"التربية المهدوية"
بسم رب الذي خلق العشق ملكة لأعز من خلق، ذات يوم كانت هناك طفلة صغيرة لم تبلغ التاسعة من عمرها، تربت في احضان والدين يكنان الحب لأهل البيت عليهم السلام، وهذه نعمة من اكمل نعم الله علينا، تعلقت هذه البنت بوالدها تعلقا شديدة، فكان لها الصديق والمعلم اكثر من كونه ابأ، كان هذا الاب يقرأ قصص اهل البيت عليهم السلام لها هي واخوها الصغير، كل ليلة منذ أن كانوا صغارة غرس فيهم الحب كما يغرس الفلاح زرعه، وينتظر أن يحصد ثمار تعبه ذات يوم، حتى بعد أن كانوا في يوم من الأيام في ضائقة مالية لم يتوانا ذاك الاب او الصديق عن شراء القصص التعليمية وقراءتها لكلتا ولديه، بالإضافة إلى جعلهم يحفظون الكثير من الأدعية ابتداءأ من الصغيرة منها، كأدعية الأيام الى الكبيرة منها كدعاء الندبة ودعاء كميل وغيرهم وكذا الحال للسور القرانية، فخلق فيهم حب التنافس من خلال المكافئات والالعاب كونهم لا يزالون صغارة، ثم علمهم الصلاة وقراءة القران اليومية كما اوصاهم بالصدقة وزيارة سيد الشهداء عليه السلام ودعاء كميل كل ليلة خميس، اما ابنه الصغير فهو لم يزل أن بلغ السابعة من عمره حتى علمه واخذه في كل اربعين الامام الحسين ع مشيا على الأقدام، وهكذا اهتم الأب بالجانب الديني ليفجر فيهم منابع الحب لأهل البيت عليهم السلام، كما اهتمت الام بالجانب الأكاديمي في تعليمهم، فقد صدق الشاعر حين قال: لا عذب الله امي انها شربت حب الوصي وغذتنيه باللبن، وكان لي والد يهوى ابا حسن. فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن.
وما أن كبرت تلك الطفلة حتى بلغت الثامنة عشر من عمرها، ودخلت كلية الطب حتى اصبحت تقرأ الكتب للإمام المنتظر (عج) منها السلسلة المهدوية للسيد الصدر، كانت محبة جدأ للإمام ابا الفضل العباس عليه السلام، حتى اقترن حبه بحب الامام الغائب (ع)، فكانت كلما تشتاق لشم ريحة ذلك الغائب ذهبت الى كربلاء، كما قال السيد الشيرازي رحمه الله في احدى محاضراته من الأمور التي يتوجب علينا أن لا ننساها في كل أمور حياتنا هو وجود الامام المهدي (عجل الله تعالی فرجه). وهكذا حتى اصبحت في يوم من الأيام كلما ذهبت الى هناك تدور في الصحن الشريف لعلها تلقاه، لكن تأبى الذنوب الا ان تخفيه فلا يتحقق الوصال، ذلك الوصال المنشود لن يتحقق حتى يصل العبد المسمى نفسه عاشقة الى ساحة العشق الالهي عندئذ تلتئم جراح الانتظار بالطلة البهية ليوسف الزهراء (عليه السلام)، تعرفت تلك البنت الى صديقة محبة حتى ارشدتها الى قراءة كتاب (معراج الروح) للسيد حسن الأبطحي، فاستلهمت منه الكثير الكثير، ثم بحثت حتى وجدت وقرأت الكتاب الثاني له (اللقاء مع الامام صاحب الزمان)، ثم الكتاب الثالث (الكمالات الروحية عن طريق اللقاء بصاحب الزمان)، الكتابان الأخيران كان لهما الدور الكبير في تعلقها بالإمام الغائب عليه السلام، فقد كانا بمثابة المؤنس الذي يريح القلب والروح من اتعاب وهوى الدنيا، فارشداها الى قراءة (دعاء العهد) كل صباح، بالإضافة إلى زيارة آل ياسين)، و(الزيارة الجامعة)، وزيارة الامام الحسين عليه السلام)، فهي من احب الزيارات الى امام الزمان عليه السلام، بالإضافة إلى أن لا يتمسك الانسان بحب الدنيا والشهرة واتباع الشهوات، وان يروض نفسه لما فيها من الخير والصلاح؛ كي يدخل الفرح والسرور على قلب حبيبنا الامام الغائب الذي قال : ""واني امان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء""، فقد اوصاها والدها منذ أن كانت صغيرة بأن الاعمال تصل الى ذلك الحبيب (الأمام المنتظر عج) كل يوم اثنين وخميس، فلا تجعلي في اعمالك سببة لبكائه، بعد ذلك ازداد العشق فانقلب الى هيام، فأصبح ذلك الغائب عليه السلام المؤنس لها حينما تصبح وحيدة، نعم، أصبحت تكتب له في مذكراتها أملا أن يذكرها في دعاءه ومناجاته، فكتبت: النص الأول ((مولاي ارى طيفك حيثما اتجهت، حيثما ادرت وجهي غمرني عطفك وحنانك، سمعنا وقرأنا عنك فقط حتى اصبحنا وامسینا نغوص في بحر حبك، حبك المقدس ملئ قلب العاشق اشتياقة ولهفة، اشتياقة، انتظار، ثم صبرأ، حتى يجود ذلك العاشق بنفسه في ساحة العشق الإلهي، كل عاشق ينتظر قمره الخاص، اما عشاقك فجميعهم ينتظرون قمرا واحدا كي ينير بطلعته البهية ظلام الكون، فمتی یا ثري سيضيئ ذلك النص الثاني: ""ان العشق للإمام الغائب عج يجعل الانسان يتلذذ لسانه
القمر؟! )). عندما يذكر اسم حبيبه ثم يشم ريحه عند غيابه، كما شم يعقوب ريح يوسف من بعيد، ويسمع صوته عندما يناجيه حتى تتحقق الرؤية، ليس هذا فقط بل ان هذا العشق سيجعله يذرف الدموع ويصلي الليل ويكثر من مناجاة الحبيب الغائب فقط فيتحقق الوصال بمشيئته تعالى"" .
النص الثالث: (حوار مع الروح) كتب بعد زيارة كربلاء: لهفتي للقائك ودموعي لك ماهي الا فرحة لتجديد وصالك، ماهي الا دليل يقسم بكونك يا هذا عاشق ولهانا! أن دموعك هذه لهي بحق دموع شوق، بعد أن أشعل لهيب الاشتياق قلبك، بعد أن نال الفراق منك واخذ مأخذه، كم انت مرتاح الآن بعد أقياك لذلك الحبيب، الحبيب الذي جعل منك مجنونا بحبه، الحبيب الذي يتلذذ لسانك بذكراه كل مساء قبل نومك، الحبيب الذي لم تراه عيناك قط ورآه قلبك فقط، فسلام على من أضرم تلك النيران في قلبك الضمان سلام. النص الرابع: يوسف الزهراء معك انت، اذا فيهم القلق ايها العاشق؟! إن الصبر والانتظار کلاهما وسيلة ليصل العاشق الى روضة العشق الإلهي، الينال مراده المرتجى، ليتحقق ذلك اللقاء بعد الصبر والهجران الطويل، إن مرارة الانتظار لهي بحق قد عذبت ذلك العاشق وسلبت منه كل طاقته وجماله، فهل هذا يكفي كي ينال مراده؟ -لن يتحقق الوصال الا إذا ذاب قلبك
حبة فيه، وكيف اجعل هذا القلب اسیرة في حبه؟، ابدأ بتلك المناجاة خفية ليلا، توسل بالذي خلقك وجعل منك عاشقأ، ولتعلم ايها المسمي نفسك "عاشق" إن الم تطبق ما تعلمته من العشق فعلية فلن تصل وتنال مرادك بلقاء محبوبك اخيرا اقول بحبك سيدي ننجوا وتفتح لنا أبواب السماء، وبك العالم يمتلأ بالورود والازهار وتكتسي الارض بالخضار، ليس لأنك لمستها، بل لأنها انحنت خضوعا لجمال الاله الذي تجلى جماله في اعز من خلق.