ْجمعهُم في أريكة واحده ووقف أمامهم وجميعهُم تحاشوا النَّظر في وجههِ حتّى لا يَرَون نظرات الخذلان والصدمة في عيناه، كَانُوا يحدِّقون في الأرض وحسْب، هُناك من بكى في صمت ومن كان يلعنُ نفسَه ومن كَانت تُحاول حبس دموعها ومن كَانت تذرف الدّموع بلا توقّف.
لم تستطع جميلة فعل أي شَيْء، شعرت وكأنّها كَانت مُقيده، لا تعرفُ مالذي يجبُ فعلَه في موقفٍ كهذا، كَانت تستند علَى البابِ تنتظر اللحظة الَتِي سينفجر فِيهَا هَذَا البُركان بداخله، كان مشوشًا وتراوده أسئلة كثيره، لم يصدّق أن أقرب النَّاس إليه قَد يخفون أمر كهذا،
نبرة صوته كَانت مُختلفه، حاده ومصحوبة بالهدوء معًا. — "أنا عايز أعرف إنتوا عرفتوا موضوع فريدة إمتى وإزاي، كُل حاجه أعرفها دلوقتي حالاً ومحدش يحاول يكذّب أو يخبي حاجه." لم يجرؤ أحد أن يرفع بصره وينظرُ في عيناه مُباشرة ويواجهه بالحقيقة، إنتظر الأجوبة علَى أسئلته لكنَّ لم يستطع أحد إخباره بأي شَيْء، رفعت دينا رأسها وحاولت أن تهربُ من تِلْك الأسئلة عبّر سؤاله عمَا جرى لرقبته فكان هُناك علامات خدش عليها، كَانت نبرة صوتها خافته وأضعف من أي وقتٍ مضى، — "إيه إللي حصَّلك يا فريد رقبتك—" قاطعها بصوته الخشن صارخًا، — "محدش يسألني عَن إللي حصلي أنا إللي بسألكُم دلوقتي ليه خبيتوا عليا!" شعرت برجفة في أنحاء جسدها ولم تستطع حبس دموعها بَعْد الآن.
تشجع فارس ونهض وإقترب من فريد حتّى أصبح أمامهِ وجهًا لوجه وتحدّث بكُل ثبات، — "عايز تعرف إحنا خبينا عليك ليه؟ خبينا عليك لإننا بنحبك ولإنك صاحب عُمرنا ومقدرناش نشوفك مُنهار بسببها!"
تِلْك الجُملة أثارت إستفزازه أكثر، إشتدت عضلات فكّه وتوهجت عيناه غضبًا وعُقد حاجباه وأجابه قائلاً، — "مقدرتوش تشوفوني مُنهار؟ ده إيه العُذر السخيف ده؟ يعني مقدرتوش تشوفوني مُنهار لكنَّ خليتوا شكلي يبقى مُغفل عادي؟" لم يستطع هيثم أن يتحمّل أكثر، نفّذ صبره ووقف علَى قدميْه وتحدّث بإنفعال ولم يهتم لمَ قَد يشعرُ بهِ، حان الوقتِ لإعطائه الأجوبة حتّى تنتهي هذهِ المسأله. — "أنا هقولك علَى إللي نعرفُه، بس الأول إنت لازم تهدا، وتُقعد وتسمعنا كويس."
سحب الكُرسي الخشبي وجلس أمامهُم، — "أديني قَعدت، دلوقتي أنا عايز أعرف كُل حاجه."
نظّروا إلى بعضُهم البعض و إستجمعوا قواهُم ولم يفكّروا بعواقب هَذَا الأمر، كان يجبُ أن يتخلصوا من هَذَا العبء الّذي حمَّلوه طوال تِلْك السنين فكان الأمر لا يُحتمل.
لم تتحرّك جميلة قَط، كَانت تنظرُ إليهُم وتشعُر بالآسف والحُزن الشديد، كَانت مسألة فريدة تتضخم يومًا بَعْد يَوْم، و من الواضح أن هُناك الكثير من الأشياء لم تصل إلى فريد بَعْد.
— "مرّة كُنا في سهره عَند جلال ومريم، عزمونا وروحنا عادي وكان كُل حاجه تمام وسهره زي أي سهره، لحاد مَّا شوفنا فريدة جايه، مخدتش بالها من وجودنا وبالصُدفه كُنا رايحين الجنينه إللي في البيت، و.. وشوفنا فريدة قاعده مَع واحد، عرفنا بعدين إن إسمه أحمد، وكَانُوا بيضحكوا ويتكلموا، لكنَّ مِش زي أي إتنين في قَعده، كان واضح جدًا إن في حاجه مِش طبيعيّة لكنَّ إحنا محبيناش نتكلم عَن الموضوع تاني ولا نديلُه أهميه، لحاد مَّا حصّلت حاجه بَعْد ٣ شهور خليتنا نتأكد إن بينهُم حاجه، يَوْم مَّا أنا كُنت مَع جلال بنتكلم في حاجات عَن الشُغل وكلام مَع كلام جيه هُو بنفسه وحكالي إن هُو ومريم جمعوا أحمد وفريده مَع بَعْض، كُنا في حالة صدمة ومِش عارفين نعمل إيه.. قُلنا نستنى يمكن تكتشف لوحدك، عدت الأيام وبدأنا نشوفهُم صُدفه في أماكن كتيره، الكافيهات، السهرات، إلخ، وإتفقنا إننا نحكيلك، لكنَّ وقتَها كان فات الآوان، لإن يُومها حصَّلت حادثة فريدة ومكنش يَنفَع إننا نقولك أبدًا عشان إحنا خوفنا عليك يافريد عشان إحنا عارفين قَد إيه إنت حبيت فريدة، هِي دي كُل الحكاية."
إمتلأت عيناه بالدموع وهز رأسه و أخذ نفسًا عميقًا ونهض من مكانهِ وتوجَّه نحو البابِ وتَرَك أصدقائه في حيرة،
تبادلوا النظرات وأوقفه فارس قائلاً، — "هتسيبنا كده وتمشي؟"
ثُم أضاف هيثم، — "إحنا عارفين إننا غلطنا، لكنَّ إنت لازم تتفهم موقفنا يا فريد!" وإنضمت دينا إلى هَذَا الحديثِ بصوتٍ شجي قائله،— "أيوه يا فريد واللهِ إحنا حاولنا كتير نقولك بس مقدرناش نشوف ردّة فعلك.." وإقتربت ساره إليه ووُضعت يدها علَى كتفهِ وطلبت منه مُسامحتهُم بصوتها المُنكسر، — "خلّينا نتكلم متسيبناش وتمشي زعلان مننا، إحنا خبينا عليك عشان مصلحتك!"
— "مبقاش في حاجه نتكلم فِيهَا، خلّينا نُقف لحاد هِنا."
ثُم خَرَج من الغُرفةِ وتوجَّه إلى غُرفته مُتظاهرًا بالثبات ويمسحُ دموعه بكف يده و وخرجت منه تنهيدة عميقة.
حاولت جميلة تهدئة كلاً من ساره ودينا لكنَّ بلا جدوى، كان الأمر صعبًا عليهُم، أشياء كهذهِ قَد تُنهي علاقاتٍ كَانت في يَوْمٍ مَّا قويّة، وخسارة فريد بالنّسبة لهُم قَد تَكُون أكبر خسارة في حياتهُم، فَهُو بمثابة أخٍ لهُم وليس مُجرد صدّيق.