part 6 : دموع

87 5 6
                                    

مرت ستةُ أيام دون أن يسمع أحدٌ شيئاً عن جيش الإمبراطورية أو جيش القرية، وخلال هذه الفترة لم تتوقف ياسَمين عن انتظار أي خبر يصلها عن فارس..
في اليوم السابع وعند الظهيرة وصلت مجموعة من الرجال الذين كانوا في جيش القرية إلى القرية، كان عددهم قليل جداً وكانوا يعانون من جروح بليغة وكانوا متعبين من السير إلى القرية..
سمعت نرجي عن وصولهم فذهبت ل ياسَمين وأخبرتها، وفورا ذهبتا إلى المكان الذي كان فيه الرجال على أمل أن يكون فارس بينهم، دخلتا إلى بيت الزعيم الذي اجتمع فيه الناس مع الرجال الذين أتوا، كان الرجال جالسين بجانب بعضهم وكان أحدهم يقول للناس: لقد قُتل الزعيم في المعركة وقُتل معه الكثيرون.. نحن الوحيدون الذين نجونا.. لقد هُزمنا أمام جيشهم الكبير.. لم نستطيع فعل شيئ.. جيشهم الأن في طريقه إلى القرية.. علينا أن نستسلم.. إن أردنا النجاة.. علينا أن نستسلم..
بحثت ياسَمين بعينيها عن فارس بين الرجال لكنها لم تجده، ظلت تبحث وتبحث إلى ان رأت ميس جالسةً بجانب أحدهم وكانت تبكي، في البداية لم تتعرف على هوية الشاب بسبب الدماء التي غطت وجهه وأغلب جسده، وبعد أن دققت النظر عرفت أنه رامي فاتجهت نحوه وتبعتها نرجس..
كان رامي جالسا ومتاكأ على الحائط، اقتربت ياسَمين منه وعندما رآها أزاح نظره عنها فسألته: أين فارس..؟
لم يجب رامي وانما استمر في تفادي نظرات ياسَمين ، فأعادت بقلق: رامي.. أين فارس.. ؟ ألم يأتي معكم..؟ هل سيأتي فيما بعد..؟ أين هو..؟ أجبني رامي.. أين فارس..؟
نزلت دموع رامي على خديه معلنةً عن قسوة ماسيقول: فارس.. فارس كان.. لقد.. فارس كان شجاعاً وقوياً.. لم يترك زعيم القرية وحده.. لقد.. لقد قُتلا معا..
بمجرد أن سمعت ياسَمين ماقاله رامي انهارت على الأرض وهي غير مصدقة لما سمعته، اقتربت منها نرجس وأمسكت بها..
تعالى صوت بكاء رامي وشهقاته وأكمل: أنا أسف يا ياسَمين.. لم أستطيع مساعدته.. لم أيستطع حتي جلب جثته لتدفن في القرية..
تمتمت ياسَمين : لا مستحيل.. هذا لايمكن..
تكلمت نرجس : ربما كنت مخطئاً يا رامي.. ربما من رأيته لم يكن فارس.. ربما كان شخصاً يشبهه..
: لقد اقتربت منه ورأيته.. تلقي ضربةً في ظهره.. كان مغطاً بالدماء.. ليتني أنا مت وليس هو.. انه صديقي الوحيد.. لم أستطيع حمايته..
لحظات وأصبحت الدنيا سوداء في عيني ياسَمين وغابت عن الوعي لتسقط بين يدي نرجس..

استيقظت ياسَمين لتجد نفسها في سريرها، تسألت ماإذا كان ماسمعته ورأته حقيقةً أم كابوس، تمنت كثيراً أن يكون كابوسً لكن صوت بكاء رامي و نرجس و ميس الذين كانوا بجوارها جعلها تدرك أن ماحدث كان حقيقة..
تركت سريرها فانتبهت لها نرجس وقامت وأعادتها إلى السرير، قالت: انت بحاجة إلى الراحة ياسَمين.. نامي قليلاً..
: ماذا حدث..؟
: لقد غبت عن الوعي لأنك كنت متعبة..
: ألم يأتي فارس..؟
لم تستطيع نرجس قول أي شيئ ل ياسَمين وانما كانت دموعها هي الاجابة الوحيدة..
تمتمت ياسَمين : قال لي سأعود.. وعدني بذلك.. قال سأعود..
غفت ياسَمين وهي تتمتم بهذه الكلمات وتبكي، ولم تستيقظ حتي صباح اليوم التالي..

كانت نرجس تعد الفطور عندما رآت ياسَمين مستيقظة، قالت لها: صباح الخير.. تعالي اجلسي لنتناول الفطور معاً..
: لا رغبة لدي..
اتجهت ياسَمين نحو الباب لتخرج فأوقفتها نرجس قائلة: إلى أين ستذهبين..؟
: سأتمشي قليلاً.. لا تقلقي عليْ.. أحتاج أن أبقي وحدي..
خرجت ياسَمين تتمشي في شوارع القرية، لم تكن نفس القرية التي تعرفها، تغير كل شيئ بين ليلةٍ وضحاها، حتي الناس لم يكونوا نفسهم، لم يسلم عليها أحد أو يتحدث إليها أحد كما كان يحدث دائماً، لم يركض حولها الأطفال يلعبون ويضحكون، كل شيئ تغير، لم تعد قريتها نفسها قريتها، أبوابٌ أقفلت وهاجر أهلها، وأبواب اخرى توشك أن تقفل وأهلها يجمعون أغراضهم على عربات ويتجهزون للرحيل، أصوات البائعين التي كانت تملأ المكان اختفت كلياً، وحلَّ بدلاً عنها أصوات البكاء، كل بيتٍ فقد أحداً، كل شخص في القرية يبكي أحداً، الجميع يبكي، والجميع يعاني، هكذا كانت القرية في ذلك الصباح..
مشت ياسَمين ومشت دون أن تدرى إلى أين، كانت تمشي وحسب إلى أن قادتها قدماها إلى النهر، النهر الذي كانت ضفافه دائماً مليئة بالناس، من يصطاد، ومن يغسل ثيابه، ومن يملأ جراره، ومن يسبح، كان فارغاً ووحيداً..
جلست ياسَمين على ضفته وشعرت أنه كان حزيناً مثلها وكان متألماً لرحيل الناس عنه، اقتربت ونظرت إلى مياهه فتراءت لها صورة فارس ، ظنتها حقيقة فالتفتت خلفها لتنظر فلم تجد شيئاً..
بكت وبكت بأعلي صوتها، بكت فارس ، بكت خطيبها وحبيبها وصديقها وعائلتها الوحيدة، بكت أيامها الجميلة معه، بكت ذكرياتها وأحلامها، بكت ماضيها وحاضرها ومستقبلها..

عادت ياسَمين لبيتها لتجد نرجس تنتظرها ومعها ميس ، دخلت فقالت لها نرجس : أين كنت..؟ قلقت عليك..
: لم ابتعد كثيراً..
سألت ميس : أنتي بخير..؟
جلست ياسَمين على أحد الكراسي ثم قالت ل ميس : أين رامي..؟ كيف حاله..؟
: انه بخير..
: أريد رؤيته..
: سيأتي بعد قليل..
لحظاتٌ وسُمع طرقٌ على الباب ثم دخل رامي ، كانت الجروح تملأ جسده وكان مصاباً في رأسه ويده اليسرى مكسورة وكذلك رجله اليمني وكان يسير متكأً على عصى..
ساعدته ميس على الدخول وعندما رأي ياسَمين قال لها: كيف حالك ياسَمين.؟
ابتسمت ياسَمين ابتسامةً منكسرة ولم تقل شيئاً، أعدت نرجس الشاي وجلسوا يشربونه بصمت إلى أن قالت ياسَمين : كيف كان فارس..؟
كانت ياسَمين تنظر إلى كوبها دون أن تشرب منه شيئاً، وعندما قالت ذلك نظر الأصدقاء إلى بعضهم ولم يقولوا شيئاً فسألت مجدداً : رامي.. كيف كان فارس في المعركة..؟
: كان.. كان قوياً وشجاعاً.. ظل يدافع عن الزعيم ببسالة.. قال لنا أن مهمتنا الأولى هي حماية الزعيم لأنه إن قُتل فسوف يتفكك جيشنا ونهزم.. لقد بقي معه حتي أخر لحظة..
: كيف.. كيف قُتل..؟
: أصيب بطعنةٍ في أسفل ظهره.. كنت أنزف كثيراً وكانت قواي خائرة.. لم أستطع احضار جثته.. سامحيني ياسَمين..
لم تقل ياسَمين أي كلمة وانما وقفت من مكانها واتجهت نحو غرفتها وقالت دون أن تنظر لهم: سأنام.. لايوقظني أحد..
استلقت ياسَمين على سريرها وغطت نفسها بالكامل بغطاء السرير وظلت تبكي إلى أن غفت..
كطفلةٍ صغيرة سُرقت منها لعبتها، هكذا كانت ياسَمين ، ابتسمت لها الحياة قليلاً ثم عادت وسرقت كل سعادتها..

بقيت نرجس تتحدث مع ميس و رامي ، قالت: انها حزينة جداً..
دمعت عينا ميس وقالت: ماحدث لها صعب.. كانت تعد لزفافها وفجأة فقدت كل شيئ..
قالت نرجس : أنا خائفةٌ عليها.. لم تتناول شيئا منذ الأمس..
قال رامي : علينا ألا نتركها وحدها حتي تتحسن..
: أنا سأبقي عندها.. لن أعود لبيتي..
: هذا أفضل.. وأنا و ميس لن نترككما..

سحر الإمبراطوريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن