الثالث و العشرون

339 8 0
                                    

رواية :انعكاس الماضي
بقلم :سمر خالد
الفصل الثالث والعشرون :

في مركز الشرطة بشرم الشيخ......
لقد جاء الليل وأطفئت الأضواء ساد الصمت الموحش يخترقه صوت الحشرات الليلية... صمت يرافقه ضجيج الأفكار و فوضي الذكريات.
يرقد سليم علي فراشه الصلب الغير مريح لكنه لم  يهتم فهناك مايؤرقه... يتذكر حديث مصطفي عن زمردته.. فهي تشتاق له، قال لي أنها حزينة لعدم ذهابي لها!
ليتمتم بأسي : أه لو تعرفي  يا زمردتي قد ايه اشتقتلك...ليغمض عينه و يتخيلها أمامه تنظر له بعيناها الحنونتين وتبتسم تلك الإبتسامة الجميلة...ويفكر : قريباً جداً سوف أراكِ... لكن حينها هل ستبقي معي؟.. أم ستذهبي!
ينام بعد أن أرهقه التفكير..... وبعد فترة كان يفيق من نومه مختض و خفقات قلبه تزداد وجيبها وأنفاسه تنحبس في صدره... عيناه تدور في محجرها، ويتمتم بقلق : زمردة!!
..........................................
أما في منزل عم سعيد الصياد....
كانت يستعد الجميع للنوم.. لتنظر زمردة لأم طه وتسألها : هو مصطفي وطه مش عايشين معاكوا ليه؟ لتبتسم أم طه وتربت علي كتف زمردة بحنان : هما من ساعة ما خلصوا تعليم واشتغلوا، أصروا علينا نروح نعيش في بيت تاني اشتروه جنب شغلهم وفي وسط البلد... لكن عمك سعيد رفض يسيب البيت إلي قضي فيه كل عمره،وراحوا عاشوا في البيت إلي اشتروه وكل فترة يطلبوا مننا نيجي و عمك سعيد برده يرفض.
زمردة بإندهاش : طيب وانتِ رأيك ايه؟ حبة تعيشي هنا ولا هناك؟
أم طه بإبتسامة : أن أحب أعيش في المكان إلي عمك سعيد يكون فيه...ده جوزي وعشرة عمري...الولاد يقدروا ياخدوا بالهم من نفسهم، لكن أنا مقدرش أسيبه لوحده أو أضغط عليه يعمل حاجة مش هيرتاح ليها.
تنظر زمردة لأم طه بإنبهار وتسألها : وأنتِ مش بتضايقي أن عم سعيد معترض... يعني هو خد رأيك واستشارك قبل ما يقرر؟
لتبتسم أم طه : يابنتي الست تقدر تعمل إلي هي عاوزاه... وتقدر تخلي رجلها يعمل إلي هي عاوزاه برده! تنظر لها زمردة بحيرة وتقطب جبينها... لتستطرد أم طه حديثها مبتسمة : الراجل يابنتي مش بيجي بالعند والقوة، الراجل بيجي بالحنية والإهتمام... متستنيش منه حاجة قبل ما انتي تقدميها الأول!
تشرد زمردة في حديث تلك المرأة الحكيمة وتفكر في سليم.. هل ستستطيع أن تعوضه عن كل تلك الفوضى التي كانت السبب فيها؟؟
لتفكر قليلاً ثم  توقن من استحالة الأمر ليظهر علي وجهها أثار الحزن والإحباط!
تلاحظ أم طه شرودها وتغير ملامح وجهها. لتربت علي كتفاها بحنان : متخافيش يا بنتي إن شاء الله كل حاجة هتكون بخير... قومي أنتِ نامي دلوقت بس و سلمي أمرك لله.
لتتنهد زمردة بتعب : مش قادرة أنام دلوقت.. اتفضلي أنتِ وأنا شوية وهحصلك.
لتومأ أم طه بإذعان وهي تقف، لتضيف لها قبل أن ترحل : متسهريش كتير يابنتي علشان تعرفي تصحي تصلي الفجر معانا زي كل يوم.
تبتسم زمردة وتومأ موافقة علي حديثها... لترحل أم طه متوجهة لغوفتها هي وعم سعيدة، و تاركة خلفها تلك الشاردة التي تسبح أفكارها بعيداً وترافق ذلك الغائب الحاضر في أفكارها وفي نبضات قلبها التي تنبض أشتياقاً ولوعة عليه!
تتنهد بضيق و تعتدل في جلستها، ليلفت نظرها تلك المجلات والصحف القابعة فوق المنضدة أمامها... لتمد يدها بهدوء لتسحب صحيفة من بينهم، ترفعها ثم تفتحها وتقلب بين أوراقها... لتجد ما يلفت نظرها.. لتتمتم : الكلمات المتقاطعة أممممم أجرب!
تبقي تحاول حل تلك الأحجية بعض الوقت حتي شعرت بالملل وقرارت طي تلك الصفحة، تطوي الورقة وقبل أن تغلقها تمام كانت تجمدت مكانها! عيناها متسعتان وزاد وجيب قلبها حتي صم أذنها.. تقرأ المكتب مراراً وتكراراً، ولا تزال غير مستوعبة الخبر.
تخفض الصحيفة بصدمة.. بهلع..برودة تزحف لأطرافها و تمكن رعشة خفيفة من جسدها تجعلها تخرج من صدمتها!
لتقول بصوت ضعيف : سليم.. في السجن!!
لتنظر للصحيفة مجدداً تتأكد للمرة التي لا تعرف وتقرأ الخبر بصوت مسموع هذه المرة : رجل الأعمال الشاب المعروف بقيمه و ذكائه الحاد، يحبس في مركز شرطة شرم الشيخ.. بتهمة قتل زوجته السيدة شاهيناز!!
تلقي الصحيفة من يدها كالملسوع وتقف سريعاً وصدمتها تحجب بينها وبين التفكير السديد!
لتحسم أمرها وتقرر الذهاب لمركز الشرطة،و تخبرهم أنها مازالت حية حتي يخرجوا سليم.
ذلك المسكين يتحمل كل هذا بمفرده!
تذهب لغرفتها حتي تستعد وترتدي ملابس مناسبة للخروج... لكن عقلها كان يبحث عن كثير من التساؤلات المحيرة!
............................................
في سيارة سوداء تصف بجانب الطريق كان يجلس رجل ضخم البنية ومعه أخر لا يختلف عنه كثيراً، يراقبان ذلك المنزل الصغير بإنتباه... ليقاطع تركيزهم صوت الهاتف، ليجيب أحدهم علي الهاتف وعيناه لا تفارق المنزل!
الرجل : أيوة ياباشا.. احنا واقفين زي ما أمرتنا بنراقب البيت إلي البنت دخلته!
يحيي بضيق : المرة إلي فاتت فشلته في قتلها، المرة دي تجيبوهالي أنا إلي هقتلها علشان أضمن أنها ماتت!
كان في تلك اللحظة هناك من يسمع حديث يحيي ويسجله علي الهاتف تسجيل صوتي...وعندما أنها يحيي تلك المكالمة، ابتعد بخفة ذلك الذي يتواري عن الأنظار ويتوعد ليحيي!
تدخل غرفتها وتغلقها عليها جيداً... ثم تدخل المرحاض التابع لغرفتها وتغلق بابه أيضاً جيداً.
ثم تجلس علي طرف حوض الإستحمام وتضع يدها علي قلبها المتسارع خفقاته، واليد الأخري تربت بها فوق بطنها المسطحة وغير ظاهر منها أي أثر للحمل...تتمتم بهدوء : متخافش ياحبيبي، ماما هتاخدلك حقك أنت وكل إلي ظلمهم... متخافش مش هتيجي علي الدنيا وتشوف الأب ده ولا حتي يلمسك.. أنت ابني أنا بس! لتنظر لهاتفها و تنظر لشاشته و تضغط زر إرسال لذلك التسجيل الصوتي وتتذكر حديث ذلك الشرطي " مدام هنا أنتِ واضح عليكِ أنك مش زيه... الشخص ده مجرم وأكيد هيوقع.. ساعدينا نمسكه و نلاقي دليل يدينه، مساعدتك ليا متعلق عليها حياة أشخاص أبرياء، ها قولتي ايه هتساعديني ؟... لتومأ هي له وعيناها تطلقان شرارات التحدي، فأخيراً ستنتقم لنفسها."
تدس الهاتف في جيب غلالتها بعد أن تأكدت من إرسال التسجيل الصوتي لمصطفي... لتقف بشموخ، وتنظر للمراءة المعلقة علي الحائط لعيناها التي مازالت تحمل الزعر داخلها.. لتبدلها بالإصرار والقوة.. فأنها لن تتراجع عن قرارها!

أما في منزل عم سعيد الصياد......
كانت زمردة انهت أرتدأ ملابسها بسرعة وتستعد للخروج وجسدها مازال يرتجف من الصدمة... تذهب لتلك الحقيبة الذي ابتاعها لها مصطفي ووضع بها مبلغ جيد من المال لتصرفها الشخصي، لتسحبها وتعلقها علي ذراعها وتذهب سريعاً، تقف عند باب المنزل وتدير رأسها للخلف تنظر لهذا المنزل الذي احتضنها وأصحابه الذين أهتموا بها جيداً.. لتتنهد بحزن وتفتح الباب وتذهب في طريقها!
تمشي خطوات قليلة وتتوقف تنظر حولها لا تعرف هل ستجد  سيارات أجرة في هذا الوقت المتأخر من الليل؟
أما في تلك السيارة السواء التي تصف أمام المنزل.. ينتبه أحد الرجلان لتلك الواقفة أمام المنزل تلتفت حولها... لينكز الأخر ويشير له برأسه اتجاه زمردة الحائرة وغافلة عن أي مأزق أوقعت نفسها فيه!
ليشير أحدهما للأخر بإشارات بيده معناها أنه سيحضرها والأخر سيراقب له الطريق ويعد السيارة ليضعوها بها!
ليفتح أحدهما باب السيارة بهدوء و يترجل منها بخفة دون أن يصدر أي صوت... ويسير نحوها ويلتفت حوله ولحسن حظه وسوء حظها أن الوقت متأخر ولا يوجد مارة في الطريق.
ليقترب منها كثيراً... ثم ينقض عليها ويكمم فمها بيده بقوة ويكتف يداها خلف ظهرها و يدفعها بجسده للأمام، تهمهم وتحاول أن تصرخ وتطلب النجدة لكن بدون فائدة!
عندما ابتعد قليلاً عن المنزل حملها علي أكتافه متجاهلاً ركلات قدمها و صراخاتها.
يدخلها للسيارة بصعوبة بعد عدة محاولات للفلات منهم لكن بدون فائدة، ليدخل الجميع للسيارة ويقودها أحدهما بسرعة... وينتهي الأمر ويعم الهدوء مجدداً ويبقي الطريق خالي إلا من حقيبتها الملقاة أمام المنزل!

كان الليل قد انتهي وضوء الشمس يظهر بإستحياء
في السيارة المختطف بها زمردة حمل أحد
الرجلان الهاتف و اجرى مكالمة مع يحيي.
الرجل : باشا.. الموضوع انتهي ياباشا والبت معانا، أطلع بيها علي فين دلوقت؟
يحيي : ممتاز.. اطلع بيها علي العنوان ده...... وأنا جيلكم هناك.
الرجل : ماشي ياباشا... هتروح هتلاقيها مشرفة هناك ومستنياك.
كانت تجلس وبجوارها ذلك الرجل الضخم، ينظر لها نظرات لم تستسيغها أبداً... تبكي وتبكي و الخوف قد تملك من قلبها المرتجف، ولسانها لم يتوقف عن  الدعاء أن ينقذها أحد.
أما عند يحيي فكانت هنا كعادتها تقف وتسجل  له حديثه وترسله لمصطفي!
تهم بالرحيل لكن يوقفها من يهتف بإسمها بغضب!! لتقبض علي الهاتف بيدها أكثر ثم تفكر سريعاً في أمراً ما و تتمني أن ينفع.
يحيي بغضب : أنتِ واقفة عندك بتعملي ايه؟
هنا تحاول أن تخفي زعرها وتتكلم بثبات : لا أبداً كنت نازلة أشرب ولقيت نور المكتب مفتوح فجيت اطمن واشوفك لو محتاج..آآآ..
قاطع استرسالها في الحديث تقدم يحيي السريع منها وسحبه لخصلات شعرها بقوة كاد أن يقتلعه بيده وهو يصرخ بها : واحدة زيك أنتِ بتحاول تخدعني؟؟.. بقي أخرة ما أتجوزتك و خليت ليكي قيمة بدل ما تتفضحي، بتتجسسي عليا!
هنا بجمود : أنا متجسستش عليك... أنا سمعتك بالصدفة وأنا معدية و كلامك لفت نظري.
يحيي بغضب : سمعتي ايه يا مدام جوبيني... سمعتي ايه بالضبط؟ أن أنا هقتل واحدة ست؟ ولا أن أنا حاولت أقتلها قبل كدة؟... ولا هتقدري تعملي حاجة، لأن محدش هيصدقك.. وأنتِ أجبن من أنك تتكلمي!
يلفت نظره هاتفها التي تقبض عليه بكفها بقوة.. ليتبادل النظرات بين كفها وبين عيناها، تتيقن أنها في مأزق لقد رأي الهاتف... ولو حصل عليه، سيعرف كل شئ!.. لا لن أسمح لك أيها المجرم لن تمس الهاتف ولن تفسد كل خططتي أبداً!
يحيي بهدوء بنبئ عن مدي غضبه ووجهه محمر وعيونه تطلق شرار خطر : أنتِ كنتِ بتعملي ايه بالتليفون إلي في أيدك ده؟
خائفة.. لقد أنتهيت، تتوسع عيناهابرعب وتقول....

انعكاس الماضي💜 (سمر خالد) مـكتــملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن