من الأفضل تقرأوا أخر كم صفحة لتتذكروا الأحداث🦋
تبادل فريد السّلام مَع الكُل وجلس مَع جدّه في الشُرفة علَى إنفراد مُحدقين في السماء الصافية ليلاً تاركين الفوضى الموجودة في غُرفة الإستقبال.
وُضع الجد قدم فوق الأخرى وشبك يديه وأخذ يبتسم لسماء مِصر الّذي أعادَ إليه روحه الَتِي أفتقدها في الغُربة.
— "مصر فِيهَا حاجات جميلة جدًا، مهما لَفيت العالم وإتغربت، مبحسش بالأمان غيّر هِنا."، سماع جدّه يقول هَذَا جعله يتسائل، — "طالما مبتحسش بالأمان غيّر هِنا، قاعد في أمريكا لوحدك ليه وسايب عيلتك في مصر؟" نظر جدّه إليه وصَمَت لبضع لحظات وأجاب بصوته الوامق، — "مقدرش أسيب المكان إللي عِشت فِيه طوّل حياتي وأسيب البيت إللي كُل حِته فِيه عندي ذكريات مُستحيل تتنسي، وبعدين أنا بزوركُم كُل فترة وفترة وَلا كأني غيبت والكُل قاعد فرحان والولاد مبسوطين، أنا كده مرتاح أكتر، كفاية إني شايفكُم كويسين." — "طالما إنت كده مبسوط، يبقى مِش مُهم أي حاجه تانيه."
نظر إلى الأرض بعبوس و تساءل الجد عَن جميلة الَتِي لم يراها مُنذ قدومه، — "مَالك شكلك متضايق كده ليه؟" ثُم تجولت عيناه بحثًا عنها في الغُرفة المُزدحمة لكنّه لم يلمحها معهُم وأردف قائلاً، — "ومراتك فين، سمعت عنها كلام كتير جدًا من سَاعَة مَّا جيت."
قاطعت حديثهُم بدخولها الشُرفة قائله، — "أتمنى يَكُون كلام كويس."
إستدار الجد ونظر إلى تِلْك الجميلة الَتِي تقفُ أمامهِ، مدت يدها لتُصافح الجد الّذي تأمل ملامح وجَّهها البريئة الَتِي ذكرتُه بزوجته الَتِي أحبها ورحلت مُنذ وقتٍ طويل وتركته وحيدًا.
— "أهلاً يا بنتي،" تنحى فريد جانبًا ليترُك مسافة بينه وبيّن جميلة الَتِي جلست بجواره، لاحَظ إعجاب جدّه لجميلة و قَال مازحًا، — "واضح إن جميلة نالت شرف إعجابك."
فأجاب جدّه علي، — "طلع معاهُم حَق، هِي فعلاً جميلة زي إسمها بالظبط، سِهام بنتي والكُل هِنا حكولي عنِك كتير، قُلت لازم أشوفك وأتعرف عليكي بنفسي، إنتي كاتبه ومُدرسة موسيقى، مِش كده؟"
— "ده صحيح،" همهم الجد وطرح عليها سؤالاً آخر، — "وبتعرفي تخصصي وقت لكُل ده؟ متهيألي ده شَيْء صعّب." — "يعني، ببقى مُدرسة الصُبح وبليل بخصص وقت محدّد للكتابة، بس موقفه كُل ده مؤقتًا." دخلا والدي فريد، السيّد نصر مُمسكًا بَيْد زوجتَه الَتِي كُلما نظر إليها عيناه تصرُخ "أحبك."، — "إيه يا عمي، إتعرفت علَى جميلة؟" فأجاب جدّه علَى زَوْج إبنته أي السيّد نصر قائلاً، — "إتعرفت علَى جميلة. وفي الحقيقة طلعت أفضل ممّا وصفتوها بكتير."
