الرابع و العشرون

348 11 0
                                    

رواية :انعكاس الماضي
بقلم : سمر خالد
الفصل الرابع والعشرون :

في كوخ صغير ومن مظهره يبدو عليه أن لم يقربه أحد منذ وقت طويل !
فقد نال منه الزمن وأصبح مع الوقت لا يصلح للحياة أبداً... في احدي غرف هذا الكوخ المهجور كانت زمردة تجلس في احدي زواية الغرفة المظلمة تنكمش علي نفسها وتضم قدميها لجسدها وترتعش خوفاً... فالغرفة غارقة بالظلام، كما أن رائحة العفونة مع الغبار معاً شكلا مزيج يضيق الأنفس، بالإضافة لبعض الحشرات التي تمر من حولها بحرية !
تدفن رأسها بين ركبتيها وتبكي كما لم تبكي من قبل... لقد أكتفت من تلك الحياة حقاً، تلك الحياة التي لا تعرف كيف أصبحت فيها مدانة ومطاردة ومختطفة! هل لك ماعايشته نهاية؟ أم ستبقي دائماً تصارع للحياة دون أمل في الفوز بها!
يرتفع صوت نحيبها بإنهيار... فقد تفجر كل ما تحمله في قلبها وأصبحت لا تستطيع التوقف عن البكاء فأي حياة هي تلك التي تحياها؟
تسمع صوت صرير الباب وهو يفتح و خط من الضوء يسبق دخول ذلك الضخم الذي اختطفها.
يتقدم منها قليلاً وعيناه تمر علي طول جسدها وعيناه تلمع كما الذئب !
الرجل : مالك يا حلوة بتبكي ليه؟.. ده أنتِ حتي زي القطط بسبع أروح.
زمردة ببكاء وصراخ : أنتو عاوزين مني ايه ؟ حرام بقي سيبوني في حالي... ياتقتلوني وتخلصوا أنا مش عاوزة أعيش خلاص.
يضحك ذلك الرجل بسماجة وينحني لمستواها ويقول : مش حرام ست جميلة زيك تموت؟؟
ليمد كف يده يمرره علي وجنتها وعيناه تتركز علي جسدها الذي زادت ارتجافته من أثر لمسته لها... لترفع يدها وتدفع يده عنها بقوة وتصرخ بإنهيار : ابعد عنيييييييي، سيبوني بقي.. حرام عليكم والله أنا تعبت.
يتوتر من صراخها ويقف فجأة ويبتعد عنها سريعاً ويوصد الباب خلفه جيداً ويتركها خلفه تبكي وتدعي ربها أن تخرج من هنا قريباً فهي علي وشك أن تفقد عقلها من كثرة ماتعرضت له!

في منزل يحيي الشرقاوي....
كان يحيي ينقل نظراته بين الهاتف التي تقبض عليه بيدها بقوة كأن حياتها تتوقف عليه فقط وبين عيناها الذي ظهر بها الخوف والقلق فجأة... ليؤكد له مظهرها أنها تخفي شئ ما خطير!
يحيي بهدوء مرعب : كنتِ بتعملي ايه بالتليفون ده وأنتي نازلة تشربي؟
هنا بتلعثم تحاول أن تتداركه : كنت.. كنت بكلم بابا في التليفون وآآآ...
قطع حديثها صفعة قوية علي وجنتها ألقتها أرضاً تبكي ولا تزال تقبض علي الهاتف بقوة!
يحيي بغضب : بتضحكي عليا أنا!..بقي وحدة زيك أنتِ بتفكر تخدعني؟؟.. لاااااا دانا أدفنك مكانك مش أنا إلي وحدة ست زيك تلعب بيا.
هنا ببكاء.. تقترب من قدمه و تقبض عليها وتتوسله ويداها الأخري تجري مكالمة بمصطفي : أرجوك صدقني أنا أه سمعت إلي قولته بس مقدرش أذيك.. آآ.. مهما كان أنت أبو ابني ومقدرش أخونك!!
في هذا الوقت كان مصطفي قد فتح الخط ويستمع للمحادثة بين يحيي وهنا و يتأكد أن هنا في خطر! ليتحرك سريعاً و يقود سيارته اتجاه منزل يحيي و هو يسمع بكائها وتوسلاتها و اهاناته لها وهو يضع الهاتف علي أذنه ويقبض عليه بغيظ من ذلك الرجل المتجبر!!
أما هنا فكانت تحاول أستدراج عطف يحيي لكن يحيي كان قد استبد به الغضب ليقف و يجذبها من شعرها يرفع وجهها نحوه وصوت صراخها يعلوا و يكيل لها الصفعات بغضب و قدماه تشتركان في تعذيبها ويركلها عدة مرات تجعلها ترتخي بين يداه وتتوقف عن الصراخ وتغمض عيناها.... وبركة من الدماء تكبر حولها وتلطخ ملابسها والأرضية مع أثار الكدمات علي وجهها فكان منظرها صعب للغاية.
ليترك شعرها لتسقط أرضاً لينحني نحوها بهدوء ويقول : هنا.. هنا.. ثم يضع اصبعيه علي جانب رقبتها ويشعر بنبضها، ليقف وينظر لها ببرود ويلتفت ويخرج من البيت ذاهباً في طريقه!!
كان مصطفي يقود سيارته بسرعة كبيرة كادت أن تتسبب له بحوادث اصطدام عدة ... كان يشعر بالقلق عليها فيمكن أن يكون ذلك المجنون قتلها!
بعد فترة قصيرة كان مصطفي يصف سيارته ويترجل منها سريعاً منطلقاً نحو الباب ويطرقه بقوة عدة طرقات... لكن لا مجيب!!
ليلتف حول المنزل ويرى نافذة مفتوحة... ليتسلق مصطفي النافذة ويقفز داخل المنزل برشاقة.
بحث عنها في المنزل حتي وجدها علي الأرض ومظهرها جعله ينصدم !! من أين أتي هذا الرجل بكل هذه القسوة والعنف والشراسة أن يفعل في إمرأة كل هذا فقد كانت ترقد وحولها الكثير من الدماء... ووجهها لوحة تعكس كل ما تعرضت له في صورة كدمات وجروح !!
ليحملها سريعاً وينطلق بها سريعاً علي سيارته ويمددها علي المقعد الخلفي بهدوء ثم يجلس هو أمامها ويقود السيارة سريعاً نحو أقرب مستشفي !!
في الطريق للمشفي كان مصطفى يحث هنا علي الإفاقة بعد سماعه لهمهماتها المنخفضة والمتألمة : هنا انتِ سمعاني؟؟ متقلقيش احنا هنروح علي المستشفي.
لتتمتم من بين همهماتها : ابني.. ابني.. أنا حامل.. ألحقني!!
لتتوسع عيناه بصدمة وترتجف يدان للحظة ثم يسرع بالسيارة أكثر.
يقف أمام المستشفى و يترجل من السيارة ويصرخ بالأمن الواقف بالخارج : اتحركوا يلا حد يساعدني بسرعة!!
صراخه جعل الجميع يلتف حول السيارة واحدهم احضر نقالة.. ثم حملها مصطفي ووضعها فوقها ثم اقترب من أذنها قبل أن تبتعد وهمس لها : كل حاجة هتكون بخير و إلي عمل فيكي كدة أوعدك هيتحاسب على كل إلي عمله معاكي ومع غيرك.
تحرك الأمن بالنقالة وهو يقف ينظر لها و يتوعد بالإنتقام من الشبيه بالرجال هذا الذي يتواري ولا يواجه الرجال و يفرض رجولته علي امرأة ضعيفة.
خرج مصطفى من المشفي بعد أن هاتف والدها وأخبره بوجود ابنته في المستشفي.
كاد أن يصعد لسيارته حتي فاجأه صوت هاتفه يصدح برنته ليقطب ويتسأل من الذي يهاتفه في هذا الوقت المبكر؟
ليطالعه علي الشاشة رقم منزل والديه!
يرد علي الهاتف بتعجل ليتناهي له صوت والدته الملهوف : ألحق يامصطفي.. صحيت من النوم علشان أصلي الفجر، دخلت أصحي شاهي علشان تصلي معايا ملقتهاش في أوضتها!
مصطفي بصدمة : ازاي ملقتهاش يا أمي؟.. دي مينفعش أبداً تخرج من البيت في خطر علي حياتها لو خرجت.
أم طه ببكاء : يعني البنت دلوقتي في خطر! يعيني يابنتي.. اتصرف يامصطفي البنت غلبانة و اتبهدلت كتير.
يزفر مصطفي و يمرر أصابعه بين خصلات شعره بضيق من تلك المعتوهة التي يبدو أنها تركت البيت غافلة عن من يتربص بها.
مصطفي : حاضر يا أمي متقلقيش إن شاء الله ميحصلش حاجة وألاقيها.
أغلق الهاتف بعد أن أنهي المكالمة مع والدته.. ليفتح الهاتف مرة أخرى ويلفت نظره وجود رسالة غير مقروءة! ليسرع ويفتحها.. ليجدها رسالة صوتية، عبارة عن تسجيل صوتي ليحيي وهو يتفق مع أحدهما علي المكان الذي يخبئ فيه أحد ما!
ويبدو أن شاهي هي المقصودة.. ليكرر التسجيل مرة أخري وينتصت بإهتمام للعنوان المتفق عليه

بعد وقت قصير كان مصطفي يقود سيارته سريعاً متوجهاً للعنوان الذي ذكر في التسجيل الصوتي، وقد أخبر قوة من الشرطة أن تسبقه لهناك وتستكشف المنطقة.. فقد كانت منطقة مهجورة علي طريق صحراوي خطر ! و كما أنه أعطى أمر لهم بعدم التدخل الأن حتي يصل هو.

في ذلك الكوخ المتهالك..
وصل يحيى للكوخ أخيراً.. ثم توجه مباشرة نحو الغرفة المحتجز بها شاهي!
صوت صرير الباب أنبئها بحضور أحد ما.. لتعتدل في جلستها وتنكمش في أحدي زواية الغرفة بزعر... لم تتبين بعد هواية الزائر، فهو يقف أمام الباب ويحجز الضوء المتسرب من الخارج فكانت لا تري وجهه لكن جسده كان مميز و..مؤلوف! ليتكلم ويأكد لها شكوكها.
يحيي بشماتة : آهلاً يا شاهي.. بجد أنتي بتفاجأيني دايماً.. كل ما يقرب منك الموت بتبعدي أنتي عنه! بس المرة دي مش هتبعدي ومش هسمحلك تبعدي، لاني بنفسي إلي هتخلص منك.
زمردة بهدوء : هتقتلني يعني.. اقتلني أنا إلي مش عاوزة أعيش ومش فارق معايا تهديدك، أنت رجل مريض بجد... مريض بحاجة اسمها سليم لانه أحسن منك في كل حاجة.
وكأنها أشارت لثور هائج بقماش أحمر..فقد كانت كلماتها أشد استفزازاً ليحيي ليقترب منها ثم ينحني لمستواها، ويصفعها علي وجهها بقوة أطاحت بها لتسقط أرضاً، وتشعر بملوحة الدم في فمها.
ليعتدل يحيي ويقف ثم يجذبها من خصلاتها بقوة جعلتها تصرخ بصوت مرتفع.. ليصرخ بها : اقفي يلا.. أنا هوريكي المريض ده هيعمل فيكي ايه.
تقف زمردة المتألمة من عنفه معها وجذبه لشعرها بقوة.. ليجذبها خارج الغرفة و منها خارج الكوخ كله!
كانت خطواته سريعة نسبة لخطواتها مما جعلها تتعثر وتسقط أكثر من مرة، كان يقبض علي ذراعها بقوة شعرت كأنه يخترق عظامها!
يحيي بغيظ : مفيش حاجة هتمنعني انِ أكمل خطتي.. أنا لازم أكمل و أنجح.. لازم أرجع حقي، مش هسمح لسليم يفوز المرة دي كمان، كفاية طول عمره بيفوز بكل حاجة وأنا عايش يتيم و أبويا موجود.. لازم أخد منه كل حاجة!
كانت زمردة تنتصت لحديثه وتفكر فيه لكن الألم كان أقوي من فضولها.. كانت قدمها مجروحة بشدة بسبب سقوطها أكثر من مرة كما ذراعها الذي ما زال يقبض عليه ويجذبها منه!
يقف فجأة يحيي أمامها يطالعها بشماتة ثم يشير إلي طريق غريب وبأخر ذلك الطريق يوجد وادي!
تنسي ما تعانيه للحظة و تتأمل المكان حولها وقلبها ينقبض و يهاجم رأسها ألم يكاد يفتك به من قوته.. تقف وتضع يدها علي رأسها كانها تستطيع أن توقف تلك الخفقات المؤلمة التي تتناوب علي رأسها!
يحيي بشر : تعرفي ايه المكان ده؟ لتحرك رأسها نافية معرفتها. ليستطرد حديثه : ده المكان إلي المفروض كنتِ تموتي فيه أول مرة!
تقطب زمردة حاجبيها بعدم فهم..
يحيي : هنا العربية إلي كنتِ ركباها مع كامل وقعت من فوق الوادي ده .. كانت هتبقي نهايتك بين الصخور، علشان كدة حبيت أجيبك في نفس المكان إلي ابتدأ منه كل حاجة واخلص منك.
تنظر له بزعر و تحاول أن تحرر نفسها من قيد يداه بصعوبة.. ليستطرد حديثه : هتروحي علي فين؟ مفيش عندك اختيارات كتير أنا قدامك والوادي وراكِ لتتراجع بظهرها وهي تضع يداها علي جانب رأسها بألم تشعر برؤيتها مشوشة، ومضات تنير عقلها، يقطع سيل أفكارها صوت ضجيج سيارة الشرطة بصوتها المألوف!
تتوسع حدقتي يحيي بفزع وينقل نظراته بين شاهي و سيارات الشرطة بشر و......

انعكاس الماضي💜 (سمر خالد) مـكتــملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن