البارت الخامس عشر

204 14 0
                                    

الجزء الخامس عشر

في زهو ربيعها الحادي عشر، قبل أن ننتقل للعيش في فيلا العمري، ورغم انشغالاتي الكثيرة وسفري الدائم، كنت حريصاً على أن أكون معها وهي تطفئ شمعة عيدها. كنت أشعر بها، رغم ابتسامتها الكاذبة، إلا أنها كانت تفتقد وجود عائلتها معها، خصوصاً أن والدتها كانت في معظم الأحيان تكتفي بإرسال الهدايا، تظن أن الأمور المادية أهم من عاطفة الأمومة التي تحتاجها ابنتها. لا أستطيع أن أكون أفضل منها لأنتقدها، فكلانا أهملها. أنا نادم جداً على ذلك، ولكن هل ينفع الندم بعدما أصبحت طفلتي جزءاً من كل هذا؟

بعدما نفخت شموعها، أعطيتها هديتها وأخبرتها أن أمها أرسلت لها هذه الهدية لكنها غير قادرة على الحضور. قالت لي بنبرة هادئة وابتسامة حزينة تعلو وجهها: "وما الجديد في هذا؟ طالما اعتدت على غيابكما، وأنت أيضاً ستغادر بعد انتهاء الحفل، أليس كذلك؟" هذا ما قالته بالحرف وهي تصطنع ابتسامة مزيفة على وجهها.

في خضم تلك الحفلة وازدحام الناس، لفتت انتباهي امرأة لا أستطيع أن أكذب إذا قلت إن قلبي خفق لها بطريقة لم أعهدها من قبل. لقد كانت أنثى بشعر غجري أسود كالليل، وتلك العيون العسلية، وذاك الخصر المنحوت. اقتربت مني شيئاً فشيئاً حتى أصبحت على مقربة مني. جمالها الآخاذ سلبني لبي، وشردت ولم أستوعب حتى ألقت التحية علي.

مايا: "فرصة سعيدة أن ألتقي بحضرتك، رشدي بيك."

رشدي بيك: "أنا سعيد جداً بلقائك، مدام...؟"

مايا: "اسمي مايا، مايا الخطيب."

رشدي بيك: "فرصة سعيدة جداً، مدام مايا."

مايا: "أعتذر لأنني حضرت بدون دعوة."

رشدي بيك: "أتمنى أن يكون كل من يأتي بدون دعوة جميلاً مثل هذا."

مايا: "هههه شكراً جزيلاً، هذا من ذوقك، حضرتك."

رشدي بيك: "هل تعرفين ابنتي نيرمين؟ لأنني أراكي لأول مرة."

مايا: "أنا لم أتعرف عليها، كنت أنتظر ولادتها."

رشدي بيك: "ماذا تعنين؟ ممكن توضيح."

مايا: "هذه الفتاة فيها شيء عجيب، هي التي ستنقذ روحاً ضائعة من مصير سيئ، روح ساكنة في قبر في حديقة. إذا كنت لا تريد لابنتك هذا المصير، فلا تشتري الفيلا التي تحتوي على القبر مهما كان العرض مغرياً."

رشدي بيك: "ماذا تقصدين؟ ما هذا الجنون؟"

مايا: "في عيدها الرابع والعشرين، سترين وستحبين ذلك. سيأخذها بعيداً عنك ولن ترفض لأنه لا يوجد أحد غيره بجانبها."

رشدي بيك: "من فضلك، إذا كنت تهزئين، فارجعي من حيث أتيت."

مايا: "تشبه كثيراً."

رشدي بيك: "من تعنين؟"

مايا: "رجل كنت أحبه كثيراً... لكنه مات منذ سنوات."

رشدي بيك: "لماذا كنت تحبينه وأنت في هذا العمر؟"

مايا: "هههه، لأنني أكبر مما تتصور، أكبر بكثير. تذكر كلامي جيداً."

وبعد ذلك، دون أن أشعر، اختفت ولم أعثر عليها أبداً. شغلني كلامها كثيراً، ولكن مع مرور الأيام تناسيته، ولحماقة مني اشتريت تلك الفيلا التي تحتوي على ذلك القبر... بيدي هاتين قادت ابنتي إلى مصير مجهول...

يتبع... .....

قبره ملاذي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن