في مكانٍ أخر...
فتح عينيه ببطء فلم يرى سوى السواد، أغلقهما ثم فتحهما مجدداً ورمش عدة مرات، كان السواد لايزال حالكاً، أغمض عينيه فسمع أصواتاً كثيرة لم يستطيع تمييزها، انتظر قليلاً ثم فتحهما مجدداً فبدأت رؤيته تتوضح، رمش عدة مرات قبل أن يتمكن من فتح عينيه بالكامل..
سقفٌ حجري وجدرانٌ جار عليها الزمان، فُتح الباب ليدخل منه رجلٌ كبير في العمر..
أصدر تأوهاً فانتبه له الرجل، تقدم نحوه وقال: أخيراً استيقظت..
حرك شفتيه ليتكلم لكنه لم يستطيع فقال له الرجل: لا تقلق.. أنت بخير.. تحتاج للراحة فقط..
حاول أن ينهض من السرير فشعر بالألم، تقدم نحوه الرجل وأعاده مستلقياً وهو يقول: لا تتحرك كثيراً.. جرحك لم يشفي بعد..
تمتم بصوت لا يكاد يسمع: أين أنا..؟
: أنت في منزلي.. لقد كنت جريحاً عندما وجدتك.. كنتُ أظنك ميتاً بسبب كمية الدم التي فقدتها.. أحضرتك إلى هنا وعرضتك على الطبيب فقال أن اصابتك خطيرة وأنه يلزمك الكثير من الوقت لتشفي..
: منذ متي وأنا هنا..!؟
: لقد كنت غائباً عن الوعي لخمسة أشهر..
: خمسة أشهر..
عاد بذاكرته إلى ذلك التاريخ.. كان يدافع عن قريته ببسالة ولم يستطيع أحدٌ أن يقترب منه، رأى زعيمه يُقتل فهاج غضباً على العدو، قتل منهم الكثيرين ولم يستطيع أحدٌ أن يصيبه بخدش، إلى أن اقترب أحدهم من خلفه وطعنه غدراً في ظهره..
سقط أرضاً وهو يرى أصديقائه يقتلون دون أن يستطيع فعل شيئ، أُغمي عليه للحظات ثم استفاق على صوت صديقه وهو يبكي ويتمتم: سامحني ياصديقي.. لم أستطع حمايتك.. ليتني أنا مت وليس أنت.. كيف سأعود من دونك..
حاول فتح عينيه وأن يخبر صديقه أنه لم يموت وأنه يسمعه لكنه لم يستطيع..
غاب عن الوعي مجدداً وعندما فتح عينيه ثانيةً رأى أصدقائه يرحلون وهم يجرون ألام الخيبة والخسارة، حاول أن يناديهم، أن يصرخ عليهم، أن يقول لهم أنه حي وأن يأخذوه معهم، لكن عبس، لم يخرج صوته، وكأنه شخصٌ أبكم لا يجيد النطق أبداً..عاد إلى واقعه على صوت الرجل يقول له: لقد قال الطبيب أنك لو كنت شخصاً عادياً لكنت مت فور اصابتك لكن لابد أن لديك سبباً قوياً للحياة..
بقي شارذاً للحظات ثم تمتم: ياسَمين..
سمعه الرجل فسأله: ياسَمين..!؟ هل هي حبيبتك أم زوجتك..؟
ردَّ بأسي: لا أدري..
تذكرها.. في أخر مرة رأها.. كانت تبكي.. كانت بين ذراعيه تبكي.. تذكر نفسه يضمها.. تذكرها تقول له ( حتي لو طال غيابك سأنتظركَ ).. تذكر نفسه يقبلها على جبهتها ويقول لها ( سأشتاق إليكِ )..
جال بنظره في أنحاء الغرفة ثم قال: كانت أجمل فتاةٍ في القرية.. عندما أحببتها كانت في أوج جمالها وصباها.. وعندما أحبتني كنتُ أسعد رجل على الأرض.. أحببنا بعضنا كثيراً.. وكنّا سنتزوج..
كانت كلماته ممزوجة بالألم والأسي، شعر الرجل بالحزن لأجله فقال له: لابد أنها تنتظرك.. عليكَ أن تشفي سريعاً لتعود إليها..
ارتسمت ابتسامةٌ هادئةٌ على شفتيه بينما غلبه النوم قبل أن يتمكن من قول شيئ..
نظر نحوه الرجل وقال لنفسه: من الجيد أن يكون في حياته شخص مثل تلك الفتاة.. سيجعله ذلك يشفي بشكل أسرع..في اليوم التالي استيقظ على رائحةٍ شهيةٍ تملأ المكان، ساعده الرجل على أن يستند على السرير: تبدو أفضل حالاً اليوم.. أمازلت تشعر بالألم..
: قليلاً فقط.. شكراً لك سيدي..
: لا تشكرني.. أنا لم أفعل شيئ.. أخبرني ما اسمك..؟
: فارس..
: وأنا رعد.. اعتبر نفسك في بيتك.. اطلب مني كل ماتحتاجه ولا تخجل..
: شكراً لك..
: سأذهب لأحضر الفطور..في القصر...
تناولت ياسَمين الافطار في قاعة الطعام ثم خرجت في نزهةٍ ملكية مع الامبراطور يرافقهما اتيكوس و نرجس..
كان اتيكوس و نرجس يسيران خلف افتيموس و ياسَمين بمسافةٍ قصيرة ويتحدثان معاً..
: لقد تعبت من السير..
: لم نسير كثيراً حتي تتعبي.. نحن لم نبتعد عن مدخل القصر بعد..
: أعلم.. لكنني لا أحب السير.. أليست هذه نزهة ملكية.. ألاّ يجب أن يركب الامبراطور ومرافقوه في عربة..
ضحك اتيكوس وقال: من يراك وأنت تتذمرين هكذا لا يصدق أنك مرافقة الامبراطورة..
: ماذا تعني..!؟
: لا شيئ.. لكنك تتصرفين على طبيعتك دائماً.. أعني.. أنتِ لا تتصرفين كمرافقةٍ خاصة..
: وكيف تتصرف المرافقة..!؟
فكر قليلاً وقال: لقد رأيت الكثير من المرافقات خلال سفري.. كل واحدةٍ كانت تتصنع اللطف والأنوثة.. كلهن كن يراقبن كلامهن قبل أن يتكلمن.. ولا يتكلمن إلاّ بكلامٍ معسول.. وإذا علمن أنني صديق الامبراطور افتيموس يحاولن أن يوقعن بي بأية طريقة..
قالت بتفاجأ: حقاً..!؟
: أجل.. أتعلمين أنه في احدى المرات حاولت احداهن النوم معي ثم التظاهر أنني اعتديت عليها حتي أتزوجها..
: وكيف علمت انت بذلك..؟
: لقد جعلتها تأتي لغرفتي وأوهمتها أنني حقاً سأضاجعها ثم قيدتها وجعلتها تعترف..
: واااو.. يبدو أنك ذكي حقاً اتيكوس..
نظر نحوها بابتسامة وقال: أرأيتِ.. أنتِ مختلفة.. أنتِ حتي لم تتظاهري بالخجل وأنا أخبركِ بهذه الأشياء.. لو كانت فتاةً غيركِ لصار وجهها كالطماطم ولما استطاعت حتي النظر إليّْ..
قالت ببلاهة: ولما أخجل..!؟ أنتَ من تتكلم وأنتَ من حصل معكَ كل ذلك فلما أخجل أنا..!؟
توقف عن السير فتوقفت ونظرت نحوه وقالت: لما توق.....
وجدته ينظر نحوها بعينين هائمتين فوقفت حائرة، بقيا ينظران لبعضهما حتي سمعا صوت افتيموس يناديهما، نظرا نحوه فوجداه قد جلس على كرسي مع ياسَمين ويناديهما ليجلسان معهما..
أمسكَ يدها واندفع راكضاً نحو افتيموس و ياسَمين وهو يجرها خلفه، سرت رعشةٌ في جسدها بمجرد أن لمست يده يدها، تفاجأت من تصرفه وأرادت أن تسحب يدها ولكنه كان يمسكها بقوة فلم تستطع..
كان افتيموس و ياسَمين متفاجأن أيضاً مثل نرجس وأكثر عندما رأيا تصرف اتيكوس.._________________________________________
شو رأيكم في المفاجئة..؟
فرحانين والا مكسورين من عودة فارس..
تتوقعوا رح يعرف عن ياسَمين..؟
و شو رح يعمل..؟

أنت تقرأ
سحر الإمبراطورية
Romanceماهو الحب... لطالما تسألت بينها وبين نفسها عن معني الحب... هل هو أن تحضنك أمك وتقبلك بين الحين و الأخر، أم هو أن يقلق عليك والدك إن تأخرت في العودة، هي لم تعرف والداها فكيف ستعرف الحب.. هذا ما كانت تظنه.. فارس : أعدك أنني لن أتركك أبدا وسأحبك إلى أخ...