نظر فريد إليها بإستهزاء وهمس في أذنها قائلاً، — "واضح إنهُم واخدين فيكي مقلب كبير فعلاً." إبتسمت إبتسامة مُصطنعة كْي لا ينتبهوا لحديثهُم وأجابت هامسة، — "ياريت تخلّي سُخريتك دي لوقت تاني."
— "إنتوا بتتهامسوا في إيه؟ وبعدين يلا سيبوا بابا يرتاح شوية، ده معاد نومه، وإنتوا كمان هتباتوا معانا لإن الوقت أتأخر وإنتوا جايين من السّفر من كام سَاعَة وأكيد ملحقتوش ترتاحوا."
هزّت جميلة برأسها بِمعنى أنها لا تستطيع المكوث هُنا ورفضت السيّدة سِهام إعتراضها قبل أن تتحدّث، — "هتباتوا إنهارده مَفيش نقاش." نظرت جميلة إلى فريد و هز كتفيه بقلة حيلة ولم يكُن لديها خيارًا آخر، تساءل الجد عَن فريدة الَتِي لا تزال تقضي أجازتها في مُعسكر الأطفال برفقة حُسام وسما أبناء فارس وهيثم. — "أومال فريدة فين؟ أنا مِش شايفها مَع الولاد؟" أجابت جميلة، — "فريدة في مُعسكر الأطفال، هتقضي الأسبوع هِناك."
— "آخر مرّة شوفتها كان من ٨ شهور، وحشتني أوي البنت دي. وأبوها بقى حَن، وَلا لِسه قاسي معاها برضو؟" كان يُعاتبه بنظراته لَه، لم يكُن فريد في مزاجٍ جيّد ليتناقش مَع جدّه عَن ذَلِك وكُل الأمور الجديدة الَتِي حدثت مَعَه مؤخرًا ومازالت تحدُث في حياتهِ المآساوية. — "بعدين هنبقى نتكلم يا جدّي، في حاجات كتير لازم أحكيهالك." قَال تِلْك الجُملة بنبرة حزينة جدًا حتّى شعر جدّه بشيء سيء حدّث لكنّه لا يُريد التحدّث عَن الأمر أمامهم فَهُو يفهمُه من نظراته.
اومأ الجد برأسه وإستجمع مَّا تبقى من طاقته لينهض ببُطئ ليسخرُ من نفسَه قائلاً، — "الواحد مبقاش عارف يقوم، طاقتي خِلصت، بقى لازِم يجهزولي قبري." لتشهق إبنته السيّدة سِهام فزعًا من تخيّل الحَيَاة بدون والدها و تضربه بخفة علَى ذراعه قائله، — "بَعْد الشر عنك! إنت بَقيت بتقول كلام مبيعجبنيش أبدًا، يلا علَى أوضتك." كَانت تُعامله بصرامة وحِده وكأنّها أمه وليست إبنته لكنّها كَانت صرامة ممزوجة بالكثير من الحُب والإهتمام.
— "مُضطر أروح أنام عشان بنتي أمرت بكده،" ثُم وُضع يده علَى كِتف السيّدة وتوجهوا إلى خارِج الشُرفة، إستدار لجميلة الَتِي كَانت ترمُق فريد بحِده لموافقته علَى المكوث في منزَّل عائلته تِلْك الليلة، — "ياريت متمشوش الصُبح لأني حابب أفطر معاكُم، يلا، تصبحوا علَى خير يا ولاد." — "وإنت من أهله يا جدّي." — "وحضرتك من أهله."
غادروا الشُرفة ونظَّروا إلى بعضُهم وسألته جميلة لمَ لم يعترض. — "إنت وافقت ليه؟ مِش هينفع نفضل هِنا أبدًا، أنا مِش هقدر أنام باللبس بتاعي."
إلتقط تفّاحة من صينية الفواكه الموجودة علَى الطاولة الزّجاجيّة أمامهِ وأجابها قائلاً، — "بسيطة، عندي الحل." وقضم التفاحة ببرود ليثير إستفزازها.