وقبل أن يكمل كلامه كانت نرجس قد دفعته بعيداً عنها وركضت خارجةً من الغرفة، حاول اللحاق بها وهو يناديها لكنه لم يسمع سوى صوت خطواتها تبتعد، همس لنفسه: ياالهي.. ماذا فعلت..بعد أن ابتعدت نرجس مسافةً كافية عن جناح اتيكوس توقفت ومسحت دموعها وتمتمت لنفسها: لما أبكي.. ماكان عليَّ أن أسمح له بأن يفعل مافعله.. أحمق..
ذهبت لجناح ياسَمين وماإن دخلت حتي سألتها ياسَمين : أين كنت نرجس..؟
: ك كنت.. أتجول في القصر..
تعجبت ياسَمين : تتجولين في القصر..!؟
ردت بابتسامة مصطنعة: أجل..
بقيت ياسَمين تنظر إليها قليلاً ثم قالت: ماذا بكِ نرجس..؟ لما عيناكِ حمراوتان..؟
ردت بارتباك: م ماذا.. أنا لا أعلم..
: هل كنتِ تبكين..؟
: ابكي.. لا.. لا.. لقد دخل شيئ ما في عيني..
نظرت ياسَمين إليها بشك وقالت: أخبريني نرجس.. هل أزعجكِ أحدٌ ما..؟
: لا أبداً..
: حسناً..
: سأخرج قليلاً..
خرجت نرجس ووقفت أمام الباب، تنهدت براحة وهمست لنفسها: جيد أني لم أخبرها..
شردت قليلاً ثم قالت: لقد نسيت أمر اريك تماماً.. تباً لك اتيكوس.. كله بسببك..نادت نرجس أحد الخدم وسألته عن جناح اريك وذهبت نحوه، فتحت الباب وتسللت إلى الداخل وبخطواتٍ بطيئةٍ وخفيفة بدأت تتجول في المكان وتبحث في الأغراض والأدراج الموجودة في الغرفة..
كانت تبحث أحد الأدراج وهي تتمتم: كل مايوجد هنا أشياء عادية.. لا شيئ يمكن أن يفيدني..
سمعت صوت خطواتٍ تقترب من باب الجناح فبحثت بعينيها عن مكانٍ تختبأ فيه فلم يخطر ببالها سوى أن تختبأ في خزانة الثياب..
كانت نرجس مختبئةً في الخزانة وهي تدعو ألاَّ يُكشف أمرها، سمعت صوت اريك يدخل إلى الغرفة ففتحت باب الخزانة قليلاً وبقيت تراقبه..
دخل فارس إلى الجناح وتوجه نحو غرفة النوم، انتبه إلى أن بعض أغراض الغرفة ليست في مكانها إلاَّ أنه لم يكترث وظن أن الخادمات هن من فعلن ذلك..
كان يرتدي زي مستشار الامبراطور ويضع سيفه في حزام على خصره، اقترب من سريره وهو يخلع سيفه ويرميه أرضاً ويقول: العمل في قصر أمرٌ متعب..
توقف بجانب السرير وأزاح شعره إلى الوراء، حاولت نرجس أن تتبين ملامحه إلاَّ أنها لم تستطيع فكل مارأته كان ظهره..
خلع قميصه ورماه أرضاً ليظهر الندب الذي على ظهره وندبٌ أخر يدل على طعنةٍ أسفل ظهره..
كانت نرجس تراقبه وهي تتصبب عرقاً، وبمجرد أن رأت الندب على ظهره حتي اتسعت عيناها دهشةً وعجز عقلها عن التفكير..
الندب.. إنه نفس الندب.. شخصٌ واحدٌ فقط يملك مثل هذا الندب.. فارس.. لكن فارس مات.. لما يملك اريك نفس الندب.. كيف يمكن ذلك.. رامي قال أنه طُعن أسفل ظهره.. هناك ندب أسفل ظهره.. مكان طعنة.. هل هذا ممكن.. اريك هو فارس..
كل هذه التساؤلات دارت في عقلها في ثانيةٍ واحدة.. تساؤل.. حيرة.. شك.. كل هذه المشاعر كانت تدور في جوفها..
خرجت من الخزانة ووقفت دون أن يشعر بها فارس ، بقيت تنظر إليه للحظات ثم همست: أنت فارس..!!؟
إلتفت فارس ناحية الصوت فرأي نرجس واقفةً أمامه تراقبه وما إن رآها وبحركةٍ سريعة أعاد شعره على وجهه ليخفي به ملامحه وتشوه وجهه..
بمجرد أن إلتفت فارس وقعت عيناها على الخيط الذي يضعه حول عنقه والخاتم الذي يتدلي منه..
من دون شك.. هذا هو فارس.. همست لنفسها قبل أن يباغثها فارس بسؤاله: من أنتِ..؟ ماذا تفعلين هنا..؟
: أنت فارس..! صحيح..!
: كيف دخلتِ إلى هنا..؟
: فارس.. أين كنت كل هذه المدة..؟
: لا أعلم عما تتحدثين..
: لا يمكنك أن تنكر.. أنت فارس.. الندب على ظهرك لا يملكه غيرك..
لم يقل فارس شيئاً فتقدمت نحوه حتي اقتربت منه وبحركة جريئة وضعت احدى يديها على كتفه تستند عليه ووقفت على رؤوس أصابعها حتي تصل لطوله وبيدها الأخري رفعت شعر فارس عن وجهه ونظرت إلى ملامحه وقالت: لا يمكنك أن تخفي حقيقتك كثيراً.. لا أحد يملك هذه الملامح سواك فارس.. أين كنت..؟ ماذا حدث لك..؟ لما لم تعد إلى القرية مع من عادوا..؟
بقي صامتاً فأكملت: ياسَمين بكت كثيراً لغيابك.. وتألمت كثيراً.. أتعلم.. ستسعد عندما تعرف أنك هنا..
ما إن ذكرت ياسَمين وبحركة غاضبة أمسك فارس بمعصم يدها وأنزلها من على شعره قائلاً: إياك.. إياكِ أن تخبريها بأي شيئ..
: لكن.. فارس..
: أنا لست فارس.. أنا اريك..
: ماذا حدث لكَ.. ماذا حدث معكَ فارس..
أفلت فارس معصم نرجس وابتعد عنها قائلاً: فارس أصبح من الماضي.. أنا الأن اريك..
: ماذا تقصد..!؟
: نرجس.. لا تخبري ياسَمين أنني فارس.. دعيها تنظر إليَّ ك اريك فقط..
: لماذا..!؟ لماذا فارس.. ياسَمين تألمت كثيراً من أجلك.. لماذا لاتريدها أن تعلم أنكَ حي.. إنها ماتزال إلى الأن تبكي لأجلك.. دعني أخبرها..
: لا نرجس.. إن أخبرتها ستتألم كثيراً..
: بل ستفرح..ستفرح كثيراً لأنك حي..
: ستتألم.. ستتألم لأنها تزوجت.. ستتألم لأنها مع رجل أخر غيري.. ستتألم لأنها لم تنتظرني.. ستتألم أضعاف الألم الذي عاشته على غيابي إذا علمت أنني حي وأنها لن تستطيع أن تكون معي..
نزلت دموع نرجس نقيةً من عينيها وقالت: لكنك ستتألم أيضاً.. ستتألم كلما رأيتها جالسةً بجانبه.. كلما أمسك يدها.. كلما حضنها..
: أن أتألم أنا أفضل من أن تتألم ياسَمين..
مسحت نرجس دموعها بينما جلس فارس على سريره وتابع: لقد تغيرت كثيراً.. ليست ياسَمين التي أعرفها.. ابتسامتها حزينة.. نظراتها فارغة.. حتي بريق عينيها اختفي.. كل ماتعانيه بسببي.. لا أريد أن أكون سبب في المزيد من أحزانها..
جلست نرجس بجانبه وأمسكت يده وقالت: لا فارس.. أنت لست سبب أحزانها.. أنت الوحيد الذي أحبته.. أنت السبب في كل الأيام الجميلة التي عاشتها.. أنت من رسمت بسمتها الرائعة.. وأنت من صنعت بريق عينيها..
أفلت فارس يده من يد نرجس ومسح دمعةً كانت ستسقط من عينيها ثم سألها: ماذا حدث معها..!؟ كيف تزوجها الامبراطور..!؟ لما يناديها ايزس..!؟
: سأخبرك..
: أخبريني بكل شيئ.. كل ماحصل منذ تركتها.. أخبريني بأصغر التفاصيل..حكت نرجس ل فارس كل ماحدث منذ ذهابه للمعركة حتي خبر موته ثم شجارها مع الحارس ثم زواج ياسَمين ثم مجيئها للقصر وحتي هذه اللحظة..
: ياالهي.. كل ذلك حدث في غيابي..
: ياسَمين لم تكن تريد الموافقة على الزواج من الامبراطور لكن لم يكن لديها خيارٌ أخر.. صدقني..
: أتقولين هذا لي أنا نرجس..!!؟
نظرت إليه نرجس فتابع: أنا أعرف ياسَمين أكثر مما تعرف هي نفسها..
وقف من مكانه واتجه نحو النافذة، نظر من خلالها وقال: صدقيني.. سأنتقم من ذلك الامبراطور.. فقط حين تحين اللحظة المناسبة.. سأقتله بيدي.. سأنتقم لي ول ياسَمين..
كان ينطق كلماته بغضب وهو يشد على قبضة يده، تقدمت نحوه نرجس ووضعت يدها على كتفه تهدئه قائلةً: هون عليك..
أزاح يدها عن كتفه والتفت نحوها وقال: المهم الأن ألاَّ تخبري أحداً بما حدث.. لا يجب أن يعلم أيُ أحد مهما كان من أنا.. حتي ياسَمين..
: حسناً..في صباح اليوم التالي جلس الجميع على مائدة الافطار، افتيموس على رأس الطاولة وعلى يمينه ياسَمين وبجانبها نرجس ، وعلى يساره اتيكوس وبجانبه فارس..
كانت ياسَمين تشعر بالتعب والدوار، لاحظ افتيموس حالها فأمسك يدها وسألها: هل أنت بخير..؟
: أشعر بالتعب.. هل تسمح لي بالمغادرة..؟
نظر افتيموس إلى صحن ياسَمين ثم أعاد النظر إليها وقال: أنت لم تتناولي شيئاً من طعامك..
: لا رغبة لدي..
: حسناً.. ارتاحي في غرفتك ولا تجهدي نفسك..
قرَّب افتيموس يد ياسَمين إليه وقبلها، ابتسمت ياسَمين ل افتيموس ثم وقفت وانسحبت خارجةً لتخرج خلفها نرجس..
كان فارس يراقب مايحدث وقد ارتسمت علامات الغضب على وجهه وهو يرى افتيموس يمسك يد ياسَمين ثم يقبلها..دخلت ياسَمين لجناحها فاستقبلتها الخادمة قائلة: سيدتي.. حمام الاسترخاء جاهز..
خلعت ثيابها ودخلت للحوض الكبير الذي تطفو بتلات الورود على مياهه وتصطف الشموع على جوانبه وتنبعث الأبخرة التي تبعث على الاسترخاء من جدرانه..
أمرت ياسَمين الخادمات أن يخرجن ويتركنها وحدها، خرجت الخادمات بينما اقتربت نرجس من ياسَمين وسألتها: لا تبدين بحالٍ جيدة.. مالأمر ياسَمين..؟
أطلقت ياسَمين تنهيدة حنين ثم صمتت قليلاً ثم قالت: اشتقت لأن أعود ياسَمين حقاً.. اشتقت لأن اعود لحياتي.. أن يناديني الجميع ياسَمين.. اشتقت للقرية.. كم أثمن لو أن كل مايحدث مجرد كابوس وسينتهي..
توقفت قليلاً ثم غسلت وجهها بماء الحوض وقالت: أحياناً أنام وأنا أفكر أنني سأستيقظ وأجد نفسي في منزلي..في قريتي.. في لحظةٍ واحدة تغير كل شيئ.. من فتاةٍ بسيطة إلى امبراطورة.. كل شيئ تغير..
نزلت دموعها راسمةً خطين لامعين فوق وجنتيها، مسحت دموعها سريعاً وتمتمت: لم أعد أعرف ماذا أفعل.. افتيموس يعاملني بلطف.. لكنني لا أريد أن يعاملني هكذا.. أريد أن يكون قاسياً معي حتي أكرهه أكثر.. أريد أن أمقته أكثر..لا أريد أن يأتي يوم أنسي فيه فارس وأرضي بعيشي مع افتيموس.. لقد تعبت نرجس.. تعبت من كل شيئ..
أنت تقرأ
سحر الإمبراطورية
Romansaماهو الحب... لطالما تسألت بينها وبين نفسها عن معني الحب... هل هو أن تحضنك أمك وتقبلك بين الحين و الأخر، أم هو أن يقلق عليك والدك إن تأخرت في العودة، هي لم تعرف والداها فكيف ستعرف الحب.. هذا ما كانت تظنه.. فارس : أعدك أنني لن أتركك أبدا وسأحبك إلى أخ...