- ١١:٣٥ مساءًا -
خرجت جميلة إلى الحديقة الخلفيّة وشاهدت ما لم تتوقعه،
حمّل فريد صندوقًا متوسط الحجم مليئًا بالصور والذكريات وأغراضٍ تخُص فريدة،
وُضع الصندوق علَى الأرضِ وأخرج ولاعة من جيبُه، ألقى نظرة عليهُم للمرة الآخيره، أشعل النَّار علَى ذاك الصندوق ولم يتردّد وَلَو للحظة. وقف مُتصلبًا، آراد أنقاذ ذكرياته مَع فريدة، لكنّه لم يستطع.
كان ثابتًا رَغْم أن إمتلأت عيناه بالدموع حتّى بدأت تتساقط علَى وجنتيه كالأنهار.
لم يعُد هُناك أي شَيْء يجمعه بفريدة سِوى إبنته والذكريات، وها هِي الذكريات تتحوَّل لفحمٍ أسود.
جلس علَى الأرجوحة يُحدق علَى النيران وَهِي تُنهي كُل ما كان بينه وبيّن فريدة يومًا، سارت جميلة نحوه وجلست بجانبه ببُطئ تاركه مسافة بينهُم، لم يتحرّك علَى الإطلاق، وكأنّه كان تمثالاً.
— "إنت كويس؟" سألته جميلة بصوتٍ دافئ، أومئ برأسه ونظر إلى القلادة الَتِي حمّلها بِِيده وبها الحرف الأول من أسمها بالإنجليزية، "F"، عندما تمّ نقلها إلى المُستشفى آثر الحادث الّذي أدّى بحياتها، قامت إحدى المُمرضات بتسليم أغراضها لفريد بعدما تلقى خبر وفاتها، وكَانت هذهِ القلادة من بين تلك الأغراض.
هذهِ قَد تَكُون الّذّكرى الأخيره للصغيرةِ من والدتها، في النهايه، لا عِلاقة لها بالأخطاء الَتِي إرتكبتها أمها بحقها وبحق فريد وحتّى بحق نفسَها، سيظل فريد دائمًا يُذكرها كم كانت أمها امرأة مثالية وكم كانت متشوقة لرؤيتها رَغْم الأذى الَتِي تسبّبت به لفريد،
— "لازم السلسلة دي تلبَسها فريدة، لو أمها كانت هنا كانت هتتمنى تلبَسها في رقبتها عشان تفتكرها، مَع أنها لو كانت عايشه مكونتش هسامحها في حياتي، لكنَّ رَغْم كُل ده، مش هقدر أكره فريدة وَلا أكره بنتها فِيهَا مهما حصَّل."
لم تجد جميلة شَيْء لتضيفه علَى هَذَا الحديثِ، إكتفت بهز رأسها وبالنظر إلى صوّره مُعينه لم تلتهمها النيران بَعْد، كانت صوّره تجمّع فريدة وفريد سويًا وخلفهُم جَبَلٍ تُغطيه الثّلوج، تمّ التقاطها في إحدى الأجازات في أول سنة من زواجهُم، حزنت جميلة علَى هَذَا المنظِّر، بدت فريدة سعيدة جدًا ومُغرمه بفريد، من كان يتوقع أن تنتهي حياتها بهذا الشكل المآساوي، كانت تعرفُ أنها لم تكُن امرأة سيئة، و رَغْم أنه ليس هُناك مُبرر للخيانة، تعلمُ أنه لم يكُن خطأها وحدها، لكنّها لن تستطيع الإعتراف لفريد بذلك، فَهُو لن يتفهم هَذَا، لن يسْتَطيع مواجهة هذهِ الحقيقة ابدًا.***
- السّاعة ٢:٢٠ صباحًا. -
إجتمعوا السُداسي في منزَّل فارس وبالتحديد في غُرفة الإستقبال، وكَانُوا يستعدون للمُغادرة لكنَّ غيّر فارس المُخطط في آخر لحظة، —"إسمعوني شويه يا شَباب، مُخطط السّاحل باظ وهنتجه لشرم الشيخ." لم يعترض أحد، ليس مُهم إلى أين سيتوجهون، بل كَيْف سيستمتعون بوقتهُم، رفع هيثم يده وقال مازحًا، — "طبّ يا كابتن فارس شرم الشيخ بالعربيّة دي هتاخُد كام سَاعَة بس عشان نبقى فاهمين؟"
حاول فارس التهرّب من السّؤال، إن عرفوا أن الطّريق سيستغرق أكثر من ١٠ ساعات قَد يحطموا رأسه.
سأله فريد بنبرة جدّية، — "مش بترُد ليه؟ الطّريق هياخُد كام سَاعَة؟"
تلعثم فارس قائلاً، — "يعني.. ٤ ساعات.. ٥.. ٩ او ١٠ ساعات.. وقت بسيط يعني.." رَمَى فريد الوسادة علَى وجههِ لتمُر من فوق رأسه ويتفاداها.
إبتسم فارس بأستفزاز وسار نحو المطبخ ليساعد زوجتَه في أعداد الطّعام والمشروبات لهذهِ الرّحلة الطّويلة، طلبت منه حمّل الحقيبة المُحمله بالطعام ووضعها في السيارة، نظر إلى الحقيبة وقال ساخرًا،
— "إيه ده يا حبيبتي؟ ده أكل يكفي إسبوعين مش يَوْم؟"
تنهدت وأشارت إلى معدتها، — "لو مش واخد بالك إحنا هنبقى ٦ أفراد في العربيّة و نُص، انا معايا شخّص قاعد جوا ولازم ياكُل كويس، خلّينا نمشي."