حكاية 27

154 9 0
                                    

طلع ع المسرح بخطوات تقيلة، ماسك المايك ف إيد، وف الإيد التانية ورقة مقطوعة لنُصّين، فضل يتحرك لحد ما وقف ف نُص المسرح بالظبط، والضوء جه على وشّه، عينيه كانت تايهة، وشفايفه كانت بتترعش، الكُل ف المسرح كان ساكت ومستنيه يتكلم، خد نفس عميق، غمّض عينيه، وبعدين فتّحهم وبص للجمهور، وابتسم، ابتسامة هادية، ورفع الورقة اللي ف إيده عشان الناس تشوفها، وبعدين رفع المايك لحد بُقّه، وابتدى يتكلم..

-"عارفين دي إيه؟! دي تذكرة، تذكرة حفلة موسيقية لفريق مسار إجباري، عملوها من سنة زيّ النهارده، مقسومة نُصّين زيّ ما انتوا شايفين، أصل الراجل اللي ع الباب بيقطع التذاكر وانت داخل عشان متستخدمهاش تاني، هيّ مرة واحدة بس، هيّ فُرصة واحدة بس، اليوم ده كان أهم يوم ف حياتي، وأنا جاي النهارده عشان أحكيلكم عنّه، بس خلّوني أبدأ الحكاية من الأول..

اسمي سامر، سامر صفي الدين، أنتمي لأسرة متوسطة الحال، عندي أخت واحدة أصغر منّي، اسمها سلمى، والدتي ست بيت، تشبه لأي أم مصرية، وأخيرًا والدي، الحاج صفي الدين المنياوي، راجل صعيدي صِرف، دماغه ناشفة بس طيّب، عصبي جدًا بس قلبه أبيض، من يوم ما وعيت ع الدُنيا وهو بيشتغل مُفتش ف مصلحة الضرايب، ويمكن شُغله ده هو اللي جابله العصبي، أبويا حريقة سجاير، بيشرب ف اليوم من علبتين لعلبتين ونُص، سجاير كليوباترا المعفّنة دي، وبصراحة ربنا، أنا عُمري ما بينتله إنّي بحبّه، أصله معلمنيش أحبّه، علّمني أهابه، أخاف منّه، وأنا صُغيّر كُنت لمّا أغلط غلطة ولا أكسر حاجة كان يكسر بدالها دراعي أو رجلي، كُنت لمّا أتأخر ف المدرسة شوية وأرجع ويلاقي البنطلون متوسخ، يفهم إنّي كُنت بلعب ف الشارع بعد المدرسة، ويدّيني العلقة التمام، الغريبة، إنّه بعد كُل علقة بساعة أو ساعتين كان بييجي لحد عندي ف أوضتي ويصالحني، وألاقيه تاني يوم جايبلي هديّة، أبويا كان شخص غريب، كان دايمًا على لسانه جُملة واحدة بيقولهالي، أنا عايزك تطلع راجل، أنا مش عايشلكوا طول العُمر، بس عُمري ما قدرت أفهم بطريقته دي، كان عاوزني أطلع راجل إزاي؟!

الملجأ والملاذ الوحيد من مُعاملة أبويا القاسية ليّا كان صُحابي، صُحابي اللي اتربيت معاهم وعشت معاهم أجمل ذكريات عُمري، من الحضانة لحد ثانوي، كُنّا بنزوّغ من الدروس سوا ونروح نلعب كورة أو بلاي ستيشن، ويوم ما حبّينا حبّينا من نفس مدرسة البنات اللي كُنّا بنعدّي عليها واحنا مروّحين، وكُنّا بنُقعد نحكي لبعض على مُغامراتنا معاهم، اللي كان بيخطف حُضن ع الكورنيش، واللي كان بيخطف بوسة ف السينما، أنا الوحيد اللي كُنت بخاف أعمل أي حاجة من دي، كُنت دايمًا بتخيّل إن أبويا هيشوفني وأنا بحضنها أو ببوسها، وساعتها مُمكن يدفني حيّ، أبويا علمني الخوف، والخوف بيعلّم التمرّد"..

مد إيده ف جيبه وطلّع علبة سجاير وولاعة، خرّج سيجارة من العلبة وحطّها ف بُقّه، وولعها، وسط دهشة كُل اللي كانوا قاعدين ف المسرح، والمُنظّمين اللي ورا المسرح، لإن شُرب السجاير ع المسرح ممنوع، سحب نفس طويل من السيجارة، وخرّجه بهدوء، وبعدين كمّل كلام..

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن