— "أنا عندي أسئلة كتيره في دماغي حاليًا." تحدث أخيرًا بَعْد صمتٍ تام وتبادل نظرات لمُدة دقيقتين، تنهدت بعُمق وتجاهلت كلامَه وسارت نحو السلالم للأعلى ليلحق بها ويتحدّث بإنفعال، — "أنا بتكلم يا جميلة!" لتفتح بابِ غُرفته وتجلسُ علَى حافة السرير تُحدق في اللا شَيْء وتستمع إلى إنفعالاته. — "أنا مِش فاهم سبب إللي حصَّل تَحْت مَع مامتك لكنَّ إللي أنا مُتأكد منه إنه مِش كلام جميلة إللي عايش معاها بقالي شهور، إنتي إيه إللي حصلك عشان تعامليها بالطريقة دي؟ وأياكِ تقولي إنت أخر من يقول الْكَلام ده لإنك متقدريش تقارني حالتي و تعامُلي مَع أهلي مَع ايًا كان إللي بيحصلك." فضلت الصمت ولم تكترث لكلامه إطلاقًا.. لم تكُن تُفكر في شَيْء غيّر الهروب. — "أنا محتاج تفسير! كُل مرّة بترمي كلام عَن أهلِك أنا مبفهموش وبتعامليهُم مُعامله غريبه وكلامك كُله ألغاز ولما بسألك دايمًا تتهربي!"
لم تكُن في مزاجٍ يسمح لها بالتحدث عَن أمر حسَّاس كهذا، وبالأخص مَعَه هُو.. طوال تِلْك السنين كان ذَلِك الأمر محفور في ذَاكرتها و كُلما تتذكره تشعرُ بنَفس الآلم الّذي شعرت بهِ في سن السادسة عشر. هُو نفس الشعور لم يتغير.
فتح موضوع كهذا مَعَه كان امرًا مُستحيلاً، ضغط عليها بشدّة وكأن كُل الضّغط الّذي شعرت بهِ من بِداية اليوم لم يكُن كافيًا.
وكان لتلك الضغوط حد..
— "كِفاية! أنا بجد إستحملت كلام وضغط كبير إنهارده ومِش عايزه أنفجر في حدّ!" إندهش من إنفعالها المُفاجئ.. وفهِم حينها أن الأمر جدّي جدًا.. تركها تفرغ غضبها عليْه دُون أي ردّة فعل منه، وقفت أمامهِ بكُل ثبات بعدما إستجمعت نفسَها لدقيقة، كَانت المرّة الأولى الَتِي تتحدّث فِيهَا جميلة مَع فريد بحِده وقوة حتّى أنها لم تكترث إن كَانت كلماتها قاسية عليْه.
— "أنا عايزه الجواز ده ينتهي. وفي أقرب وقت."
عُقدت حاجباه بتساؤل وإستغراب و تعابير الدهشة ظهرت علَى وجههِ ولم يلفظ سِوى جُملة واحده. — "إنتي واعيه للكلام بيطلّع منِك يا جميلة! نسيتي إتفاقنا و علَى أساس هنستنى عشان فريدة، دلوقتي عايزاه ينتهي وفي أقرب وقت؟ إنتي إيه إللي حصلك فجآه؟"
أجابت بنبرة حاده قائله، — "أنا مَفيش حاجه بتحصلي. إنهارده كلام مامتك كان بيضغط عليّا وأنا مِش عايزاها تتآمل بالجواز وبمستقبلنا علَى الفاضي، إحنا كده بنأذيهم، وفريدة لازم تعرف أول ما ترجع، من الأول مكنش ينفع أدخل نَفسي في جوازه زي دي عشان مصلحتي، أنا مِش عايزه أعلق فريدة بيا زياده او أخذل أي حدّ من أهلَك، الجوازه دي كَانت هتنتهي بشكلٍ او بآخر. فالأحسن ننهيها دلوقتي." وسارت نحو البابِ وخرجت ولم تنتظر سماع جوابة حتّى، لم يفهم فريد مالذي أصابها فجآة وفسّر الأمر بشجارها الغريب مَع السيّدة عبير، لذلك لم يَقُوم بأي ردّة فعل وقرّر ألا يضغطُ عليها أكثر.***
عندما يغضبُ الإنسان من شَيْء مَّا، قَد ينسى نفسَه وينسى مَع مَن يتحدّث من شدّة غضبه، شعرت جميلة بالسوء لإنها عاملت فريد بهذا الشكل بينما كَانت تجلسُ في الحديقة الخلفيّة فجرًا مُحدقه في السماء بعيونٍ مُتعبه وقلبًا مُرهقًا.
تنهدت بعُمق ثُم هزّت رأسها وأخفضته وفي تِلْك اللحظةِ شعرت بهِ يضع وشاحًا حوّلها من الخلف ثُم جلس بجانبها وتَرَك بَعْض المسافة بينهُم ولم يتحدثا لدقيقتين.
كان ينتظر منْهَا تفسّيرًا لمَ حدّث دُون أي ضغوط.
— "انا آسفه. مكنش يَنفَع أنفعل عليك فوق كده، بس أنا كُنت مضغوطة ومتضايقه وطلعتها فيك من غيّر قصد." إلتفت لها ضاحكًا، — "مَّا إنتي أوقات كتير بتستحملي عصبيتي. إيه المُشكله لما أديكِ فُرصتك المرّة دي؟" — "أنا كُنت بقول كده برضو." صمتا للحظات ثُم بدأت بإعطائه كُل الأجوبة علَى الأسئلة الَتِي تدور في عقله بعدما إستجمعت نفسَها وعدلت جلستها لتواجهه بكُل تِلْك الإجابات الَتِي يبحثُ عنها. — "خلّينا نبدأ بأول سؤال في عقلك وَهُو ليه أنا كُنت بتخانق مَع ماما تَحْت، الموضوع كبير وحساس لكنَّ كُل إللي أقدر أقولهولك إني جربت أسوء مراحل الخذلان بسببها، ومِش محتاجه أقولك قَد إيه الشعور ده أسوء شعور في الدنيا، بذات لو من أقرب النَّاس ليك،" قاطعها ساخرًا، — "طبعًا، لو أنا معرفوش مين يعرّفه." ثُم أكملت قائله، — "السبب في إني وافقت علَى جوازنا هُو لإنه كان الحل الوحيد ليا عشان أعرف أهرب منْهَا وأحقق إللي بتمناه، صحيح، أنا وصلت مرحّلة كبيره في مهنتي سواء في الكتابة او تعليم المزيكا، لكنَّ في كُل مرّة مُمكن أتقدم فِيهَا أكثر بتعترض طريقي بأساليبها ومعارفها الكتيره في المهن إللي أنا فِيهَا، يعني مَفيش مهرّب منْهَا."
إندهش فريد ولم يفهم لمَ قَد تعترض طريق إبنتها بهذا الشكل، — "وَهِي ليه تعترض طريقك أنا مِش فاهم؟"
— "الموضوع صعّب إني أشرحه.. بس هِي بتخاف إني مُمكن أكتب حاجه مينفعش تتكتب ويقرأها النَّاس، عشان كده بتحُط كُل العين عليّا في أي حاجه بعملها، لما بتتأكد إن إللي بكتبه ١٠٠٪ سَلِيم ومفيهوش كلام سياسي أو غيره ساعتها بيتم نشره عادي بآمر منْهَا بس، حتّى وصلت معاها إن في فترة من الفترات كَانت بتحبسني في البيت وتحُط حُراس علَى الباب عشان يمنعوني من الخروج، الخوف وصّل معاها لكده."
نفخ في الهواء من شدّة غضبُه ممّا يسمعه، — "أنا آسف بس كلامك نرفزني، مُجرد تخيّل الموضوع يعصب."
إبتسمت بخفة ثُم رفعت حاجبيها وقَالَت بنبرة حزينة. "هِي دي كَانت جُزء من إللي شوفته منْهَا. بس لولا حبستها ليا في البيت مكونتش حبيت الپيانو، يمكن الحاجه الوحيدة إللي بشكُرها عليها.. المُهم، نيجي للموضوع التاني، الطلاق. بِما إني حكيتلك جُزء من سِلسلة الخذلان إللي عشته مَع المدام عبير، فأنا لإني عارفه كويس قَد إيه هُو شعور سيء مِش حابه أي حدّ من عيلتك يحسوا بيه، والدتك إنهارده فهمت منها إنها فعلاً مُتآمله إن يجيلها حفيد تاني وشايفلنا مُستقبل من غيّر مَّا تحكي كان واضح جدًا عليها إنها شايفاني مرّات الإبن المثالية إللي هتحقق كُل إللي هِي بتتمناه، وفريدة بلاحظ فِيهَا إنها بتتمسك بيا كُل يَوْم أكتر وده هيبقى صعّب عليّا وعليها بعدين."
ثُم أكمل ساخرًا، — "وطبعًا الحل الوحيد هُو الطلاق في أسرع وقت!" كان مُستاءًا جدًا، وكأنّه لا يُريد إنهاء هَذَا الزواجِ بأي شكّل..
— "هُو ده الحل لكُل حاجه. هننفصل بشكل عادي ونفهمهم بالراحة وهسافر وإنت هتكمل حياتك وتبدأ صفحة جديده وكُلنا نبدأ حاجات جديده. وفريده بنت مُتفهمه وعاقله رَغْم سنها وهتتفهم الوضع وده مِش هيخليني أبطل أبقى علَى تُواصل معاها أبدًا، إنما لو إتأخرنا الموضوع هيتعقد من كُل النواحي.." أومأ برأسهِ وتنهد ثُم قَال، — "طالما إنتي شايفه إنه الحَل لكُل حاجه فَهُو أكيد كده." ثُم إبتسم بتصنُع وإقتربت منه ووُضعت يده علَى كف يدها ومسحت فوقه بِرقه، — "شكرًا ليك يافريد." هز رأسه ثُم سحب يده ببُطئ عندما شعر بالتوتر كَمَا يحدثُ معها في الآونة الآخيره ووقف علَى قدميْه قائلاً، — "أنا هروح أجهِز العربيّة عشان نمشي." — "تمام قولي لما تجهز."
سار نحو المنزل وطلب من العاملة أن تُخبر السائق بإحضار السيارة أمام المنزل باللغة الإنجليزية، — "من فضلِك فلتخبري السائق بإحضار السيارة لإننا سنذهب فورًا، وأخبري الجميع أننا عدنا إلى المنزل غدًا، لا أريد إزعاجهم في هَذَا الوقتِ." أومأت العاملة برأسها ثُم رحلت ووقف أمام المرآة الموجودة في طريق الدخول إلى صالة الضيوف الكُبرى وألقى نظرة علَى نفسَه يتساءل عمَا يجري مَعَه ولمَ ضربات قلبه تتسارع بهذا الشكل.
كان خائفًا من الأجوبة او التّفكير بالأمر.. كان يتجاهل الإِجابة علَى شعوره بالإستياء في مسألة الطلاق ويتجاهل الجواب علَى سبب شعوره بالتوتر أثناء الإقتراب منْهَا.