part 36 : جفت الورود

32 6 6
                                    

بعد عشرة أيام..
كان افتيموس جالس برفقة فارس و ياسَمين و نرجس في القاعة الرئيسة ينتظرون أي خبرٍ عن اتيكوس والفرسان معه، كان كلٌ منهم غارق في التفكير والصمت يسيطر على المكان إلى أن قال افتيموس : لقد تأخروا كثيراً.. كان يجب أن يعودو منذ أربعة أيام..
نظر الجميع إلى افتيموس الذي كان يهز رجله في قلق، قال له فارس : يبدوا أنهم رفضوا ماعرضنا عليهم..
: كل مايهمني الأن أن يعود الجميع سالمين..
نظرت ياسَمين إلى نرجس التي كانت تجلس بجانبها وهي تشبك يديها معاً وتحرك ابهاميها في توتر، وضعت يدها على كلتا يدي نرجس وقالت لها: اهدئي.. أنتِ على هذه الحال منذ مغادرتهم..
: لست مطمئنة.. لست مطمئنةً أبداً..
نظرت ياسَمين إلى نورس بجانبها وقد غطَّ في النوم، نادت على احدى الخادمات وأمرتها أن تأخذه لجناحه..

بعد لحظاتٍ من السكون فتح أحد الحرس الباب بقوة ودخل وقد كان يتنفس بسرعة وينظر بفزع نحو الامبراطور و فارس..
فزع الإمبراطور من منظر الحارس وسأله: مالأمر..؟
: جلالتك.. لقد...
: تكلم.. مابك..؟
: جلالتك.. يجب أن ترى.. خارج القصر...
قال الحارس كلماته بفزع ثم صمت، لم يفهم افتيموس كلام الحارس فوقف من مكانه وتوجه لخارج القصر يتبعه فارس وكذلك ياسَمين و نرجس..

خارج القصر وقفت مصدومةً مما تراه أمامها، انهمرت دموعها ووضعت كلتا يديها على فمها في حركةٍ تلقائية محاولةً منع صوت بكائها من الإرتفاع..
نظر إلى ما يوجد أمامه فشعر بغضبٍ جامحٍ يستشري داخله، وقف حائراً خائرَ القوى وهو يرى صديق عمره بهذه الهيئة أمامه..
أمام القصر، وقف الفارس المصاب ممسكاً بلجام الحصان، وفوق ظهر الحصان كان ذلك الجسد ساكناً لا يتحرك..
نظر افتيموس أمامه فرأي أحد الفرسان الثلاثين يمسكُ لجام حصانه، ثيابه ممزقةٌ والجروح منتشرةٌ في أنحاء جسده، والدَّم ينزف من كل جزءٍ منه..
نظر إلى الجسد المرمي على ظهر الحصان لا حول ولا قوة له فشعر بالنار تتقد داخله..
أخفض الفارس رأسه وقال: لم نستطع الدفاع عن أنفسنا.. كانوا أكثر من بكثير.. بمجرد وصولنا هجموا علينا بأمر من امبراطورهم.. قُتل جميع الفرسان.. أنا والسيد اتيكوس استطعنا الهرب.. لكن جروح السيد اتيكوس كانت بليغة.. وقد لفظ أخر أنفاسه في الطريق إلى هنا.. وأنا.. أنا...
قال الفارس هذه الكلمات ثم وقع على الأرض جثةً هامدة، وكأنه قد كُلف بايصال هذه الرسالة وتنتهي مهمته بعدها..
سار افتيموس نحو الجثة التي كانت على ظهر الحصان وحاول انزالها من على ظهر الحصان فتقدم نحوه حارسان لمساعدته فصاح بهم: ابتعدوا..
ابتعد الحارسان وقد ارتعبا من غضب افتيموس الغير مسبوق، الامبراطور الهادئ البارد يشتعل كالنار..
أنزل جثة صديقه ووضعها على الأرض وانحني بجانبها، نظر إلى وجه اتيكوس الذي كان دائم الابتسام وقد غدى مغطاً بالجروح واختفت ابتسامته..
مسح على وجه صديقه وقال بأسي: رحلت مبكراً ياصديقي..
نظر إلى صدره وإلي الدماء التي تخرج من مكان الطعنة، أنزل يده لمكان الطعنة يتحسسه لتتلطخ يده بدماء صديقه، وقف في مكانه وشدَّ على يده الملطخة بالدماء وقال بغضب: أقسم بدمائكَ الطاهرةِ ياصديقي أنني سأنتقم..
انسحب بهدوء إلى داخل القصر ودون أن يقول شيئاً..

اندفعت نرجس نحو حبيبها الملقي على الأرض، جلست بجانبه ودموعها تنهمر كأمطار الشتاء الباردة، أمسكت يده وقربتها من شفتيها تقبلها، انحنت ياسَمين إلى مستواها واضعةً يديها على كتفي نرجس تهدأها..
: لما رحلت عني اتيكوس.. هل فعلتُ شيئاً أزعجك لتتركني.. أنا أسفة.. استيقظ.. استيقظ وأعدك أن أفعل كل ما تريد..
ارتفع بكاء نرجس ليصدح في الأرجاء وهي تندب حبها وأملها..
: اهدئي نرجس.. اهدئي..
: رحل يا ياسَمين.. رحل.. اتيكوس رحل للأبد..
ضمتها ياسَمين نحوها وهي تبكي بشدة، تقدم فارس نحو اتيكوس وانحني نحوه، نظر إليه طويلاً ثم همس: سنفتقدك..
وقف فارس وأمر الخدم قائلاً: أعلنوا الحداد وجهزوا لمراسم الدفن..
انتبه فارس ل ياسَمين وهي تهز نرجس وتناديها، إلتفت نحوها وسألها: مالأمر..؟
: لقد فقدت وعيها..
: سأخذها إلى جناحها.. تحتاج لأن ترتاح..
تقدم فارس نحوها ورفع نرجس بين يديه وسار بها نحو جناحها، نظرت ياسَمين ل اتيكوس الممدد على الأرض ودمعت عيناها، اقتربت منه وقالت: سيظل مكانك فارغاً اتيكوس..

قامت من من مكانها واتجهت للقصر نحو جناح افتيموس ، طرقت الباب ودخلت، رأته واقفاً ظهره من جهتها وينظر من النافذة نحو الحراس الذين بدأوا بالتجهيز لمراسم الدفن..
اقتربت منه ووضعت يدها على كتفه، فكرت أن تقول له شيئاً يهدئه ويخفف عنه لكنها لم تجد كلاماً مناسباً..
نظر إليها افتيموس وقد كانت عيناه محمرة، قالت: أنا أسفة لما حصل.. غيابه سيسبب ألماً دائماً..
بقي افتيموس ينظر إلى ياسَمين للحظات ثم وبطريقةٍ مفاجأة انحني نحوها وحشر نفسه في حضنها لتنزلق الدموع من عينيه، دقَّ قلبها بسرعة وتفاجأت من حركته وبكائه، لم تعرف ما تفعل فوضعت يدها على رأسه تخلل أصابعها في شعره وتطبطب بيدها الأخرى على ظهره..
بقيا لفترةٍ هكذا ثم ابتعد افتيموس عنها فسألته: هل أنت بخير..؟
: لا أدري.. أشعر أنني فقدت جزء مني..
أخفضت عينيها في حزن ولم تعرف ماذا تقول، قال: أنا و اتيكوس لم نفترق أبداً.. لم أتخيل يوماً أن يموت هكذا..
سكت قليلاً ثم قال: سأنتقم له مِن مَن قتله..
: ماذا ستفعل..؟
: لاشيئ غير الحرب..

خرجت ياسَمين من جناح افتيموس وذهبت لتطمئن على نرجس ، دخلت لغرفتها فوجدتها لا تزال نائمة، جلست على كرسي بجوار سريرها وأمسكت يدها وبقيت تنتظر استيقاظها..
فتحت نرجس عينيها لترى وجه ياسَمين القلق ينظر إليها، رفعت نفسها لتجلس وتمتمت: هل ماحدث حقيقة..؟
لم تقل ياسَمين شيئاً فقالت: كنت أشعر أن شيئاً سيئاً سيحصل.. ربما لا يجب عليَّ أن أحب.. كلما أحببت أحداً يموت.. أنا لم أُخلق للحب..
: لا تقولي ذلك يا نرجس.. هذه إرادة القدر..
: القدر..؟
سكتت قليلاً لتنهمر دموعها وتقول: قال لي أنه سيعود.. وأننا سنتزوج.. وأننا لن نترك شيئاً يفرقنا.. لكنه لم يعد.. لن يعود..
: أنا أشعر بألمكِ ياصديقتي..
عانقت ياسَمين نرجس ليرتفع بكائها، كانتا صديقتين، عاشتا معاً وكبرتا معاً، ومرتا بالألم نفسه..

أن تحب شخصاً وتجهز نفسك لتقضي معه عمرك كله ثم يختفي دون سابق انذار.. ألمٌ لا يضاهيه ألم..

أيا غَائِباً مَتَي تَعُود
فَقَد طَالَ انْتِظَارِي
وجَفَت تِلْكَ الوُرُود
والفَرَح لم يَعُد لهُ طَارِي
عَلَى العُيُون وعَلَى الخُدُود

________________________________________

رأيكم بالبارت..؟
توقعتوا اتيكوس يموت هكذا..؟ 😭😭😭
توقعاتكم للقادم..؟

سحر الإمبراطوريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن