الفصل السادس والعشرين

2.9K 93 18
                                    

الفصل السادس والعشرين
انا هنا صغيرتي
ما ان انتهي من قراءة الرسالة مرات عدية حتي امسك الهاتف على الفور ولم يتردد واتصل على العم مرة وراء مرة الى ان رد الرجل اخيرا
“ الو من ؟"
اجاب مالك بقوة وهو يزرع الغرفة جيئة وذهابا " انا مالك اين رهف "
اجابه الرجل فورا " مالك !! يا الهى الحمد لله اسرع يا بنى رهف بحاجة اليك "
لم يرد سوى بكلمتين " انا قادم "
قتله الخوف والقلق الى ان اطمن على موعد قيام طائرته الخاصة واتصل بالعم مرة اخرى ثم قال
“ اين انتم ؟"
“ بالمشفى يا بنى رهف بغيبوبة ولا تستجيب لشئ هى بحاجة اليك "
قال بألم " يا الله كان لابد ان اسمع لنداء قلبي"
قال الرجل " ليتك تسرع يا بنى "
اغمض عيونه بألم وهو لا يتخيل ان تضيع منه اسرع بكل قوته الى  المهبط الخاص بطائرته وصرخ بالطيار
“ انا لا اعلم كيف ولكنى اريد ان اكون بمصر امس "
لم يرد الطيار الذى تبعه الى داخل الطيارة ثم الى مقعده دون حتى ان ينظر اليه فملامحه كانت تنبئ عما بداخله من حزن او الم او غضب لم يعلمه احد سوى هو
نظر العم الى الجدة وقال بسعادة " انه مالك يا امى اخيرا عثرنا عليه ليته يسرع ليته ينقذها يا رب ساعدنا انقذها يا رب انها لا تستحق الا رحمتك بقلبها الطيب الصغير انت وحدك من يستطيع ان يرحمها ويعيدها الينا ساعدها يا رب انها اصغر من ان تتحمل كل ذلك “
لا يعلم كيف مر عليه الوقت والطائرة تطير به وكأن الوقت سرقه وبدلا من ان يسافر الى الوطن ..سافر بين الذكريات وترحل من مكان لمكان معها سافر بين عيونها وهبط على شفاهها الرقيقة وامن بين ذراعيها اغمض عيونه واستسلم لصوتها الرقيق وابتسامتها العذبة وكل لحظة امضاها معها .. ثم اخدته الذكرى الى اخر لقاء وما قالته عنه وانها لا تريده والطلاق فأفاق ونظر حوله حائرا كيف لم يعد زوجها وعمها يطلبه ماذا تخفون ايها الناس وماذا بك حبيبتي الصغيرة وما الذى اخفته عيونك عنى فلم تستطع ان تواجهنى وضع رأسه بين راحتيه وقد ارهقه التفكير واوجعه قلقه عليها وجهله بما يحدث
توقف اشرف امام غرفة العناية والعم بجانبه وهو يقول " انت انسان رائع يا اشرف ليت الناس كلها مثلك "
نظر اشرف اليه وقال بحزن " حضرتك تبالغ عمى انا لا افعل الا ما كان يجب ان يفعل "
ربت على كتفه وقال " انت تضحى بحبك يا بنى "
نظر اليه بعيون متألمة وقال " لانى اعلم ان حبي لا امل له واعلم انها تحبه هو انها ترفض الحياة من اجله ترفض حتى ابنتها ان حبها له هو الذى جعلنى افعل ما فعلت تعلمت منها معنى التضحية وان الروح اذا سكنت دار حبيبها ابت ان ترحل الا الى دار الخلود ..هذا هو الحب الصادق الذى لم نعد نعرفه او نراه الا بالروايات رهف الصغيرة علمتنا اياه يا عمى .."
“ انت على حق يا بنى ولكنى ظننت ان مالك لن يستجيب لان رهف اصابته فى كرامته ولكنه استجاب اسرع مما تخيلنا و.."
بالفعل رأي العم مالك وهو يكاد يأكل الارض تحت قدميه الى ان وصل اليهم وهو يلهث فتقدم منه العم وقال " مالك يا بنى حمد الله على السلامة "
ولكن مالك قال " اين هى وماذا حدث "
قال العم " بالعناية فهى ترفض الحياة بدونك يا بنى "
نظر الى اشرف وهو لا يفهم شئ وقال " كيف وهى التى ارادت بعدى ؟ انا اريد ان اراها والان "
ولكن العم اعاده وقال " الاطباء معها الان بمجرد ان يخرجوا يمكنك الدخول"
نظر مالك الى اشرف وقال " انت ؟"
تقدم اشرف منه وقال " انا اشرف المهدى الطبيب النفسي الخاص برهف ومجرد صديق لا اكثر رهف فعلت ما فعلت لتبعدك عنها وتنساها "
اتجه اليه مالك ونظر بعيونه بقوة وقال " والان لا افهم شيء انا طلقتها برغبتها "
قال اشرف "كانت ما زالت بالعدة وقتها يا استاذ مالك "
حدق مالك بعيونه والحيرة تملؤه فاكمل اشرف " نعم لأنها كانت حامل وقتها رهف كانت حامل فى ابنتكم ،هى فقط ارادتابعادك،ك الان  يمكنك إعادة الزواج فهي لم تعد زوجتك"
تراجع مالك وقد تخلت اقدامه عن حمله معترضة على ما الت له الاوضاع وهو لا يفهم اى شئ استند الى الحائط وقال
“ انا لم اعد افهم اى شئ هى كانت حامل  .ارادت ان تبعدنى .. هل يشرح لى احدكم الوضع انا ساجن "
قال العم " اهدء يا مالك وانا ساحكى لك كل شيء نعم ساحكى لك "
استند بظهره على الحائط وكانه يحاول ان يجمع شتات نفسه بعد ما سمعه يا الهى هل عانت كل ذلك بسببه وهو الذى كان يظن انها لم تعد تحبه او تريده فعلت كل هذا من اجله وماذا فعل هو من اجلها رحل وتركها وحيدة تعانى من الم الفراق اكثر مما كان يعانى فهى ايضا عانت الظلام ثم الوحدة و...
اغمض عيونه واسند رأسه على الحائط فقد تأتى الهموم جزافا فتستبيح حياة اصحابها وتتسرب بين الشقوق فتزيدها جفافا وتشققا ... تألم بصوت كالرعد ولكن قتله قبل ان يخرج..  المه لها هى وحدها وعليها وعلى ما اصابها بسببه
خرج الاطباء فاتجه الرجال الثلاثة وهو اولهم يقول "كيف حالها الان ؟"
نظر اليه الطبيب بدهشة فقال العم " الاستاذ مالك زوجها يا دكتور "
هز الطبيب رأسه وقال" تمام عموما الحالة مستقرة ولا جديد "
تعصب مالك وقال" ما معنى هذا بالتأكيد هنا علاج لحالتها اخبرنى باسم اى مشفى بالعالم وانا على استعداد لأخذها اليه فى الحال"
نظر اليه الطبيب وقال" لو كنت ارى ان اى مشفى اخر بالخارج يمكن ان تساعدها لطلبت منكم ذلك المشكلة تكمن فيها هى شخصيا فهى ترفض الحياة لا سبب لحالتها اصلا  "
قال مالك بنفاد صبر " هل يمكن ان اراها "
قال الطبيب " نعم ربما وجودك يغير اى شئ"
لم ينتظر ان يكمل الطبيب واندفع داخل الغرفة باحثا عنها عن دنيته التى توقفت ببعدها.. واخيرا راها بجسدها النحيل ووجهها الشاحب حبيسة الاسلاك والاجهزة الكثيرة توقفت قدماه بعيدا عند رؤيتها وكأنه يخشي من الاقتراب ولكنه يشتاق اليها والى قربها تحرك ببطء جاذبا قدماه بقوة اليها وكأنه يترجاها ان تطاوعه الى محبوبته
تأمل وجهها الرقيق الباهت فمد يده ومررها على وجنتها ثم انحنى عليها وهمس بجانب اذنها " انا هنا صغيرتى "
ثم ابعد وجهه ليمسك بيدها الصغيرة قبلها بحنان وقال" حبيبتى وحشتينى .. لن الومك على كل ما فات فقد فات ولكنى الومك على ما هو ات .هل طاوعك قلبك على تركى وترك ابنتنا ؟ رهف حبيبتي لن تتركينى الان ليس بعد ان علمتينى معنى البيت والوطن انا اريدهم رهف اريد ان يكون لى وطن وبيت تكونى انتى فيه تنتظريني بابتسامتك لتفتحى لى ابواب الجنة . رهف ارجوك عودى انا لم استطع ان اعيش يوما سعيدا فى بعدك نسيت كيف تكون الحياة منذ رحلتى رهف انا ايضا قلبي يؤلمنى ..ارجوك حبيبتى لا تتركينى ليس لى سواكى احتاج قلبك ليعلمني الحب الذى لم اعرفه الا معك ارجوك حبيبتى انا اعلم انك تسمعينى اعلم بما اصابك واتقبله ليس شفقة وانما حب انا احببت رهف الطفلة الصغيرة احببت ذكائها ورقتها وحنانها. لم افكر يوما انه لمجرد اصابة عقيمة يمكن ان نفترق رهف اااه رهف ارجوك لا تتركينى انا لا اعرف ماذا افعل بحياتى فى بعدك لن اعود لم كنت ولكنى اريدك معى انا بحبك رهف بعشقك بجنون ولا اتمنى من الدنيا سواكى "
عندما لم تستجيب عاد وقبل يدها وظل ينظر الى عيونها الصامتة وشفاهها البيضاء التى تنم عن عدم الحياة فانخلع قلبه عليها وشعر بان الحياة ضاعت وانتهت وربما لا تعود
دفع اموالا كثيرة كى لا يطلب احد منه الخروج وهو لم يفعل ووافقه الجميع وكأنهم كانوا يتمنون ان يكون سبب شفائها، تلك العروس الصغيرة كعروس النيل اضحية الربيع فهل ستكون هى الاخرى
لم يعرف كم مضى من الوقت كانت الممرضة تأتى لتضع الدواء بالمحلول ثم ترحل دون ان تتحدث معه وبعيونها نظرة حزن او اعجاب لذلك العاشق الذى فقد قوته امام محبوبته وانقضى الليل ليعود النهار وعاد اللقاء بلا امل يكلمها يبثها حبه والمه ولكن ما من مجيب شعر بالأمل يحاول ان ينفد من بين ذراعيه فأعاده لقلبه .. لا لن تتركنى صغيرتى لن ترحل فهى باقية ستعود وانا انتظرها لن تتركنى ابدا ليهبط الليل سريعا مخلفا اوراقه الصفراء كالخريف مودعا يوما اخر من الامل ومرحبا بيوما اخر اقل امل ومع ذلك لم يقل الامل داخله
عاد الي يدها وهمس " حبيبتي وحشتينى متى ستعودين اشتاق اليكى والى احضانك ارجوك حبيبتى ارحمينى وعودى الى .."
ربت الدكتور على كتفه وقال " هل يمكن ان تتركها قليلا حتى يهتم بها التمريض ثم يمكنك العودة "
نظر اليه ثم عاد اليها وقال " انا بالخارج حبيبتي لن اذهب ابعد من ذلك ولن اتاخر "
تحرك الى الخارج لم يكن احد موجود خرج الى الباب الخارجى ودخن سيجارة وهو لا يعلم ما يحدث له بيوم وليلة انقلبت كل الموازين وتحولت الحياة الى كابوس يهدد حياته سمع صوت العم يقول
" مالك كيف حالها ؟"
نظر اليه وقال " كما هى ..عمى اين ابنتى ؟"
قال العم " مع امى بالفيلا احضرنا لها مربية خاصة يمكنك الذهاب ورؤيتها "
تمنى لو فعل ولكنه لم يستطع ان يترك حبيبته لقد وعدها فقال " ليتنى استطيع ولكنى لا استطيع ترك رهف ما اسمها ؟"
قال العم " حياة رهف اسمتها حياة "
ابتسم بحزن وقال " حياة ؟! واين الحياة وهى ليست بها "
ربت العم على كتفه وقال " ندعو الله ان يعيدها الينا بسلام "
نظر الى العم بحيرة ولم يرد منذ متى وهو يمكنه ان يواجه الله او يطلب منه طلب لقد نسي الله وداس على كل اوامره ونواهيه وها هو الان يخشي حتى ان يتوجه اليه بالدعاء ولكن العم اكمل
“ لا تخجل من الله فهو غفور رحيم كل ما عليك ان تتوب اليه وتطلب المغفرة ثم ادع الله من قلبك فهو سميع الدعاء وهى بحاجة الي الدعاء وانت بحاجة الى الله.."
اخفض عيونه وقد مست الكلمات قلبه هى فعلا بحاجة للدعاء والدعاء عند الله وهو بحاجة لله اذن هذا هو الطريق ولكن ..
قال " وهل يغفر لى كل ما فعلت انا كنت اسوء ما يكون و.."
ابتسم العم وقال " انه يغفر كل شيء الا ان يشرك به فهو الله الغفار وهو الذى لابد ان نلجأ اليه فى شدتنا وندعوه كما امرنا ادعوني استجب لكم هيا يا بنى اليوم الجمعة دعنا نذهب نتوضا ونذهب للصلاة جميعا ونطلب من الله ان يعيدها الينا "
تردد قليلا ولكن بالنهاية هناك دائما خط ابيض بقلب كل مسلم اما ان نغذيه بالإيمان فيقوى ويشع ببريق الايمان واما ان يضمحل وينزوي باهتا حزينا داخل صاحبه ولكن ما ان يعود صاحبه الى الله يضئ النور ويقوى ويهدى الى الصراط المستقيم..
دعا الله كثيرا وربما بكى قلبه ايضا بين ايادى الله لم يكن هناك بينه وبين الله اى حاجز الان طلب المغفرة على كل ما فات والهداية لم هو ات وشفاء قلبه من كل الآفات ..ثم ترجاه بالشفاء لأقرب الناس لقلبه محبوبته التى لم يقابل مثلها بحياته من قبل علمته الحياة والحب والسعادة اعادته للحياة بعدما فقدها والان يخشي ان يفقدها يا رب لأول مرة اطلب منك شئ فلا تردني وانت لا ترد احد اعدها لى يا رب ولا تحرمني منها ..
ما ان عادا الى غرفة العناية حتى لاحظا حركة غير طبيعية واندفاع الاطباء والممرضات استوقف احداهن وسألها بخوف
“ من فضلك ماذا حدث ؟"
نظرت اليه وقالت " الاجهزة تعلن عن تغييرات والاطباء بالداخل "
تراجع بفزع هل آن الاوان لان تفارقه اغمض عيونه ووضع يده على قلبه حيث اشتد المه وخوفه وهو يهتف " يا رب "
يتبع…

صائد الصفقات وصغيرتهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن