أشرقت الشّمس وبدأ يَوْم جديد.
جَاء الباص الّذي سيأخذُ فريدة إلى مُعسكر الأطفال، إنتظر السائق أمام بوابة منزلهُم وركضت فريدة بحقيبتها الخلفية كبيرة الحجم عبر السلالم وتفتح الباب لتوقفها جميلة قبل أن تخرُج لتطبع قُبلة على رأسها وتعانقها، سار فريد بإتجاهها من غُرفة الإستقبال، إبتسم لها بخفة وأفلتت جميلة لتعانق والدها بقوة قبل رحيلها، نظر إلى جميلة التي بدت في غاية السرور لرؤية هذا المنظر.
قام بحمل جسدها الصَّغير وعانقها بقوة وكأنّه لا يُريد إفلاتها ابدًا، شعرت فريدة بالدفئ والحنان والحُب وكُل تلك المشاعر الجميلة، قاطعت المُشرفة هذه اللحظة بينهُم قائله، "يلا يا فريدة، صحابك مستنيينك في الباص."
ركضت فريدة إلى الباص بسُرعة وشعر فريد بالإستياء، ذهبا خلفها وقاموا بتوديعها، تحدثت المُشرفة التي بدت في آواخر الأربعون إلى جميلة، "أنا مش عايزاكوا تخافوا على فريدة، دي تاني سنه تشترك في مُعسكر الأطفال هي وحُسام وسما أولاد الأستاذ هيثم وفارس وإحنا دلوقتي في طريقنا ليهُم، هيكونوا معانا بأمان وهينبسطوا جدًا." ثُم إبتسمت إبتسامة صفراء، بدت لئيمه لجميلة بعض الشيء، لكنها لم تهتم طالما ستكون فريدة بأمان معها.
"انا واثقه إنكوا هتاخدوا بالكُم منهُم، جدة فريده حكيتلي عنكُم كتير وطمنتني، إنتي معاكي رقمي، كلميني لو حصل أي حاجه."
"متقلقيش، ولادكم في عنينا، فُرصه سعيده." تصافحوا وعادت المُشرفة إلى الباص، أرسلت فريدة قُبلة هوائيه إليهُم، لم يستمع فريد إلى ٩٠٪ من حديث جميلة مع المُشرفه، كان شارد وبدا حزينًا لرحيل إبنته، وكأنها سترحل إلى الأبد.غادر الباص وسارت جميلة بإتجاه الباب، نظرت خلفها وإنتظرت فريد الذي وقف مُتصلبًا ويحدق على البوابة، "فريد؟ مش هتدخُل؟" قاطعت شروده واومئ برأسه بمعنى أنه آتٍ.
دخلت وصعدت إلى غُرفتهم، قامت بفتح حقيبة السفر الحمراء متوسطة الحجم خاصتها، فتحت خزانتها وبدأت بإخراج بعض الثياب وتضعهُم في الحقيبة، دخل فريد الغُرفة وجلس على حافة السرير، لاحظت جميلة كم يبدو مُستاء لمُغادرة فريده،
ألقت جميلة بالقميص الذي حملته بيدها على الحقيبة وأغلقتها، وقامت بإحضار حقيبة السفر بُنية اللون خاصته، وضعتها على السرير بجانبه وأخبرته بإن عليه تجهيز حقيبته قبل أن يغادروا وإلا سينفذ الوقت، ولكي تشتت تفكيره قليلاً.
"حضر شنطتك عشان إحنا لازم نسافر على الوقت. لازم تبطل تفكير، فريده هتنبسط وإنت كمان لازم تريح دماغك."
وضعت يدها على كتفهِ بإبتسامة، نظر إلى تلك اليد التي لمست كتفه ورفع بصره، إبلتع ريقه ونظر بعيدًا، كان هذا شعورًا غريبًا.
سحبت يدها وسارت نحو الباب، أمسكت بالمقبض وإتجهت إلى الطابق السُفلي.***
قام فريد بتجهيز حقيبته، أغلق الحقيبة بحِكمه وكانت أمتعتهم جاهزه لهذه العطلة.
نزل إلى الطابق السُفلي وإتجه إلى المطبخ، قد جهزت جميلة الغذاء وكانت بإنتظاره على المائدة الصغيرة التي في المطبخ.
لاحظت أنه لم يكن على طبيعته، "إنت كويس؟" هز رأسه بمعنى أنه بخير، جلس أمامها مُباشرة وبدا غريبًا، أنه دائمًا غريب لكن هذه المرة غريب بشكل مُختلف، بدا مشوشًا بطريقة مُريبه كالطفل الضائع.
بدأت بإملاء طبقه بالطعام، تناولوا الطعام في صمتٍ تام وتبادلوا النظرات بإستمرار لعدة دقائق، شعرت جميلة بالإنزعاج وعدم الراحة ووضعت الملعقة جانبًا ورفعت بصرها ونظرت إليه مُباشرة، "إنت في حاجه عايز تقولها؟"
رفع بصره هو الآخر وبدأ يتصرف بطبيعته معها،
"مفيش حاجه، متضايق شويه، مينفعش أتضايق زي الناس ولا إيه؟"
رفع حاجبًا وكان يحاول إستفزازها كما يفعل عادةً،
"انا سألت لإني حسيت إنك عايز تقول حاجه، مش أكتر."
"مفيش حاجه، انا عايز الأسبوع ده يخلص وفريده ترجع ونخلص من الكابوس ده."