عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة..
لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية:
يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم..
أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر..
حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها..
وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده..
إحساس غريب.. سبق أن شعر به..
قبل عام تقريبا...
دوامة يطوف بها..
وصوت اصطدام..!!
وحشرجة أنفاس مهاب..
وصراخ الجد..
وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!!
بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها..
سوى شيء واحد.... والــــــــــده!!
أثمن كل شيء وأغلى..
أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!!
أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !!
ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!!
ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق..
وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!!
ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات..
ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..)
ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته..
وهو يوقف حياته كاملة من أجله!!
ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس..
وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!!
ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه..
كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!!
لا يعلم ما الذي حدث.. ولا كيف حدث..
كل ما يعلمه أنه وجد نفسه ينحني على سرير والده.. وهو يجس نبضه ويتأكد من أنفاسه.. ويصرخ بشعاع: اتصلي في الاسعاف بسرعة..