*أنت هتعلمها ولا هتجوزها *
هكذا نطق عم فاتن بحدة موجها حديثه لأخيه عبد الرحمن الذى قال مطمئنا أخاه :
متقلقش يا خويا فاتن عارفة أننا ماعندناش بنات بتكمل تعليمها لغاية الاعدادي وبس .
تهلل وجه عبد الجبار وقال برضى :
أيوة كدة البت ملهاش غير بيتها وجوزها والخلفة ولما يرجع أبني سالم بعد سنتين هنجوزهم علي طول عايزك بقه نقول لامها تعلمها أزاي تبقي ست بيت .
كانت فاتن تستمع لحديث والدها وعمها وقلبها يبكي دماء بدلا من الدموع كانت تريد أن تصرخ فيهما لما يحطمان مستقبلها هكذا ولكنها كانت ولازالت تتذكر ماذا حدث حين حاولت أختها الكبري أن تتحدث عن أمنيتها فى أكمال تعليمها فقد كان نصيبها جرح غائر فى جبهتها وتعجيل زواجها وحين حاولت والدتها أن تتوسل لأجلها تم كسر ضلعيها لأنها لم تحسن تربية إبنتها .
بعدما إنتهي والدها وعمها من جلسة تحديد مصيرها تلك نهضت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها وضعت سجادة الصلاة وشرعت فى الصلاة وأخذت تبكي وتبكي وهى تدعوا الله أن ينقذها ويرحمها مما هي فيه , وحين إنتهت من الصلاة كانت تشعر وكأن هموم العالم التى كانت جاثمة على صدرها قد إختفت بلا رجعة فخلدت إلى النوم وهى مرتاحة البال تعلم أن الله تعالي لن يتركها .
فى الصباح طرقت والدتها الباب فصاحت بها من الداخل وهى تقول :
اتفضلى يا أمي .
دخلت والدتها وهى قلقة , أغلقت الباب خلفها ثم إلتفتت لها وقالت بإرتباك :
عاملة أيه النهاردة يابنتي ؟
أجابتها بإبتسامة حزينة فشلت في كتمانها :
بخير يا ماما متقلقيش .
لمعت الدموع بعيني الأم وقالت :
سامحيني يا بنتى معرفتش أحميكي وأخليكي تكملي تعلمي...
قاطعتها فاتن وهى تمسك بكفي والدتها بحنان :
عارفة يا ماما عارفة , وعارفة أن بابا راجل كويس وأن مشكلته الوحيده طيبته الزايدة عن الحد دي .
نظرت لها والدتها وقالت بفخر حزين :
بالرغم من سنوات عمرك القليلة إلا أنك يا بنتى بتتكلمي زي الكبار .
ثم أمسكتها من كتفيها وقالت بثقة :
طول عمري كنت عارفة أنك مختلفة عن الكل يا فاتن عندك طموح دايما بشوفه في عينكي عندك أحلام رائعة جواكي بنت قوية تقدر تعمل المستحيل لعلشان كدة ......
ثم إزدرت ريقها ثم أكملت بصوت خافت :
إيه رأيك بأن تكملي تعليمك إنتساب وكده مش تهخالفي والدك وفى الوقت نفسه تكملي تعليمك !وبالفعل إنتسبت فاتن لأحدى المدارس الثانوية كانت تذهب فى أوقات الأمتحانات فقط , كانت أختها سمر تتحجج بإنها مريضة وبحاجة لفاتن لتمرضها و تجلس معها ومن هناك كان زوج أختها يصحبها للأمتحانات فقد كان طيب القلب حسن المعشر ولربما بسببه لم تندم أختها على عدم إكمال تعليمها , ومر العام الأول ونجحت فاتن فى الحصول على المرتبة الثانية على مستوى المحافظة كانت فرحة والدتها وأختها بها لا تصدق وصنعت لها أختها حفل صغير لا يضم سوى ثلاثتهم فقط وفجأة قالت أختها سمر :
لكن يا فاتن هتعملي أيه أنتي قدامك سنتين علشان تنهي الثانوية وأنتي عارفة أن عمك حدد فرحك علي سالم السنة الجاية !
أخذت نفسا عميقا ثم أخرجته ببطء وقالت لأختها بهدوء :
انا فكرت فى المشكلة دي وقررت أن أدرس السنتين مع بعض .
صاحت بها والدتها بدهشة :
هينفع ده يا بنتي ؟ مش صعب عليكي كدة ؟
إبتسمت فى وجه والدتها قائلة :
مافيش شئ فى العالم ده سهل يا أمى , لكن هعمل كل اللي بوسعي والباقى بيد الله وحده هو اللي هيقرر ما يشاء .
كانت والدتها تحاول قدر المستطاع أن تفرغ فاتن تماما للدراسة ولكن بالرغم من هذا كانت فاتن تدرس فى الليل فقط , لانها تظل مشغولة طوال اليوم فعمها كان يجعلها تقوم بأعمال بيته دائما بحجة تدريبها على أن تكون ربة بيت كانت فاتن تنظر إلى إبنة عمها الصغيرة وتحدث نفسها قائلة :
يا تري مصيرك هيكون زي ولا ساعتها هيكون فيه حاجة تانية ؟
مر العام سريعا وجاءت اللحظة الحاسمة وقت إعلان نتيجة الثانوية العامة كانت والدتها وأختها وزوجها يكاد قلبهم يتوقف من القلق عادت فاتن والدموع تملأ عينيها ولم تقوى على رفع بصرها نحوهم أسقط بين يدى الأم ولكنها حاولت رسم الإبتسامة على وجها وقالت لها وهى تقترب منها :
ولا يهمك يا حبيبتي المهم انك عملتي الله عليكي ومستسلمتيش يا عمري .
إنهالت الدموع من عيني سمر وهى تقول :
أيوة يا فاتن متزعليش يا قلبي .
رفعت فاتن عينيها وقالت من بين دموعها :
أمى ! انا العاشرة علي الجمهورية انا مش مصدقة ؟
جحظت عينى والدتها وهى تصرخ غير مصدقة :
ايه ؟ قلتي ايه يا فاتن ِ؟
أعادت كلماتها بفرحة أكبر فعانقتها والدتها وهى تردد :
الحمد لله , الحمد لله .
إنطلقت إختها بالأغاريد ولكنها لم تكملها فلقد كان والدهم على الباب ينظر لهم والشرر يتطاير من عينيه وقبل أن يقول شيئ أقتربت منه فاتن وهى تقول ودموعها كالسيل المنهمر :
بابا , بص شوف دي هى شهادتى الثانوية بنتك اخدت المركز العاشر انا حققت حلمي يا بابا وبدون ما اخالف كلمتك أبدا , أرجوك يابابا ما تقتلش فرحتي ....
مسحت دموعها وهي تشهق واكملت :
عارف حلمي ايه أني أكون دكتورة أو مخترعة عايزاك ديما تفتخر بيا لما الناس تشاور عليا وتقول دي بنت الحاج عبدالرحمن , عايزة اكون متعلمة ومثقفة عايزة أصنع لنفسى مستقبل افضل من اللي غيري حدده ليا , فاكر يا بابا يوم ما وقعت من السلم مين اللي شالني وجري بيا علي المستشفي
أمسكت يديه وهي تقول وانهار دموعها لازالت ساقطة :
لسه لحد دلوقت حاسة بسخونت دموعك علي وشي لما الدكتور قالك ان رجلي ممكن تتبتر انته اللي ضمتني لحضنك بحنان مش حد تاني وشيلتني وودتني لمستشفي تانية ودلوقت انا بخير علشان انت مسمحتش لقرار غلط يدمر مستقبلي وحياتي , ارجوك يا بابا متسمحش تاني لقرار يدمر حياتي اكتر من بتر رجليانته اكيد تعرف ان اول ما نزل من القرءان هو إقرأ ايه اللي يمنع اني أكون ربة بيت كويسة وبالوقت ذاته متعلمة ايه الضرر يابابا قولي ايه الضرر .
كانت تتفرس فى وجه والدها وهى تحدثه كانت تعلم ان والدها رجل طيب لذا وافقت كلماتها أبواب قلبه فلانت ملامحه وما أن هم ليفته فمه حتى دخل عمها كالإعصار الهائج وما أن وقع بصره عليها حتى لطمها بقوة فطارت لتسقط ارضا والدماء تسيل من فمها وما أن هم ليهجم عليها ويضربها ثانية حتى وقف أمامه سعيد ليحول بينهما فصرخ به وقال بغضب :
إبعد من قدامى يا سعيد الكلبة دي محتاجة تربية ازاي تتجرأ على عصيان كلامي لازم أأدبها !
وقفت فاتن و قالت بثبات :
أنت ليه منفعل كدا يا عمي قولي ايه اللي مخوفك من اكمال تعليمي , ها ؟
نظر لها والشرر يتطاير من عينيه وصاح بها :
انتي بنت عديمة الأدب ىازاي تكلميني كدة ؟
لاحت إبتسامة ساخرة على شفتيها وقالت وهى تمسح خيط الدماء من على فمها :
يا عمي واضح كدة انك محرج تقول سببك الخاص وعايز تحتفظ بيه بس انا هساعدك وهقولهم ليه !
ثم استدارت لوالدها وقالت :
عمي قرر يجوزني انا واختي باولاده سعيد وسالم مش علشان خوفه علي بنات العيلة وان ولاد عمهم الاولي بيهم لانهم هيحافظوا علي لحمهم ودمهم لا يا بابا زي ما فهمك لا عمي عمل كدة علشان الورث الارض والاملاك ما تتطلع بره العيلة اوالاصح جيبه , وعلشان اولاده فشلوا في التعليم فخاف لو احنا اتعلمنا نرفضهم فاستغل طيبة قلبك يا بابا وخلاك تمنعنا من اكمال دراستنا .
ثم نظرت لعيني عها وقالت بجسارة لم تتخيل انها قد تتحصلها ابدا :
مش كدة يا عمي , بالرغم من صغر سني يا عمي إلا ان انا شاطرة جدا في قراءة ما بين السطور زي ما بيقولوا .لو كان الغضب كالبركان إذن لكان عمها عبد الجبار ذلك البركان الذى سياكل أمامه الأخضر واليابس كان وجهه يثبت صحة حديثها كان الجميع فى حالة ذهول مما قالته فاتن وبالأخص والدها والذى كان وكأنه لأول مرة يرى الامور من هذا المنظور فرفع بصره إلى أخيه وقال له بوجم :
حقيقي يا عبدالجبار اللي بتقوله فاتن ده ؟
نظر له أخيه ووجه محتقن يكاد ينفجر منه الدم وقال بهدوء غاضب :
إسمع ياعبدالرحمن سالم إبنى هيرجع بعد عشرة أيام جهز إبنتك وإلا واللي خلق الخلق لا أنت أخويا ولا أنا أخوك ومش هتطول منى أى شيئ وهرميك بره البيت وده ...
ثم إلتفت إلى فاتن وقال بشماتة :
كلامي الأخير .جلست سمر أمام أختها فاتن بعدما ساعدتها فى إرتداء فستان الزفاف والدموع تنهمر على خد تلك الاخيرة فصاحت بها أختها سمر مؤنبة :
لحد امتي يا فاتن وشك اللي بنات البلد كلها بتحسدك علي بقه دبلان وشاحب وعيونك الجميلة بقت ميتة بعد ما كانت كلها حيوية .
لم تجبها بشيئ وسمعتا طرقات على الباب وصوت أخيهم يقول بصوت صارم :
يلا استعجلوا المأذون تحت عندكم خمس دقائق .
فصاحت سمر بفاتن وهى تقول بتأفف :
انتي لسه مصممة متحطيش حاجة في وشك ؟
وقفت فاتن وقالت بأسى :
ايوة مالوش لزوم .
طرق سالم باب الغرفة هذه المرة وهو يقول بنفاد صبر :
يلا أتأخرتم ليه ؟
فتحت سمر الباب وقالت بإبتسامة باهتة :
خلاص خلصنا .
نظر سالم خلفها لتقع عيناه على فاتن التى لطالما حلم بإمتلاكها ها هى أخير تصبح زوجته نظر إلى عينيها الخضراوين التى فتنته بها أمسك يديها فجفلت منه وأرادت أن تسحبها ولكنه أمسكها بإحكام وقال بزهو :
وأخيرا يا فاتن بقيتي ملكي .
أشاحت بعيدا عنه وقالت بإنكسار :
أنا مش ملك لحد يا سالم .
مال عليها وقال بسخرية :
هنشوف الكلام ده الليلة يا جميل .
وضعت يديها على فمها وقالت بصدمة :
أيه الريحة دي يا سالم ؟ أنته بتشرب ؟
وقف مستقيما وقال لها بلامبالاة :
مش كتير حاجة كدة تفاريح مع صحابي .
نزعت يديها منه بقوة وصاحت به قائلة بغضب :
وأنا مش هجوز من شارب خمر سمعتني .
وإستدارت لتعود إلى غرفتها ولكنه أمسكها من رأسها بقوة وهمس لها كفحيح الأفعى قائلا :
يلا يا بنت عمي الكل مستنينا تحت وبحذرك لو عملتي اي حاجة ابوك المسكين اللي هيتحمل ده فهمة يا قطة , قدامي يا عروسة .وإنطلقت النساء بالزغاريد كانت فاتن ترى الابتسامة فى وجوه الجميع وتسائلت ترى أهى وحدها من يبكى قلبها حسرتها , تنبهت على صوت ينادى عليها قائلا....
.......
نكمل غدا بإذن الله 😊😊
اكتبوا ارائكم وتوقعاتكم لرد فعل فاتن؟
وقولولي رأيكم ايه في الشخصيات ؟
أنت تقرأ
الارغو (ورست سفينتي)
Romanceتحطمت احلامها حين ارغمت علي ترك تعليمها و الزواج من ابن عمها بعد محاولة اغتصابها ولم يكن ذلك سوي بوابة الولوج للجحيم حتي ظهر هو في حياتها بغروره وكبرياءه لتعلم ما هو الشعور بالامان ولاول مرة ينبض قلبها باسم الحب......تري هل سيسمح لقلبه بحبها ام سيك...