حكاية وسط ناو *5*

217 16 0
                                    

"الحقيني يا رحمة، أنا بموت"

عقلي مكانش قادر يستوعب اللي قريته، لمُدّة دقيقة كُنت في حالة من الإنكار، مكُنتش مصدّقة إن ده بيحصل فعلًا، وبعدين فُقت على الواقع، إن تيتة تعبانة، وإنّي سبتها تعبانة طول الوقت ده، جبت رقمها بسُرعة وأنا بجري في الشارع، كلمتها في نفس الوقت اللي كُنت بدوّر فيه على أي تاكسي أو مواصلة، مكانتش بترُد، ومكُنتش لاقية حاجة أركبها، يا تيتة، يا تيتة والنبي رُدّي، يارب! مرة في التانية في التالتة، مافيش رد، كلّمت الإسعاف وادّيتهم العنوان، قُلت لهم لو رُحتوا وملقيتونيش صحّوا البوّاب وخلّيه يكسر الباب، قفلت وفضلت أجري، بدوّر على أي حاجة أركبها، لحد ما لمحت تاكسي من بعيد، شاورت له، بس السوّاق مرضيش يُقف، عيني جت في عينه وهو بيعدّي من جنبي، وشُفت النظرة اللي بص لي بيها، ابتديت أعيّط، فكّرت أكلم "نورهان"، كلمتها فعلًا ومردّتش عليّا، كلّمت "علي"، مردّش هو كمان، فضلت أتحرك على الطريق وأنا شايفة كام واحد ماشيين على الرصيف التاني وبيبصوا لي بقرف، لحد ما لمحت تاكسي تاني جاي، كُنت لسّه هشاور له، بس اكتشفت إنّه مش تاكسي، كانت عربية عادية، وكانت بتهدّي، اتخضّيت أول ما العربية وقفت جنبي، ولقيت اللي راكب فيها بيقول لي "واقف لوحدك ليه يا جميل؟!"، مردّتش واتحرّكت بعيد عنّه، فضل يمشي جنبي بالعربية، "إيه ده! مين اللي قطّع لِك هدومِك كده؟! الزبون اتغاشم ولا إيه؟!"، دموعي بتنزل غصب عنّي، بدعي في سرّي وبقول يارب، يارب انجدني، "طب تعالي بس، مينفعش تمشي في البرد ده كده، متقاوحيش بقى أنا خُلقي ضيّق!"، فجأة لقيته بيكسر عليّا، قلبي وقع في رجليا، كُنت حاسّة إنّي مش قادرة أقُف وإنّي هنهار في أي لحظة أول ما شُفته بيفتح باب عربيته وبينزل منها، فجأة، سمعت صوت غليظ جاي من ورايا بيقول:

-"واقف هنا ليه يبني الساعة دي، عاوز حاجة؟!"

لفّيت ناحية مصدر الصوت، شُفت راجل كبير قرّب من الستين، ملامحه جامدة ودقنه بيضا وطويلة، لابس جلابية وشال كبير، وماسِك في إيده سبحة، وبيتحرك ناحيتي بخُطوات ثابتة من غير أي خوف..

-"إنت مالك إنت يا عم؟!"
-"وطّي صوتك، الناس نايمة، شايف العمارة اللي في وشّك دي؟! أيوة اللي جنب الجامع، شايف بقى الحراسة اللي قُدّامها؟! أصل العمارة دي ساكن فيها مُساعد مُدير الأمن بنفسه، ف إنت لو صوتك عِلي، مش بعيد مُدير الأمن ينزعج ويصحى، وينزل يشوف في إيه، وساعتها بقى...."

مسابوش يكمّل، بصّيت لقيته بيركب عربيته فجأة، وبيجري بيها بسُرعة البرق، استريحت للحظة، ولفيت عشان أواجه عم الشيخ اللي أنقذني، لقيته بيتحرك ناحيتي لحد ما وقف قُدّامي وبص لي بنظرة ماليانة أسى وحُزن على حالي، كُنت عايزة أشكره بس مقدرتش أنطق، لقيته بينزل الشال من على كتفه، وبيغطيني بيه بالراحة، وبعدين شاور على الجامع وقال لي:

-"تعالي يا بنتي، الفجر هيأذن كمان شوية وفي مُصلى سيدات جوّه، مُمكن تصلي وتُقعدي في الجامع شوية لحد ما الصُبح يطلع و...."

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن