الفصل الأول : علي الطريق الصحراوي تشق سيارة الطريق بسرعة جنونية...
يحيط بها الجبال من الجهاتان. صمت مخيف يلف المكان, لا يقاطعه سوى صوت تساقط زخات المطر .. فجأة تنحرف السيارة عن الطريق لتبدء السير فوق الرمال والصخور الصغيرة .. ليدوى صوت طلقة نارية ثم يليه صوت تدحرج السيارة وسقوطها لاسفل الوادى . ليعم الصمت مرة اخري كأن شئ لم يكن ... تزحف إمرأة خارج السيارة بصعوبة تحيط طفلة صغيرة بقوة خوفاً ان يصيبها مكروه , تتجاهل آلامها وجروحها الخطيرة لتزحف بمرفقيها سريعاً بعيداً عن السيارة , ليهز المكان صوت انفجار قوى عقب ابتعادها والطفلة , لتتحول السيارة لحطام مشتعل , لتضم الطفلة تحميها بجسدها كدرع حتى تمنع عنها اي مكروه . لتجفل الصغيرة من صوت الانفجار , لتبدأ بالبكاء فزعاً لتحاول تهدأت الطفلة وتطمئنها , لتضم الفتاة لجسدها بقوى تتشبث بها تحميها من اي سوء. لتسمع صوت مرعب يشق السكون من حولها , لتسرع انفاسها ويعلوصوت خفقات قلبها يصم اذانها , لتلتفت حولها بصعوبة وهي متمسكة بالطفلة اكثر بذعر ... لتشعر بقواها تخور وقدرتها علي فتح عيناها تقل وتشعر برأسها تنقسم شقين ودوار شديد يليه ظلام يحيطها لترحب به وتثقل جفناها وتستسلم لهذا الشعور بالخدر ,تحيط الطفلة جيداً تتمنى ان يكون كل هذا مجرد كابوس ينتهى عندما تفيق ليتلاشى كل شئ وتفقد الوعى ...
بانت خيوط الفجر وبدأ ضوء الصباح بالظهور , ليدوي صوت سيارات الشرطة والاسعاف في صخب معلناً وصولهم لمكان الحادث . ليحاول فريق الانقاذ البحث عن شخص بصعوبة نظراً لعدم سطوع ضوء كافي . لقد اخمد المطر النار ولم يتبقي من السيارة الا صفيح محترق . ليستمر البحث بحذر عن اى ضحية , انين منخفض يتناها لسمعهم , ليتعقبوا اتجاه الصوت , ليروا إمرأة تحتضن طفلة صغيرة وتبدو جراحهم غائرة . ليتم رفعهم والتقاطهم من أسفل الوادى بصعوبة . ويغلق مكان الحادث لاستكمال التحقيق فيه , لتنقل المرأة والطفلة لسيارة اسعاف . ليحاول المسعفين السيطرة علي بعض الجروح الظاهرة , يبدو ان الطفلة اقل ضراراً من المرأة التى تلقت كل الجروح , تبدو حالة جراحها صعبة وخطيرة . لتنقل المرأة والطفلة للمستشفى , يستلم قسم الطوارئ بالمستشفى الحالتين .
بعد مرور اسبوعين على ذلك الحادث ... في المستشفى يمر الطبيب المكلف برعايتها ومتابعة حالتها الصحية , يطمئن علي حالة جروحها التي بدأت تطيب ويسجل ملاحظاته في تقدم الحالة . منهمك بتركيز في مايدونه , ليلاحظ حركة جفناها , ليترك ما يفعل وينتبه لمحاولاتها بهدوء حتى لا تفزع . لتفتح عيناها ببطء غير قادرة علي الرؤية بوضوح بسبب الضوء القوى , ليلاحظ انزعاجها من الضوء , ليخفض الضوء تارك ضوء خافت لا يؤذي عيناها , ليحثها علي فتح عيناها بهدوء . كان في طريقه للمستشفي كاعادته منذ اسبوعين , يقود سيارته الرياضية الحديثة بمهارة وخفة , يسمع صوت هاتفه النقال , ليطلع علي اسم المتصل , يقطب في حيرة ويرد بتوجس ... يضع الهاتف على اذنه يسمع مايقوله صديقه الطبيب المكلف برعايتها لينتبه لما يقوله لتلمع عينه بعزم وكراهية تجعل من يراه يفر هارباً من امامه , ليرد عليه بكلمات مقتضبة : انا جاى .... ويغلق الهاتف ويلقيه علي المقعد المجاور له ويزيد من سرعة السيارة وهو يتوعد لتلك المرأة . تتطلع حولها تدرس المكان لترى غرفة جدرانها بيضاء , وبجانب السرير الذى ترقد عليه يوجد اجهزة ومعدات طبية , لترى باب الغرفة ينفتح ويدخل ثلاث رجال يحملقون فيها بقوة نظرتهم بين مشفق عليها ومندهش وبين .... لتستقر نظراتها على الاخير ذلك الرجل الهائل الطول يحيط به هالة من القسوة والقوة ونظراته ترسل لها بغضه لها .
لينحصر الهواء بداخلها يرفض الخروج وتقبض بيدها علي السرير خوفاً منه ومن نظراته الموجهة لها بعصبية شديدة كأنه يحاول كبح غضبه والسيطرة عليه . لتحاول الكلام بصعوبة يخرج صوتها اجش وضعيف لكن مسموع : انا فين ؟ لم يرد احد على سؤالها ينظرون لها بإهتمام لتتكلم مرة اخرى : انتو مين ؟ .... انا ... آآآ انا مين ؟ ... ليتبادلوا النظرات بينهم بصدمة ليقطع الصمت ذلك الغاضب يحدجها بغضب ويرد عليها بسخرية : لعبتك الجديدة ابتدت ؟ ...... اوعي تفتكرى حد هيصدقك ولا هنعطف عيكى ياحرام , انتى واحدة حقيرة معندكيش قلب وانا هعرف اخليكى تنطقي ولو استمريتي في تمثيلك ده صدقينى هندمك احسنلك اتقى غضبى وبلاش حركاتك دى والا متلوميش غير نفسك . لتفزع من صوته العالي وتغمض عيناها بشدة لتشعر بألم شديد يكاد يفتك برأسها لتضع يدها السليمة عليها لتلاحظ تلك الضمادات التى تغطى راسها ووجهها بالكامل لا يظهر منها الا عيناها فقط . لتحاول الكلام مرة اخري بصعوبة : انا .. مش فاكرة حاجة !!!! لتبدء البكاء على حالها ... انها لا تذكر اى شئ ... مشتتة وخائفة من ذلك الغاضب الذي ينظر لها بإستهزاء غير متأثر بدموعها المزيفة فى نظره... لتشتعل عيناه بغضب ويضم كفه فى قبضة يتمني ان يحطم بها وجهها ويمحى تلك النظرات البريئة الزائفة ليلعنها ويلعن نفسه للمرة الالف حقاً يجب ان يشهد لتلك الحية بموهبتها في التمثيل بالاضافة لكل صفاتها السيئة الاخرى .
ليلتقط صديقه ملامحه ونظراته الموجهة لتلك المرأة التي سوف تصبح فى عداد الموتى ان لم يتدخل ويحول بين ذلك . ليمسكه من كتفه بحذر ويجره خارج الغرفة حتى لا يرتكب جريمة قتل . يخرج الطبيب صديقه الذي يتميز غيظاً ويرى نيران غضبه ظاهرة في عيناه بوضوح لكنه يعرف انه علي حق وتلك المرأة بالداخل تستحق الاسوء , هو ابعده عنها خوفاً عليه هو ... خرج الطبيب الاخر بعد ان فحص قدمها المجبرة وطمئنها عليها وخرج سريعاً نظراً لحالة التوتر المحيطة بالغرفة . يفتح باب الغرفة مرة اخرى لتتأهب ولكن يدخل صديقه الطبيب بدون ذلك المتنمر المرعب , ليتقدم ذلك الطبيب منها وينظر لها يحاول سبر اغوارها , ليزفر في ضيق ويتكلم بهدوء : انتى فاكرة اسمك ايه, او سنك, اى مرحلة او تفصيل حتى لو صغير في حياتك ؟ .... لتصمت هى تحاول تذكر اي شئ اى اسم اى شئ يثبت شخصيتها لكن الالم يعود ليفتك برأسها مرة اخرى لتتأوه من شدة الالم وترتفع يدها تلقائياً لرأسها : مش آآآآ مش فاكرة اى حاجة , انا فيا ايه وليه وشى مربوط كدة ؟ لتنظر له برجاء وعيناها تمتلئ بالدموع : ارجوك فهمنى انا فيا ايه ؟ ...وو انا مين؟ لينظر لها بشك ويقول بهدوء : انتى اسمك (شاهيناز) وتبقى مرات(سليم أبو المجد ) عندك 27 سنة .... انا الدكتور (احمد العمرى ) صديق مقرب لزوجك وبتابع حالتك من ساعة الحادثة يعنى حوالي اسبوعين, طبعاً انتى دخلتي في غيبوبة مؤقتا نتيجة خبطة علي دماغك وتقريباً أدت لفقدان ذاكرة اى حاجة تانية محتاجة تعرفيها زوجك هو بس الي ليه الحق انه يقولهالك, حالياً هتفضلى معانا لحد ما كل جروحك تطيب ونطمن عليكى تماماً وبعد كدة نبقي نحولك لطبيب نفسى يتابع حالتك ويساعدك علي تقبل حالتك وكمان يساعد فى رجوع الذاكرة ليكى .. لتنظر له بحيرة ثم تسأل : طيب هو فين جوزى ده مجاش يشوفنى ليه ؟ ليتنهد احمد ويقول : ماهو كان جنبك طول الوقت, كان بيجيلك كل يوم مستنيكى تفوقي من الغيبوبة .... لتنظر له بلهفة وأمل في وجود من يدعمها ويحميها من تشتتها ومن عالمها الموحش : بجد ... طب هو فين عاوزة اشوفه ؟ ليقطب الطبيب ويجيب : ماهو جوزك سليم هو الى كان هنا من شوية معايا الى كان..... لتتسع عيناها من الصدمة , زوجها ذلك الغاضب ذلك الرجل الذى ينظر لها بكراهية وبغض شديد , وانا من ظننت انه الداعم والامان من سأختنبئ خلفه من تلك الحياة الغريبة عنى ... لتغمض عيناها بضعف تستدعي النوم لتهرب من كل من حولها , تهرب من حياة لا تعرفها , وماضى لا تتذكره .
يتبع...
أنت تقرأ
انعكاس الماضي💜 (سمر خالد) مـكتــملة
Mystery / Thrillerالملخص : دوامات تتقاذفها،موجات من الألم تصدمها تكاد تشق صدرها و تقبض قلبها.... لم تعي ما يحدث لها ، كل ما كانت تدركه حينها هو ذلك الألم الساحق الذي يفتك بجسدها، و تلك المرارة الخانقة التى تصاعدت في حلقها ... و شعور قاسي بالفزع و الوحدة، و تكالبت ال...
