الحلقة السابعة

797 25 2
                                    

في مستشفى مرسى مطروح العام يوم ٢٢/ ٨/ ١٩٩٢ اليوم الي بقيت فيه بدون هوية لا ليا اب ولا ليا ام اليوم الي حسيت فيه ان وجودي أصلا في الدنيا غلط مكنتش عارف ولا فاهم ايه إلي بيحصل حتى مكنتش عارف انطق ولا اعيط ولا حتى ازعل كنت مصدوم بكل الاشكال كأني في مكان غريب كأني مش طفل كل الناس كانت غريبة كل الاشكال اتغيرت وكل الي حواليا كانوا بيسألوني اسمك ايه انت ابن مين طيب ساكن فين وانا بس كنت ساكت كنت حاسس ان كلامهم مش ليا او كانهم بيتكلموا في راديو…. انا بس كنت ساكت …كانوا حتى بيأكلوني بالعافية خوفا منهم اني اموت حتى الاكل مكنتش قادر عليه ولا فاهم ليه بيأكلوني اصلا…..حتى لما نمت محلمتش غمضت عيني و فتحتها بس كل حاجة كانت مش مفهومة بالنسبة ليا  … وطبعا لان اهلى الاعزاء فضلوا بعدها اسبوع في مرسى مطروح قبل ما ينزلوا القاهرة تاني بس من غير ما يدوروا عليا فمحدش سأل على طفل تايه في المستشفى و بعد كام يوم من قعادي في المستشفى سلموني للمركز و هناك بدأوا التحقيق معايا من الاول و جديد كأني متهم الظابط من زهقه لاني مش عارف ارد كان احيانا بيزعقلي …. عيطت بس من غير صوت دموع غرقت وشي و بس …. ودي كانت اول مرة اصعب فيها على حد طبطب عليا و قالي معلش و سأل العسكري عن التقرير الطبي الي جاي معايا من المستشفى و لما قرأه لقى مكتوب فيه ان الطفل في صدمة عصبية نتيجة لحادث تصادم بالسيارة ….. و بما ان في الوقت دا الملاجئ في مرسى مطروح مكنتش متوفرة حولني على ملجأ في القاهرة كان اسمه دار مودة و رحمة ….. هناك في الدار انا شوفت العجب من أول يوم …..كانت الدار عبارة عن بيت كبير بتاع واحد عجوز وحيد وقبل ما يموت اتبرع بيها للدولة تعملها ملجأ لعل و عسى تبقى صدقة جارية على روحه كان ملجأ قايم على التبرعات و كانو فعليا بيشحتوا علينا و تحققت اسوأ مخاوفي اني فعلا بقيت شحات زي ما ابويا كان بيفضل يقولي انت اصلك شحات …. طبعا في الملجأ سموني باسم جديد لاني عمري ما قولت لحد عن اسمي بقا اسمي سليم احمد عبدالله  فضلت على حال قلة الكلام دا اسبوع كمان الي خلاني انطق صدمتي التانية في اني لقتني مش لوحدي شوفت الولاد في الملجأ زي بالضبط الي اهله اتخلوا عنه و رموه علشان الفلوس و الي امه وابوه اطلقو و كل واحد مبقاش عايزه فلاقى نفسه في الشارع و في الي اتولد من البداية في الشارع و كان في ناس بتسرحهم علشان يشحتوا و كانوا بردو بيعذبوهم و يحرقوهم عادي جدا حسيت نفسي مش غريب كل عيل كان بيحكي حكايته و كل واحد كان عارف سبب رميته في الملجأ الا انا مكنتش اعرف انا ليه ابويا و امي اتخلوا عني ….. لا هما مطلقين … ولا هما فقرا ...لا هما بيكرهوا اخواتي و عايزين يبقوا احرار نفسهم … مكنتش لاقي ابدا سبب في وجودي في الملجأ …. اخدت على اسمي الجديد و قلت خلاص انا كدا بقى اسمي سليم اتصاحبت على كام عيل في الملجأ وانا مش عايز اقولكوا بقا كنا افشل شلة لابعد الحدود طول اليوم عايزين نلعب و بس و طبعا مدرسات و مدرسين الدار كانوا معظم الوقت عايزين يولعوا فينا و مكنشي في اساسا حاجة بتحوق فينا لا ضرب ولا شتيمة اصل هيحصل لنا ايه اسوء من الي حصل قبل كدا كنا بايعين الدنيا و فاكرين نفسنا كبار كله لحد اليوم الي قررنا نهرب فيه من الدار كان عمري ساعتها ١١ سنة كان صيف بردو و كان يوم من اسوا ايام حياتي وانا الي فاكر اني شوفت الاسوأ خلاص ...هو دا اليوم الي غير تفكيري و عرفني اني لسة عيل مش عارف حاجة في الدنيا هربنا انا و ولدين كمان واحد اسمه عبد الرحمن دا اعز اصحابي كنت بحبه علشان اسمه على اسم جدي و التاني اسمه طارق دا كان زعيم العصابة هو الي كان بيقترح و انا و عبد الرحمن وراه زي الهبل ... فرقة الشياطين التلاتة زي ما كنا مسميين نفسنا من كتر ما اتقلنا ان احنا شياطين…. هربت انا و هما كان الموضوع مسلي طول النهار ...كنا بنلعب و بنلف في الشوارع و قلنا بقا نعيش حياة الحرية و نلاقي شغل في اي ورشة نجيب منه اكلنا ونسيبنا من المدرسة الي مش جايبة همها ...كنا بننجح بالعافية و نجرب بقا نشرب سجاير زي الرجالة محنا بقينا رجالة بقا كله كان تمام … و كان في واحد متابعنا من الصبح و هو الي عزم علينا بالسجاير و كانت اسوأ تجربة فضلت اكح ولا ساعة مستحملتهاش و عنيا احمرت خالص طلع عندي حساسية منها ربنا رحمني قبل ما ابقى حريقة سجاير زي عبد الرحمن…. دلوقتي مراته بتبيته في البلكونة من كتر ما هي مش طايقة ريحته متحكمة اوي…. اسمها سلمى... صاحبة اميرة … اميرة دي بقا كانت بنت معانا في المدرسة حب الطفولة و تدبيسة العمر و اجدع تدبيسة و هتعرفو ليه ….. طبعا الراجل الي كان متابعنا محبش يخلينا نشك فيه كان بيعزم علينا بالسجاير و يراقبنا من بعيد لبعيد …. و ساعت العصر جوعنا اوي و لقيناه في وشنا تاني و المرة دي كان بيعزم علينا بكشري طبعا قعد يسألنا من تحت لتحت و طارق كان بيقوله على كل حاجة اننا كنا في ملجأ و هربنا و عايزين بقا نعيش لنفسنا و نبقا احرار كان عايش الدور اوي ساعتها و ليكو طبعا انكو تتخيلو الراجل دا طمع فينا ازاي وقتها .

...تلت عيال هبل هربانين من ملجأ و فاكرين نفسهم رجالة الي طارق محكاهوش انه لما فتح عينه على الدنيا لقى ابوه وامه ميتين و عمه كان بيسرحه و كان بيبهدله و ياخد كل الفلوس الي معاه علشان يشتري بيه كيفه و انههرب منه بمزاجه لما كان عنده ٨ سنين …. الليل ابتدى يحل علينا و احنا كنا بندور على مكان نبات فيه الراجل الي كان معانا قالنا انه هيبقى يشوفلنا حتة قال يعني بيخدمنا هو مشي وقال رايح مشوار احنا بقا تعبنا و قلنا نريح في حتة لحد ما يجي و دي كانت اول مرة اجرب نومة الشارع … اقذر نومة ممكن اي حد يتخيلها عضمك و الارض بيبقوا واحد و دماغك يتمشى عليها الدبان كانها مستوطنة و العربيات رايحة جاية و الناس ماشية تبصلك بأرف و الاسوأ كل شوية حد يجي يطردنا من جنب محله و العسكري الي جري ورانا لما فهم ان احنا هربانين … لحد ما الراجل دا رجع و كان معاه عربية صغيرة مقفولة و شبابيكها سودة متفيمة جامد متعرفشي مين جوا ولا تشوف حد فيها خالص كان راكنها بعيد في حتة ضالمة جوا شوارع مقفولة و البيوت الي حواليها مهدمة انا و عبد الرحمن خفنا … خفنا اوي لاننا كنا سمعنا عن خطف العيال و تجارة الاعضاء و سمعنا عن الي بيسرحوهم و يقتلوهم في الاخر و عن الي بيهربوهم برا البلد بس كنا فاكرينها حواديت بيقولها في الملجأ علشان يخوفونا و منهربشي طارق كان عامل فيها بطل و قالنا

طارق : لا الراجل كويس و جبلنا سجاير و جبلنا اكل تعالوا يلا ولا انتوا بقا شوية عيال هفق و مش رجالة

عبد الرحمن : ولاه يا طارق وانت ايه ضمنك ياه

سليم : ……

طارق : خسارة في جتتكوا الي طفحتوه ياشوية اوساخ انا عارف اني مصاحب نسوان ان مكنتوش تيجوا انا هروح لوحدي

رد الراجل : تيجي لوحدك ايه يا عسلية دا انتوا كلكوا جايين معانا

و طلع من جيبه مطواه و اتنين عجول خرجوا من العربية و حلقوا علينا و فضلو يشدونا و كان معاهم مطاوي و سنج …. طبعا فهمنا الليلة …طارق كان عامل فيها شجيع السيما وكان بيحاول يضرب شديته من ايده و قولتله دول هيموتونا يا هبل خدله مطواه في دراعه و ضربة على دماغه و لقيته مرمي قدامي سايح في دمه و كان الدور عليا انا و عبد الرحمن . بس لستر ربنا العسكري الي كنا بنهرب منه كان لسة بيدور علينا علشان يرجعنا الدار و كان جايب اتنين زمايله هو كمان معاه علشان يعرفوا يمسكونا احنا التلاتة البلطجية شافو العساكر ركبوا و جريوا و العساكر اتنين منهم جريوا وراهم و انا وقعت على الارض جنب طارق و عبد الرحمن فضل يعيط …. طارق كان دمه بيسيح قدامي المطوه الي جات في دراعه فتحتله وريد كان كل حاجة قدامي متلغوشة كنت مش فاهم حاجة و مش عارف اعمل ايه كنت ماسك دراعه بحاول اخلي الدم يبطل كنت بحاول اني الحقه ساعتها عرفت اني عيل و اعيل من العيال كمان …. كنت فاكر لما كنت في بيت ابويا اني لما هبقى مؤدب هيحبني … و كنت فاكر لما كنت في الملجأ اني لما اتمرد و امشي على مزاجي هبقا راجل …. طلعت مش فاهم حاجة كنت تايه و مش فاهم حاجة ….. طارق دمه اتصفى قدامي و مات و انا مكنتش فاهم حاجة ….. معرفشي حتى اذا كانو مسكو البلطجية دول ولا لأ….. انا وعبد الرحمن مكنشي لينا عين نبص حتى وقتها لبعض كنا ساكتين و رجعنا الملجأ بس مكناش شياطين كنا تايهين كنا عيال …. عيال و بس ……

#يتبع

هذا ليس ابنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن