مشهد

132 9 0
                                    

قفل باب الشقة وراهم، هيّ جريت لحد أوضتهم ودخلتها، وقفلت على نفسها، وهو فضل واقف مكانه، وبدأ يسمع صوت الهدوء، أخيرًا، ابتدت أصوات الزغاريط والهيصة تهدى ف دماغه، وكلاكسات العربيات اللي كانت بتزفه فضلت تبعد لحد ما اختفت تمامًا، وقف للحظة، وركز ف الهدوء، كان الصوت الوحيد اللي سامعه هو صوت عقرب ساعة ايده، اللي مكانش مُتزامن إطلاقًا مع صوت دقات قلبه، قلبه كان داخل سباق مع نفسه، مخضوض يمكن، فرحان، مُتحمس بزيادة، مكانش قادر يحدد بالظبط، ومكانش عارف يهدّي نفسه، أو يطمّن قلبه..
اتحرّك بهدوء ناحية الصالة، قعد على كُرسي الأنتريه، قلع الجزمة والشراب، قلع ساعته وفك كرافتته اللي كانت خانقاه طول الفرح، قفل موبايله، وبعدين قلع دبلته اللي لسّة مش متعوّد على مكانها، بقاله سنتين بيلبسها ف اليمين، فجأة مكانها اتغيّر، فضل ماسكها ف إيده قبل ما يحُطها جنب الموبايل والساعة، ويتحرك ناحية الحمّام..
طوّل ف الحمّام على قد ما قدر، ساب المايّة السُخنة تنزل على جسمه ودماغه لأطول وقت مُمكن، بس ف النهاية كان لسّة قادر يسمع صوت دقّات قلبه الغير مُنتظمة، وقف قُدّام المرايا ومسحها بإيده، عشان يشوف إنعكاس صورته، وملامح القلق اللي على وشّه، فجأة افتكر كُل حاجة مر بيها من ساعة ما عرفها، كُل التعب اللي تعبه عشان يقنع أهلها بيه وهو شاب على قد حاله مش معاه أي حاجة، افتكر لمّا اترفض مرة واتنين وتلاتة، افتكر تمسّكها بيه، ودموعها اللي كانت بتودعه بيها من البلكونة وهو نازل من عندهم، ف كُل مرة أهلها كانوا بيرفضوه فيها ويقولوله "معندناش بنات للجواز"، افتكر كُل ده، وابتسم، وكأنّه لسّة مش مصدّق إنّها دلوقتي مراته، ومستنياه دلوقتي ف أوضتهم، وإن في حياة جديدة هيبتدوها سوا، من اللحظة دي..
خرج من الحمام وراح ناحية الأنتريه تاني، لبس دبلته ف اليمين، وبعدين افتكر، ورجع لبسها ف الشمال، بعدين اتحرك بخطوات تقيلة ناحية أوضتهم، ضربات قلبه فضلت تزيد، وقف قُدّام الباب للحظة، خد فيها نفس عميق، وبعدين خبّط خبطتين، مجالوش رد، خبّط تاني، ف سمع صوتها بتقوله..

-"ما تُدخل!"

فتح الباب ودخل من غير ما يبص ناحيتها، قفل الباب، وبعدين لف وبصّلها، كانت قاعدة ع السرير ورافعة البطانية لحد دقنها، مقرفصة ولافّة إيديها حوالين رجليها، وبتبصله بقلق، اتحرك ناحيتها وحاول يداري توتره، لحد ما قعد جنبها ع السرير، قرب منها لحد ما حسّت بسخونة أنفاسه، وفضلت تتأمل ملامحه اللي بتعشقها، ضربات قلبه زادت ووصلت لمرحلة خطر، فجأة كسرت الصمت وقالتله..

-"بُص بقى، أنا......أنا هغمّض عينيّا، وانت بوسني زيّ بتوع الأفلام الأجنبي كده، ماشي؟!"

ضحك غصب عنّه، وبعدين قالها..

="أيوة بس.......بس أنا مش عايز أبوسِك"
-"نعم؟!!!"
="قصدي........مش عايز أبوسِك دلوقتي حالًا يعني، مش أولوية بالنسبالي"
-"يا سلام؟! أمال ايه اللي أولوية بالنسبالك إن شاء الله؟!"
="حُضنِك"

كانت للكلمة الأخيرة وقع كبير على مسامعها، اتهزّت، وابتمست غصب عنها، ومن غير ما تفكر كتير فتحت دراعاتها ع الآخر، ومن غير ما يفكر هو كمان، ساب نفسه ف حُضنها، وبمُجرد ما عمل كده، ابتدت نبضات قلبه تهدى، وحس إنّه رجع عيل صُغيّر من جديد، وإنّه رجع لحُضن أمّه اللي اتحرم منّه من زمان، فجأة كُل مشاعر القلق والخوف والتوتر ابتدت تروح، وحل مكانها مشاعر أجمل، أول مرة يحسّها بالقوة دي، أمان وحُب وطمأنينة، ضمّها بقوة واستكان ف حُضنها أكتر، لحد ما حس إن كُل سنين التعب والمُعاناة اللي شافها ميسووش حاجة قُدّام اللحظة دي، والحُضن ده، والسكن ده..
وف اللحظة دي، فهم أخيرًا معنى الآية اللي بتقول..

"لتسكنوا إليها"..

حكايات للكاتب " إسلام شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن