جميلة و عُمر 3

193 10 0
                                    

-عدّت سنة، نجحت ف الكُليّة بأعجوبة واتخرجت أخيرًا، قدّمت ف شُغل جديد وبدأت من الصفر، بقيت بخرج مع صحابي كُل فترة زي زمان، كُل حاجة رجعت زي الأول، ماعدا حاجة واحدة، "جميلة"، من ساعة ما سابتني ف الكافيه من سنة وأنا معرفش عنها حاجة، مشوفتهاش ولا مرة، منعت نفسي كتير من إنّي أمسك التليفون وأكلمها، لإن هيّ اللي سابتني مش أنا، هيّ اللي جرحتني، بس بالرغم من كُل ده كانت لسّة بتوحشني، لسّة مش عارف أشوف بنت تانية غيرها..
المُهم..
كُنت رايح مشوار ف أكتوبر ف رُحت أركب ميكروباص من موقف ميدان لبنان، قعدت ف آخر كنبة ورا خالص جنب الشباك، كان في راجل كبير قاعد جنب الشباك التاني وساند راسه عليه، فضلت قاعد مستني الميكروباص يحمّل، سامع صوت السواق وهو بيقول "أكتوبر حُصري أكتوبر أكتوبر"، شوية وسرحت مع نفسي، وافتكرتها، افتكرت الصُدفة اللي جمعتنا ببعض أول مرة على كوبري قصر النيل، افتكرت اللحظات الحلوة اللي جمعتنا بعدها، جمال الحُب ف البدايات، اعتياد الرفقة ف المنتصف، والهجر والوداع وقت الفراق، لو بس أقدر أشوفها تاني، لو بس الصُدفة دي تتكرر وأشوف ملامحها مرة كمان، مرة واحدة بس..
فجأة لقيت السواق بيقولي "والنبي خُش جنب الحاج كده يا هندسة عشان الآنسة تُقعد ع الحرف"
ببص ع الباب لقيت "جميلة" قُدّامي..!

-معرفش الوقت عدّي ازاي بعد ما سبت "عُمر"، بقيت ساكتة طول الوقت، غريبة عن أهلي وصُحابي، اهتمامي بشكلي قلّ، وأدائي ف الشُغل بقى ف النازل، كُل مادا كُنت بحس إنّي بقيت أسوأ، قادرة أعيش آه، الحياة مبتقفش على حد، بس يا فرحتي لمّا أبقى عايشة ومش عايشة على رأي عمرو دياب، فعلًا مش قادرة على بُعده، الحياة ماشية فعلًا بس بالتصوير البطئ، ملل وفتور وكآبة، بيوحشني، وبتمنى أشوفه ولو مرة واحدة عشان أطمّن عليه، يمكن لو قابلته أقدر أقوله هو واحشني قد إيه..
المُهم..
واحدة صاحبتي ف الشُغل دبستني أروح فرع الشغل ف أكتوبر بدالها عشان أخلّصلها شوية حاجات هناك، مكانش معايا فلوس تكمّل عشان أركب تاكسي ف رُحت موقف ميدان لبنان بتاع الميكروباصات، افتكرته لمّا كان بيقعد جنبي ف الميكروباص ومشاويرنا سوا، أيام عُمرها ما هترجع، دلوقتي أنا مُضطرة أعمل كُل حاجة من غير ما يكون معايا، لقيت سواق بيشاورلي وقالي "تعالي يا آنسة واحد حُصري؟!"، هزّيت دماغي ف شاورلي عشان أركب ووجّه كلامه للولد اللي راكب ورا وقاله "والنبي خُش جنب الحاج كده يا هندسة عشان الآنسة تُقعد ع الحرف"، ببص قبل ما أركب لقيت "عُمر" ف وشي..

-"جميلة"، "جميلة" واقفة قُدّامي دلوقتي حالًا، محتارة مش عارفة تركب وتُقعد جنبي ولا لأ، السواق قالها "يلّا يا آنسة هتركبي ولا إيه عايزين نتحرك"، وقفت ثانيتين كمان وبعدين ركبت، وقعدت جنبي، صمت، وصدمة، قلبي فضل يدق ووشّي احّمر وعرقت جامد، مدّيت إيدي ف جيبي عشان أطلّع منديل ف خبطت بكوعي ف دراعها من غير ما أقصد، غبي! هتفتكر إني قاصد أعمل كده عشان أفتح معاها كلام! بصيتلها عشان أعتذر لقيتها باصّة ناحية الشباك ومتهزتش، غصب عنّي فضلت مركز معاها، شعرها، انعكاس ملامحها على إزاز الشباك، اتغيّرت، بس مش كتير، أكيد لسّة "جميلة" زي ما هيّ..
طلعت الأجرة وخدت من الحاج اللي قاعد جنبي أجرته، استنيتها تدّيني هيّ كمان أجرتها بس معملتش كده، ف ادّيت اللي قُدّامي وقُلتله "اتنين لو سمحت"، ساعتها بس مدّت إيدها ف شنطتها وطلعت الأجرة وسلمتها للي قُدّامها، ورجعت تبص من الشباك تاني..

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن