حكاية 31

153 10 0
                                    

بيقولوا إن أحلى نفس ف السيجارة هو النفس الأخير، سحبه وطوّل فيه لحد ما حرق الفلتر وشفايفه اتلسعت، وخرّجه بهدوء، وكأن ده كفيل إنّه يهدّي أعصابه المشدودة، نادى ع الجرسون وطلب منه فنجان قهوة مظبوط، مع إنّه لسّه مخلص واحد حالًا، ومهتمش لكلام دكتور القلب بتاعه إن القهوة الكتير خطر عليه، فضل يراقب عقرب الثواني ف ساعته لحد ما لمحها طالعة من الحمّام، اعتدل ف جلسته، وقابلها بابتسامة مُتوترة..

-"آسفة إنّي اتأخرت عليك بس الحمّام كان مشغول، كُنّا بنقول إيه؟!"
="كُنتي بتحكيلي عن مروان، وإنّه اعترفلك بحُبه امبارح ومعرفتيش تُردّي تقولي إيه.."
-"آه تمام، بُص يا نادر، مروان شخص كويس جدًا، عظيم، بيعرف يجيب القرش من الهوا وبيقدر يخلّص صفقات مُستحيلة بمُكالمة تليفون، غير كده بيعرف يسأل ويهتم، وبيقدّر جدًا، يعني من الآخر عريس لُقطة وميترفضش، بس..."

راقب حواجبها المضمومة وعينيها اللي بتلف وتدور، مع صوت طرقعة صوابعها اللي بيعشقه، وفهم إنّها محتارة، ومستنية منه رد..

="بس حاسّة إن في حاجة ناقصة مش كده؟! ندى، مُشكلتنا إن الأفلام والروايات بوظّت طريقة تفكيرنا ف المواضيع دي، بقينا بنُحط لكُل حاجة كتالوج وقواعد، بنفضل ندوّر على حاجة كبيرة وعظيمة ومش عارفين هيّ إيه، في حين إن الموضوع على قد ماهو مُعقد ولكنّه بسيط، الفكرة كُلها ف الكهربا، إحساس الرعشة السارية ف جسمك لمّا تشوفيه، لمعة العين، قبضة القلب لما تخافي عليه، الإهتمام يا ندى، الإهتمام بأصغر التفاصيل اللي هو نفسه مُمكن مياخدش باله منها، زيّ، زيّ...."

ف اللحظة دي قاطعهم الجرسون وحطّ فنجان القهوة قُدامه، ومشي..

-"إيه ده يا نادر؟! قهوة تاني؟! إنت نسيت كلام الدكتور ولا إيه؟! نادر أرجوك أنا مش حمل إنّك تُقع منّي زيّ المرة اللي فاتت، أنا هنده الجرسون ييجي يشيلها وهات أي حاجة تانية بدالها"

ابتسم غصب عنّه، فضل باصصلها شوية وهو فرحان بنظرة القلق والخوف اللي ف عينيها، بعدين شرب من القهوة وولّع سيجارة..

="التفاصيل دي هيّ اللي بتحسسنا إننا عايشين، إن مهما عدّى وقت هنفضل نحب بعض ونخاف على بعض، ونكون موجودين، العلاقة اللي مُمكن تكمّل لسنين ويفضل فيها نفس الشغف بتاع أوّل مرة، نفس الفرحة بهدية حلوة، ونفس دقّة القلب بعد كلمة آسف ف خناقة كبيرة، زيّ إن برغم الضغوط والشُغل والمشاكل لمّا تحتاجني أكون موجود، وأنزل أقابلها، وأسمع اللي عايزه تقوله باهتمام.."

خدّ نفس من سيجارته وكمّل شُرب قهوته، ولاحظ البلاهة ف عينيها، كالعادة، نظرة أيوة يعني أعمل إيه..

="مروان شخص ناجح، مفيش شك ف كده، هيعيشك ف المُستوى اللي نفسك فيه ومش هيحرمك من حاجة، بس مدام إنتِ بتفكري ومحتارة وخايفة تاخدي الخطوة يبقى اللي جواكي من ناحيته مش كافي، ومش معنى إن الشخص اللي يحسسك بكُل ده اتأخر إنّه مش جاي، الحاجة الحلوة بتيجي بعد وقت وصبر وتعب، وتركيز.."
-"ماشي يا نادر بس أنا تعبت، بجد تعبت، أنا نفسي ف حد يحتويني ويحبني، وأحس معاه بكُل اللي انت قُلته ده، أحبّه بجد ومحسش إنّي لوحدي لإني تعبت من كُتر ما أنا لوحدي، أنا تقريبًا مفيش ف حياتي حد غيرك، أو أنا اللي مش قابلة حد غيرك، إنت أوّل واحد بيهتم وبيسأل وبيحاول يساعدني ودايمًا موجود، ومفيش مرة احتاجتك فيها إلّا لما لقيتك، لو بس ألاقي حد زيّك، أنا فعلًا مستغربة إنّك مرتبطتش لسّة لحد د.....!!"

فجأة، حسّت بالرعشة سايرة ف جسمها كُلّه، واللمعة ف عينيها ابتدت تبان، وقلبها اتقبض بقوة، وكأن، وكأن دي أوّل مرة تحس ف حياتها إنّها بتحب..
فجأة، ضربات قلبه زادت، مكانش عارف ده بسبب القهوة ولّا بسبب إنّه حس إنّها أخيرًا فهمت، بلع ريقه وكتم أنفاسه، وفضل مُترقب اللحظة اللي فضل سنين يتخيلها ويحلم بيها، بس عُمره ما توقع إنّها هتيجي، أو هتبقى بالقوة دي..

-"نادر.....نادر هو إنت.......؟!!!"

بيقولوا إن أحلى نفس ف السيجارة هو النفس الأخير، سحبه وطوّل فيه لحد ما حرق الفلتر وشفايفه اتلسعت، وخرّجه بهدوء، وبعدين بصّلها وقالها..

="أيوة يا ندى أنا بحبّك.."

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن