حكاية 29

161 15 0
                                    

وقت الغروب بيكون مُختلف ع البحر، قُرص الشمس الدافي وهو بيستخبّى ورا المايّة، نسيم البحر المُنعش، أصوات الأمواج وهي بتنكسر ع الشط، ملمس الرملة الساقعة ورجلينا بتغوص جُوّاها، وملمس إيدِك الناعمة، اللي هتفضل مصدر الأمان الأهم بالنسبالي طول ما أنا عايش، كُنّا قاعدين على كُرسيين خشب على شط البحر بالظبط، والمايّة يدوب بتلمس رجلينا وبترجع للبحر من تاني، مشبّكين إيدينا زيّ العُشّاق، وراسِك مسنودة على كتفي، وبنفكر، بنفكر واحنا بنتفرج ع الغروب، وبنفتكر كُل حاجة قدرت توصلنا هنا بعد كُل السنين دي، وكُل التعب اللي شُفناه سوا، كُنّا بنسأل نفسنا، ياترى حُبّنا بعد ده كُلّه هيفضل مكمّل؟! ياترى حُبّنا، هيقدر يعيش؟!..

-"أنا آسف يبني، ظروفك متناسبناش"
="يا عمّى أنا بحب داليا، وهيّ كمان بتحبّني، وأنا مُتأكد إننا مع بعض هنقدر نساعد بعض والظروف تبقى أحســـ .."
-"أنا قُلت اللي عندي يا أستاذ وليد، بنتي مش أقل من بنات الناس عشان تتخطب بدبلة فضّة وتتجوّز ف شقّة إيجار، مش قد الجواز متتجوزش يا أخي، اتفضل من غير مطرود"
-"بس يا عمّي.."
="المُقابلة انتهت، مع السلامة"

فضلت واقف قُدّام باب الشقة نُص ساعة بحالها، ماسك بوكيه الورد ف إيد وعلبة الشيكولاتة ف الإيد التانية، مكُنتش قادر أصدّق ولا أستوعب اللي حصل، نزلت ع السلّم بخطوات تقيلة، خرجت من باب العمارة وبصّيت ناحية بلكونتِك، لقيتِك واقفة وبتبصّيلي، كُنتِ لابسة فُستان جميل، بس مكانش لايق أبدًا على دموعِك اللي كانت نازلة على خدّك وانتِ بصّالي، نظرتِك كان فيها شئ من القوّة والتحديّ، كُنتِ بتهزّي دماغِك وكأنّك عايزة تقوليلي اوعى تستسلم، اوعى تتخلى عنّي حتّى بعد اللي حصل، ف اللحظة دي، لقيت مامتِك داخلة البلكونة وبتسحبِك من إيدِك بُسرعة، بصّتلي بصّة مليانة غضب، ودخلت وقفلت البلكونة وراها، وكأنّها بتبني بيني وبينِك سور عالي مقدرش أتجاوزه، نزلت من عيني دمعة ومسمحتش لعيني تدمّع تاني بعدها، كُنت مجروح، بس كُنت غضبان أكتر، واحساس الغضب ده اترجم جُوايا لجُملة واحدة بس ردّيت بيها عليكي، "مش هستسلم، مش هتخلّى عنّك مهما حصل"

-"مبروك يا وليد، ألف مبروك، ياريت متكونش زعلان إنّي رفضتك من سنتين، كُل أب ف الدُنيا بيبقى نفسه يشوف بنته فرحانة وسعيدة، وأنا اكتشفت إن داليا عُمرها ما هتبقى سعيدة إلا وهيّ معاك"

ابتسمت ومعلّقتش، طبعًا عُمره ما كان هيقول كده ولا كان هيوافق أصلًا من غير الشقة التمليك والشبكة الغالية والفرح الفخم ده، راقبته وهو بيسلّم ع المعازيم وبيتفاخر بعريس بنته قُدّامهم، هو ميفرقش معاه أنا تعبت قد إيه عشان خاطر أجيب ده كُلّه، ميهموش يعرف إنّي اتخلّيت عن موهبتي وحلمي وشغف الكتابة، واشتغلت ف مجال بعيد عن ميولي، وإنّي كُنت بشتغل شُغلانتين وتلاتة وبحرم نفسي من الأكل ساعات عشان أقدر أوفّيله طلباته، افتكرت قد إيه كُنت باجي على نفسي وعلى راحتي لدرجة إنّي أوقات أعصابي كانت بتتعب، وكُنت بحس إن رجلي حرفيًا مش شايلاني، افتكرت أهلي وصُحابي وهُمّا بيقولولي يبني حرام عليك نفسك، مفيش حد يستاهل تعمل ف نفسك كده علشانه، وافتكرت إنّي كُل ما كُنت بضعف أو بحس إنّي خلاص هستسلم، كُنت بفتكرك، وبفتكر وعدي ليكي إنّي مش هستسلم، ومش هتخلّى عنّك، افتكرت كُل التعب اللي تعبته عشانك، وفجأة، شُفتِك جايّة عليّا، بفُستانِك الأبيض، بعينيكي اللي كانت بتلمع من كُتر الفرحة، بابتسامتِك اللي خطفت قلبي، وبمُجرد ما شُفتِك، حسّيت إن كُل التعب اللي تعبته ده ميجيش حاجة قُدّام اللحظة دي، اللحظة اللي بقيتي فيها حلالي، أعصاب رجلي كانت تعبانة بس اتحاملت على نفسي لحد ما كتبنا الكتاب، ورقصنا مع بعض، وف اللحظة اللي كُنّا بنُرقص ونهيّص فيها مع صُحابنا، لقيت نفسي بقع منكم ع الأرض، ومش قادر أقوم..

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن