السادس عشر

364 9 0
                                    

رواية :انعكاس الماضي
بقلم :سمر خالد
الفصل السادس عشر :
في المستشفي الراقد بها شوكت أبو العزم....
كان عادل قد شهد علي مناقشة حادة بين الممرضة دعاء ورئيسة التمريض.......
في مكتب مدير المستشفي الدكتور محمد سالم
كان عادل يتوعد لهم بغلق المشفي وتبليغ الشرطة عن هذا الإهمال الذي كاد أن يؤدي بحياة والده العزيز، جاءت أية ولاحظت حركة غريبة في الانحاء ثم سمعت صوت عادل المرتفع.. ذهبت بقلب راجف خوفاً عليه...وبمجرد ان اقتربت سمعت شئ جعلها تتسمر مكانها و سبب شحوب وجهها!!
عادل بغضب : الفقر مش مبرر أنك تكوني بالحقارة دي، لو كل شخص فقير وحالته المادية علي قده عمل كدة يبقي البلد كلها هتتملي مجرمين!!
كانت أية تسمع كلماته رغم صحتها لكن لا تعرف لماذا أوجعتها وجعلتها تفكر أنه ربما يظن أنها تطمع به ولا تحبه !!...
بقدمين مرتعشتين ذهبت للغرفة الراقد بها والده تنتظره وتفكر بماتشعر داخلها....
فهي تعرف أن فقرها لا يعيب شئ في شخصيتها لكن دائماً ماكانت حساسة تجاه حالتهم المادية البسيطة، فأبسط الكلمات يمكن أن تؤثر بها، تنهدت بتعب قبل ان ترجع رأسها للخلف وتغمض عيناها بتعب من تخبط كل تلك أفكار براسها ......

خرج من غرفة المدير بعد أن وعده الاخر بتكثيف الأهتمام بوالده وإشرافه المباشر  علي الحالة، رفض عادل أن يبلغ الشرطة عن دعاء بعد معرفة حالتها وانها ترعي والدتها المُسنة.... كان يشعر بالارهاق والتعب والصدمة، يفكر أنه يجب أن يعرف من الذي حرض دعاء علي فعل مافعلته..؟
فهو قد سألها وحاول التحدث معها لكنها بكت وارتعشت خوفاً عندما ضغط عليها!!
من يمكن أن يفعل ذلك؟... يجب أن يذهب لتلك الفتاة دعاء مجدداً ويحاول معرفة حقيقة الأمر منها بعيداً عن المستشفي!!
دخل الغرفة علي والده ليلفت نظره وجود أية بجانبه لكنها كانت مغمضة الاعين ويبدو من انتظام انفاسها انها نائمة!!
ابتسم عادل بحب لفتاته الرقيقة النائمة بوداعة وهدوء.... ثم اقترب بخطوات ثابتة ليجلس بقربها قبل ان يباشر بتأمل ملامح وجهها النقي الخالي من مساحيق التجميل ماعادَ ذلك الخط الأسود من الكحل بعيناها العسليتين يحيطهما بتملك يستفزه... كأنه يتحدي أن يتخطاه أحد للوصول لخيوط الذهب المتشابكة في بحر عيناها الساحرة.
عادل بهدوء وهو يتاملها بحب : أية !
استيقظ أية وهي تفتح عيناها ببطء كالأطفال.... دغدغ منظرها قلبه وهو يطالعها و ينظر لها بحب لتتسرب تلك الكلمات بين شفتيه بدون وعي ليتمتم بخفوت: "وتَعْثرت بعيناكِ فسقط قلبي" ....
تورد وجنتاها خجلاً وهي تسمع همساته الخافتة قبل ان تبعد عيناها عنه بخجل...
قالت اية بتلعثم : أسفة..نمت.. من غير ما أحس.
عادل بإبتسامة : متتأسفيش يا أيتي.
قطبت أية حاجبيها بحيرة لتقول باستفهام : أيتك ازاي؟..
عادل بحب : أية يعني معجزة... وانتي معجزتي، أيتي... انتِ إلي قدرتي تغيريني وتخلي قلبي يدق من تاني... بقي عندي هدف في الحياة، بقي عندي حد يحبني ويتقبلني لشخصي بعيوبي قبل مميزاتي...انتِ ياأيتي.
في هذه الاثناء كانت أية تتخبط كالغريقة في بحور عشقه وترمي بكل الحذر عرض الحائط وتغوص بقلبه وحبه فكلماته وحبه الظاهر في عيناه... جعلا قلبها يتضخم في صدرها وحبها له يفيض عنه!!...
...........................................
في شقة يحيي الشرقاوي.....
يجلس يحيي بجانب فتاة جميلة ورقيقة تدعي     " هنا" كانت  تبكي بإنهيار وهي تترجاه....
هنا ببكاء : أرجوك يايحيي متعملش فيا كدة.. أنا عارفة ان أنا غلطانة وأستحق إلي يجرالي.. بس أرجوك متتخلاش عني.. حتي لو كتبت الكتاب وبعد كدة طلقني، لو أبويا عرف اني حامل هيقتلني....... وتبدأ في البكاء من جديد....
بينما يحيي يجلس براحة فوق الكرسي يضع ساقه فوق المنضدة ويدخن سيجارته ببرود!!
هنا برجاء : بالله عليك يايحيي اتجوزني وأنا هعملك أي حاجة تطلبها مني، المهم محدش يعرف بإلي حصل.
يخرج أخيراً عن صمته : أنا ايه إلي يخليني أتجوز واحدة سلمتني نفسها بسهولة؟
هنا بوجع من كلماته : عندك حق... أنا إلي رخصت نفسي، بس أنت كنت خطيبي وأنا حبيتك وأمنتلك... للأسف كنت فكراك بتحبني.
يضحك يحيي بسخرية : يا هنون مفيش حاجة اسمها حب.... الحب ده وسيلة علشان نوصل للي نعوزه وبس!!
اجابته ودموعها تتساقط بقهر : هتعمل ايه يايحيي؟..
يصمت يحيي بتفكير ثم يقول : كتب الكتاب كمان يومين ومفيش فرح هاخدك في نفس اليوم.
لتومأ هنا وتتمتم : حاضر...
وقفت هنا لتهم بالخروج بقدمين تهتزان وقلب يعتصر وجعاً، و بمجرد ان كادت تبتعد راحلة قاطع خروجها صوته الساخر: شرفتي ياأنسة... أقصد يامدام ..
خرجت سريعاً وهي تنهر قلبها الأحمق علي حب هذا الشخص والثقة فيه، لكنها أيضاً أخطأت في حق نفسها وخانت ثقة والدها وأغضبت ربها ويجب أن تتعاقب علي خطيئتها.
هبطت الدرج نزولاً بخطوات مرتعشة ورؤيتها مشوشة من تجمع الدموع بعيناها وتصاعد الوجع  والمرارة والقهر في قلبها....
...........................................
تجلس زمردة علي الأرجوحة بحديقة المنزل بعد أن نامت كارما بعد جهد كبير فهي صارت أكثر تشبثاً بها، لا تترك أحد أن يساعدها في شئ غيرها وإن لم يلبي الجميع رغباتها تصرخ بصوت عالي وملامح وجهها الطفولية تمتعض برقة تسرق القلوب وتتدلي شفتها السفلية بدلال طفولي محبب.... تلك الفتاة أكبر دليل علي أخطائها السابقة، لكن هناك صوت في عقلها يخبرها أنها لا يمكن أن تفعل كل ذلك!!
لا تدري متي ستعود لها ذاكرتها لكنها تخشي أن تتذكر حياة مثل تلك الحياة الخاطئة التي عاشتها ففي داخلها شئ يرفض كل اتهام وكل كلمة تقال في حقها..!!
حاولت زمردة أن تغلق عيناها وتتذكر أي شئ من ماضيها... ليتناهي لسمعها صوت موسيقي لذيذة تبدو مألوفة لديها... ليصدح صوت ماجدة الرومي بتلك القصيدة من تأليف نزار قباني"كلمات"...لا تعرف لما ولكن سماع تلك القصيدة، حرك شئ بداخلها ربما ذكرة ما لكن يبدو أن تلك القصيدة كانت مفضلة لها لانها تحفظها جيداً!!.... كان الصوت يأتي من غرفة سندس الهائمة في حب أحمد.
شردت زمردة في كلمات الاغنية وذهبت  في عالم أخر تتخيل سليم معها يراقصها ويهمس لها بحبه وعشقه لها......"يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات.. يأخذني من تحت ذراعي.. يزرعني في أحدي الغيمات... "
تفكر زمردة لو كانت هي وسليم قد تعرفوا من جديد بظروف مختلفة كانت ستكون أكثر من سعيدة بإظهار عشقها له ومحاولة لفت أنظاره لها فرجلاً كاسليم يتهافت عليه النساء.. بوسامته الرجولية الخشنة وأخلاقه الحميدة وشخصيته القوية الجذابة... لكن هي هنا في واقعها المرير فزوجها وحبيبها يمقتها ولا يطيق سماع شئ عنها سوي مكان ابنه الذي لا تتذكر أين!!.... ويمس قلبها كلمات القصيدة بشدة
"يبني لي قصراً من وهماً... لأسكن فيه.. لأسكن فيه.. سوا لحظات.. أاااااه، وأعودُ.. أعود لطاولتي... أعودُ.. أعود لطاولتي.. لاشئ معي... لا شئ معي..... إلا كلمات... "
تعود زمردة من حلمها المستحيل برأيها علي صوت سليم يحدثها...!!
سليم بحيرة : ايه إلي منزلك هنا في الوقت ده؟
تنظر له زمردة وترد بهدوء : عادي... كنت مخنوقة وحبيت أقعد في مكان مفتوح.
سليم بإبتسامة : كارما نامت؟
زمردة بعبوس : أيوة نامت ياسليم.
يقترب منها سليم ويجلس بجوارها....يجذبها من مكانها في طرف الأرجوحة ويجلسها بجواره يحيطها بذراعه ورأسها تستريح علي صدره.. تستنشق عطره وتشعر بدفئه يحيطها وصوته العميق يداعب أذنيها وهو يسرد لها ماحدث بالشركة اليوم.. فهي امتنعت عن الذهاب اليوم لتجلس مع ابنتها الصغيرة.
بعد انتهائه من سرد ما حدث في الشركة بعد أن حذف منه شعوره بالوحدة والحزن لعدم وجودها حوله... فهي كانت نسمة باردة في قلب جو الشركة المتكلف الهادئ... لقد افتقد وجودها بشدة... لكنه لم يسرد ذلك الجزء من يومه!!
لا يعرف لماذا سرد لها يومه كالأطفال عند عودتهم من المدرسة؟..
يتنهد سليم وهو يعي خطورة مشاعره تجاهها.. فهي خلقت لنفسها في حياته وقلبه مكان.
ينظر سليم لوجهها المستريح علي صدره ويتذكر حديثه الخاص مع المحقق المسئول عن جمع معلومات عن شاهي وزمردة.. أيضاً البحث عن أدم ابنه الصغير... لكم اشتاق له.. يظهر دائماً القوة والصلابة أمام الجميع، لكن بداخله اعصار من المشاعر المتضاربة.. وعقله مثل الطواحين لا يتوقف عن العمل يبحث في كل مكان ويفعل كل شئ ليستطيع الوصول اليه!!
حديث المحقق كان عن وجود شخص ما يقف خلف كل ما حدث في حياته!!
أولاً اختطاف أولاده واختفاء شاهي بعدها مباشرةً.. فالتحقيق بمكان حادث السيارة أثبت أن زمردة لم تكن بمفردها مع كارما بل كان معهما رجل أخر لكنه مات!!
وهناك أيضاً بعض الرصاصات الفارغة.. واكتشف وجود محبس ذهبي مكتوب عليه حرف H فقط لكن يبدو انه لإمرأة!!
كل ما أخبره به المحقق جعله تائه في فوضي حياته... لم كل هذه التعقيدات؟
هو لم يتمني بحياته أكثر من أن يحيا حياة طبيعية مع امرأة تحبه كما يحبها ويكونوا أسرة صغيرة!
لكنه فجأة وجد نفسه يحيا مع امرأة أقل ما مايقال عنها انها مريضة نفسياً... تخطف أولاده وتهرب، ثم تبعث زمردة ابنة خالتها وشبيهتها.. بإبنته فقط وتختبئ بأدم... يمسح علي وجهه بيده الحرة ويتمتم بإستغفار منخفض ثم يحول نظره لتلك النائمة علي صدره بهدوء..
لوكانت الأفكار لها ضجيج لإنزعجت من فوضي أفكاره واستيقظت!!
ليبتسم من أفكاره يفلت زمردة ويقف بهدوء... ثم ينحني ويحملها بين ذراعيه صاعداً بها لغرفتها حتي تستريح.

"ستفتِّش عنها يا ولدي في كل مكان
وستَسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن
وتجوب بحاراً وبحاراً، وتفيض دموعك أنهاراً
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً

وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبةُ قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان
ما أصعب أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان
ليس لها عنوان يا ولدي"

بعد يومين....
كانت هنا تقف أمام مرايتها تنظر لما ترتديه في يوم زفافها بسخرية ودموعها تتساقط بدون إرادة منها

تنعي قلبها الذي ملكته لرجل أقل ما يقال عنه انه وغد.. حقير سرق قلبها واستباح حبها وخدعها بإسم الحب.... لكنها ستعاقب قلبها بالعيش مع معذبها تحت سقف واحد..
لا تعرف مايخبئ لها القدر... وكيف سيكون عقابها من ربها علي عصيانه؟.. لكنها تلعن قلبها وسذاجتها الذان اوقعاها تحت رحمة ذلك الحيوان يحيي... نعم فبقدر حبها وعشقها له قبلاً.. بقدر كرهها وبغضها له الان!!
لتتوعد لذلك الحقير أمام ربها وأمام طفلها أن تنتقم منه علي كل شئ فعله بها أو بغيرها.
نظراتها تحمل اصرار وقوة... ويداها علي بطنها كأنها تحمي طفلها وبنفس الوقت تتعهد له أن لا يري ذلك الأب الفاسد فهي بعد أن تنتهي منه سوف تتركه وتأخذ طفلها وترحل!!
لا تريد لطفلها ان يري أب مثله لم يرده يوماً.
تكمل ارتداء ملابسها المحتشمة وحجابها الطويل فهي قد وجدت الراحة بالقرب من الله عله يسامحها علي خطاياها.
تخرج لوالدها الجالس بحزن علي فراقها وتنكس رأسها لأسف غير مستعدة للنظر بعيناه النافذتين لروحها...
يسألها والدها لأخر مرة وهي تهم بتوقيع عقد زفافها : أنتِ واثقة ياهنا من إلي بتعمليه؟
هنا بجمود : أيوة يابابا... واثقة من إلي هعمله
تنحني ثم توقع عقد الزواج وعيناها تلمع بإصرار وقوة... تتوعد بالأنتقام من من قتل حلمها!
..................................

انعكاس الماضي💜 (سمر خالد) مـكتــملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن