إذا صرت عم.. هذاك الوقت تزوجت عشان أزوج عيالك الشيان.. عشان ما يطيحون في كبدك..
" يكفيهم إنهم عيال كساب عشان ينفقون"
يلتفتان لوالدهما الذي دخل عليهما دون أن ينتبها.. ليقاطع حديثهما.. ابتسم علي:
أوه شكلك راضي على كساب.. عقبالنا..
زايد يصلهما ليقفزا كلاهما ويقبلان أنفه.. بينما زايد هتف بمودة عميقة لعلي:
أنا دايما راضي عليك.. الله يرضي عليك ربك ويحبب فيك خلقه
فهتف كساب بنبرة مقصودة: يعني أنا اللي الرضا علي له حزات وحزات؟؟
زايد جلس وهتف له بذات نبرته المقصودة: والله ذا الأيام إن شاء الله إني راضي عليك
ولو أنك تسمح خاطر أخيتك اللي مالها غيركم كان رضاي عليك تام!!
كساب صمت ولم يرد عليه.. فأخر ماكان يريده هو تعكير صفوه بهذا الموضوع
علي أيضا صمت.. فهو كان شاهدا على كسر كساب قبل أربع سنوات
ورغم تمزقه من أجل مزون.. إلا أنه لا يستطيع أن يساهم في عملية الضغط على كساب.. لأنه يفهم كساب وشخصيته جيدا
ويعرف أن ما مر به لم يكن بسيطا أبدا على روحه الحرة .. بل كان مؤذيا وجارحا لأبعد حد.. وخصوصا أنه كان يعلم يقينا استماتة كساب في إرضاء مزون وتدليلها لأبعد حد
زايد بذات النبرة المقصودة يكمل: ليه ماترد علي.. ماشاء الله لسانك دايما جاهز.. وين راح؟؟
مزون وخلت كل شيء كان مضايقك عليها
ما تشوف أنك مسختها وزودتها على غير سنع..
كساب حينها هتف ببرود: والله يبه عمر القلوب ما تغصب على شيء ماتبيه..
حينها هتف زايد بحزم: أنا سكتت ذا السنين كلها لأنك كان لك عذرك..
لكن الحين لا تخليني أربط رضاي عليك دنيا وآخرة.. برضاك على أختك
انتفض قلب كسّاب بعنف بين حناياه ومع ذلك هتف بحزم مشابه لحزم والده:
يبه وزين غصبتني أقول لها أنا رضيت عليش.. لكن القلب جرحه فيه ما تشافى
ثم أردف بألم عميق أخفاه خلف حزم صوته: يبه خل الرضا يجي من القلب
ولا قدك أنت راضي عليها.. ماعليها من رضى غيرك
زايد حينها وقف وهو يهتف بحزم : زين يا كسّاب بأخليك الحين تفكر براحتك..
بس تذكر يأبيك أن الدنيا دوارة.. وأنه مابه شيء في الدنيا يستاهل تسوي في أختك كذا
**************************************
" سمعتي آخر الأخبار.. عندي لش خبر فريش"
سميرة كانت تتمدد على بطنها.. اعتدلت جالسة وهي تهتف في هاتفها بحماس: الله.. أخبار.. علوم.. أحمدك يارب
شعاع تضحك: ليه حد قايل باعطيش ذهب وإلا فلوس..
سميرة ترقص حاجبيها: أنا ودي بالأخبار أكثر من الذهب والفلوس..
حينها همست شعاع بخبث رقيق: زين ماسمعتي خالش هريدي يقول: ياخبر النهاردة بفلوس يبئى بكرة ببلاش ؟؟
فردت عليها سميرة بخبث مشابه وأكثر رقة: إلا سمعت خالي هريدي يقول: احييني النهاردة وموتني بكرة..
شعاع تضحك: زين ياللي تبين الحياة اليوم..
الخـــبـــــر هــــو
إن رجالش.......
حينها غاص قلب سميرة بين قدميها بشكل مفاجئ.. فذهنها كان خاليا تماما.. لتقلب شعاع كيانها تماما بكلمة واحدة تستحضر "تميم" إلى بؤرة تفكيرها
قاطعتها سميرة بتوتر: وش فيه تميم؟؟
شعاع تبتسم: وش فيش طفيتي؟؟ مافيه إلا العافية
بيروح مع إبي لباكستان.. يشترون طيور
حينها ابتسمت سميرة: وأنتي ابيش وش يبي برجالي؟؟ كل شوي لاقطه مكان..
شعاع تضحك بعذوبة: نعنبو متى صار رجالش ذا
سميرة حينها همست بنبرة تحذير: اسمعيني.. علمن ياصلش ويتعداش
وبلغيه عمي فاضل مع الاحترام طبعا.. قولي له بياخذه الحين.. ياقدرة الله ما اقدر أسوي شيء
بس إياني وإياه يجبي يأخذه في موسم القنص.. لأنه ذاك الوقت خلاص دخل ممتلكاتي الخاصة..
ياختي عروس أبي أشبع من قعدة رجالي.. خلي ابيش يطلع من بيننا.. مهوب يصير طبينتي ... (الطبينة =الضرة)
حينها اشتعل وجه شعاع احمرارا وهمست بخجل: ياوجه استح.. أعوذ بالله البنت فسخت الحيا.. عيب عليش والله عيب..
سميرة بمرح : يعني جايه ومبلغتني هذا الخبر السعيد.. وش تبين ردة فعلي
وياختي عقبال مانشوفش عروس ونشوف السحا ذا وين بتودينه
***************************************
" يأمك ذا الروحة مالها داعي"
كان تميم ينظر لإشارة أمه ثم يشير لها بحركة مقصودة : ليه يعني؟؟ خايفة علي؟؟
مزنة تشير بحركة مقصودة مشابهة: أنت رجال وما ينخاف عليك
يعني بأخاف عليك من روحة تشترون طيور من باكستان
وأنا ماخفت عليك من روحاتك القنص للعراق والجزائر وأفريقيا.. ومن يوم عمرك 16 سنة..
تميم حينها ابتسم بشفافية: إذا عشان عرس كاسرة.. بأرجع قبله..
مزنة بحنان: يأمك كاسرة يوم درت أنا حسيت إنها تضايقت.. وانت عارفها حتى لو تضايقت بتكتم في نفسها..
وأنا خايفة أنك تبطي في سفرتك.. الواحد ما يدري وش ظروفه..يمكن يصيدكم شيء يأخركم
تميم يشير بمودة: إن شاء الله ماني بمتأخر.. وكاسرة أنا بطيب خاطرها.. أنا عطيت أبو عبدالرحمن كلمة.. ما أقدر أخلف معه
بعد دقائق.. دقاته الهادئة ترتفع على باب كاسرة التي عرفته من دقاته..
منذ جاءتها والدتها وأخبرتها بالخبرين معا.. سفرها ليلة عرسها وسفر تميم الآن
وهي تشعر بضيق عميق من أجل سفر تميم على الخصوص..
لا تتخيل أنها قد تتزوج وأحد أخويها غير موجود في تلك الليلة..
مهما هم تناسوا أو هي من جعلتهم يتناسون بقوة شخصيتها
فهي صبية في ليلة زفافها تريد أن يكون أهلها كلهم حولهم.. تريد حينما يأخذها كساب أن يرى أخويها بجوارها..
حتى وإن كانت تعلم أنها لا تخشى أن يظلمها هذا الكساب أو يضيمها ..
ولكنها بداخلها تبقى تريد الإحساس بالعزوة والانتماء والسند.. المعاني التي يمثلها أخوتها لها..
حينما سمعت طرقات تميم على بابها نفضت أفكارها وأخفت ضيقها خلف ابتسامة هادئة وهي تفتح له..
تميم دخل بخطواته الهادئة ابتسم بمودة وهو يشير لها: يقولون شيختنا زعلانة عشاني بأسافر
ابتسمت كاسرة وأجابت باصطناع بارع لإشاراتها وملامح وجهها: لا.. من قال زعلانة.. تروح وترجع بالسلامة
تميم مال عليها ليقبل جبينها ثم أشار بمودة: بأرجع قبل عرسك.. هذا وعد إن شاء الله.. وعد الحر دين عليه.. السالفة كلها 3 أيام بس..
كاسرة حينها قبلت خده وأشارت بشجن عميق حاولت إخفاءه خلف حزم إشارتها وملامحها:
يطري علي يا تميم لو وضحى اللي عرسها عقب أسبوع بتسافر سفرة أنت عارف أنك يمكن تبطي فيها
أنتو رايحين تشترون طيور.. يمكن ما تلاقون اللي يعجبكم..
بترجعون يعني وأنتو ما اشتريتو؟!
حينها ابتسم تميم وأشار بحنان مصفى: لا شكلش شايلة في قلبش ومن قلب.. يعني أول مرة أحسش متضايقة كذا ومن سبتي
خلاص يالغالية ماني بمسافر .. لا تضايقين.. مادريت أني مهم كذا عندش.. انتفخ رأسي..
كاسرة هزت رأسها رفضا: لا والله ما تفشل روحك في عمي أبو عبدالرحمن وأنت وعدته.. خلاص روح..
بس أنت وعدتني ترجع قبل عرسي.. يعني حتى لو مالقيت الطيور اللي تجوز لك بترجع
تميم يبتسم إبتسامته الشفافة..ويشير بثقة: وعدتش إن شاء الله إني هنا قبل العرس بيومين على الأقل..
كاسرة ردت على ابتسامته بابتسامة أكثر رقة وشفافية وهو يشير لها بالسلام ويخرج ليغلق بابها خلفه..
كاسرة اتسعت ابتسامتها أكثر لاطمئنانها بوعد تميم لها.. وهي تتراجع لتتجه للحمام حتى تتوضأ
فإذا برنين هاتفها يرتفع معلنا إزعاجا من نوع آخر
التقطته لترى على شاشته أخر اسم تتمنى رؤيته وهي في هذا المزاج الرائق
لأنه عكّر مزاجها فورا..
وإلى جانب تعكير المزاج.. هناك دائما مشاعر غريبة أشبه بنفور غير مفسر يجعل دقات قلبها تتسارع بغيظ.. توتر..غضب.. إجهاد..
ترتبط هذه المشاعر الغريبة العصية على التفسير دائما باسم الرجل الأغرب الأكثر استعصاء على التفسير
كـــــســـــاب
#أنفاس_قطر#
.
.
.