حكاية 28 ،، كريم و أميرة *1*

198 7 0
                                    

"معلش يا حبيبي هتأخر ف الشُغل شوية النهارده، اتعشّى انت وأنا هبقى أكُل أي حاجة لمّا أرجع، يلّا، أشوفك بعدين"

قرأت الرسالة مرة واتنين وتلاتة وأنا قاعد على ترابيزة السُفرة، واتنهدت بنفاد صبر، كان بقالي نُص ساعة قاعد ف مكاني، عيني على ساعة الحيطة، براقب عقرب الثواني برتابة وملل، وبسمع دقّاته كُل ثانية والتانية، وأنا مستنّيها، مستنّي أسمع صوت تكّة مُفتاحها، وهيّ بتفتح باب البيت، مستنّي أشوفها قُدّامي بعد يوم عمل طويل وشاق ليّا وليها، زمان كُنت بقولّها إن تعب اليوم كُلّه كان بيروح بمُجرد ما بلمح ابتسامتها ف آخر اليوم، ابتسامتها كان دايمًا ليها أثر السحر عليا، بس دلوقتي مبقتش بحس بسحرها، لإن الابتسامة مبقتش بتيجي ف وقتها، بقت بتتأخر، بتتأخر كتير..

-"أحضرلك العَشا يا كريم بيه؟!"

فُقت من شرودي على صوت "أم محمد"، الطبّاخة بتاعتنا، الست الطيّبة اللي ملامحها دايمًا بتفكّرني بأمّي الله يرحمها، ابتسمتلها غصب عنّي وقُلتلها:

-"لا يا أم محمد كتّر خيرِك، روّحي انتِ عشان متتأخريش على جوزِك وعيالِك"
-"هيّ أميرة هانم هتتأخر النهارده برضو؟!"

سكت لحظة، هزّيت راسي وبعدين قُلت:

-"أيوة، عندها شُغل كتير النهارده، ابقي سيبيلها أي حاجة تاكُلها لمّا ترجع"
-"ربنا يهوّن عليك يبني"

استغربت ردّها جدًا، بصّتلها لقيتها بتبتسملي ابتسامة عطوفة، ابتسامة أم، مزوّدتش كلمة تانية وسابتني ومشيت، وقفت للحظة، كُنت بفكّر ف جُملتها، وبحاول أفهم هيّ تُقصد إيه، وإزّاي قدرت تفهم إنّي مهموم، معقول باين عليّا للدرجادي؟! اتحرّكت ناحية أوضة النوم، هدّيت الإضاءة ورميت نفسي ع السرير، دفنت وشّي ف المخدّة للحظات، كُنت تعبان ومُنهك جدًا، بس تعبي النفسي كان أكبر بكتير من التعب البدني، دماغي كانت هتفرقع من التفكير، عدلت جسمي ومدّيت إيدي ناحية الكومودينو عشان أخُد حبّاية للصُداع، ف اللحظة اللي عيني جت فيها على صورة جوازنا أنا و"أميرة"، ضوء الأباجورة كان مخلّي ملامحي ظاهرة وواضحة، بس انعكاس الظل خبّى ملامح "أميرة"، وكأنّها كانت شبح، أو كيان مضلّم واقف جنبي، مسكت الصورة ف إيدي عشان أشوف ملامح "أميرة" بشكل واضح، ملامحها اللي بعشقها، لون عينيها البُنّي غامق، شعرها الناعم المفرود، طابع الحُسن تحت شفايفها، والحَسَنَة الصُغيّرة ف خدّها اليمين، كانت مُبتسمة ف اليوم ده أجمل ابتسامة ابتسمتها ف حياتها، اليوم اللي قدرنا نتغلّب فيه على كُل المشاكل اللي واجهتنا عشان نقدر نكون مع بعض، أنا و"أميرة" كُنّا طموحين جدًا، كُل واحد ف مجاله، هيّ ف مجال الصيدلة وصناعة الأدوية، وأنا ف مجال البيزنس، بنينا نفسنا مع بعض، من أيام الدراسة، كُل واحد فينا كان بيشجّع التاني عشان يقدر يكمّل ويحقق حلمه، اشتغلنا واتمرمطنا وحطّينا القرش ع القرش عشان نقدر نتجوّز، تعبنا فوق الوصف، وأوقات كتير كُنّا بنحس إننا خلاص، مش قادرين نتعب أكتر من كده، لمّا حد فينا كان بيحس بكده كان دايمًا التاني بيقوّمه، وكانت الحاجة اللي بتحرّكنا وبتشجّعنا هيّ تخيُّلنا لليوم اللي هنبقى فيه مع بعض على طول، واللحظة اللي هنُقف فيها عشان نتصوّر صورة فرحنا، الصورة اللي أنا ماسكها ف إيدي دلوقتي، واللي بقت حقيقة مش خيال، لفترة طويلة كُنّا مُستمتعين بحياتنا أشد استمتاع، وكُنّا بنحقق أهدافنا مع بعض، لحد ما قدرت إنّي أفتح شركة استيراد وتصدير خاصّة بيّا، وف ظرف سنين بسيطة بقت واحدة من أهم الشركات اللي بتنافس ف السوق، أمّا "أميرة" ف ربنا قدّرها إنّها تشتغل ف أهم مصنع أدوية ف البلد، وقدرت تترقّى ف السلّم الوظيفي بسُرعة، كُل حاجة كانت تبان حلوة وتمام، اتجوّزت البنت اللي بحبّها، وشغّال ف الحاجة اللي بحبّها، وقدرنا نوفر لنفسنا حياة كريمة نعيش فيها مرتاحين اللي باقي من عُمرنا، افتكرت إن خلاص كده، مفيش أي مشاكل هتنغّص علينا حياتنا تاني، أبدًا، وعُمري ما اتخيّلت إنّي مُمكن أوصل ف يوم للاحساس اللي أنا حاسّه دلوقتي ده، احساس إنّي برغم كُل اللي بملُكه، وكُل اللي حققته، مش مرتاح..!
فُقت من شرودي على صوت باب البيت وهو بيتفتح وبيتقفل، بصّيت ف الساعة لقيت عدّى ساعتين من وقت ما مسكت الصورة ف إيدي، محسّتش بالوقت، سمعت صوت خطوات "أميرة" وهيّ بتقرّب ع الأوضة، ف حطّيت الصورة ع الكومودينو تاني، ف اللحظة اللي لقيتها داخلة فيها من الباب، بصّتلي بابتسامة مُتكلّفة، وقالت بصوت مُجهد:

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن