38..نار لا تنطفئ

1.9K 32 0
                                    

ضرب بولنت على المكتب بيده ثم دفع ما فوقه بقوة فأسقطه ارضا و أخذ يصيح بطريقة هستيرية و هو يشعر بأن الكون ينهد فوق رأسه فجأة..نادى بأعلى صوته على تورغوت الذي تعود أن يكون سندا له في الأوقات الحرجة لكن ما من مجيب..انهار جالسا على كرسيه و هو يتمتم بصوت مختنق "تورغوت..أين انت؟ اين اختفيت هكذا فجأة؟ أين ذهبت و تركتني؟ ألا تعلم بأنني أحتاجك الآن أكثر من أي وقت مضى..أين أنت؟" و أخفى وجهه بين يديه و هو يحاول جاهدا السيطرة على اعصابه..رن الحاسوب من جديد معلنا وصولا رسالة الكترونية جديدة..نظر الى الحاسوب للحظات و كأنه يخشى أن يقترب منه ..صار يتشاءم بصوت الرسائل..صار يخاف ان يقرأ احداها لأن كل واحدة كانت تصل كانت تهدمه و تقربه خطوة من تحطيم كل احلامه..وقف بعد تفكير طويل و اقترب من الشاشة و فتح الرسالة..قرأ فيها" هل تبحث عن تورغوت؟ اين ذهب يا ترى؟ اين اختفى فجأة؟ أيعقل أن يكون قد تخلى عنك و وجد لنفسه حبيبا..عفوا..اقصد مديرا غيرك؟ لا أعلم..الصور المصاحبة للرسالة قد تكون اجابة معقولة على أسئلتك" فتح بولنت الصور و حملق فيها بعيون تكاد تغادر محجرها..ما يراه صادم و مخيف..انها صوره مع تورغوت..تظهرهما في وضعيات غير لائقة..ضرب بولنت جبينه بكفه المرتعش و انهار من جديد على الكرسي..ما هذا الذي يحدث معه؟ و من هذا الذي يلعب معه هكذا و يتلاعب بحياته كلها؟ من هذا الذي يهدده و يضغط عليه الى الدرجة التي تفقده صوابه؟ و ماذا يريد منه؟ ما هدفه من كل هذا؟ لو كان مجرد صحفي يبحث عن الخبر الحصري و عن الشهرة لكان نشر هذه الصور بدلا من ارسالها له..و لو كان شخصا يبتزه فلماذا لم يطلب الى الآن أي شيء..لا مالا و لا منصبا و لا خدمة..ما يحدث معه امر غريب لا يمكن لعقله أن يستوعبه..لكن اجابة أسئلته العديدة جاءت كالعادة على شكل رسالة جديدة..لعن بصوت عالي و بأبشع الكلمات ثم فتحها فإذا فيها" لا تسأل كثيرا..هو امر واحد فقط أريده منك مقابل عدم نشري لهذه الصور..و اعتقد بأنك ستنفذه عن طواعية و دون الكثير من التردد..ما عليك سوى الانسحاب من السباق الانتخابي و عدم المشاركة فيه..ثمن بسيط و سهل..اليس كذلك؟ ..لا تحاول ان تتذاكى او ان ترفض..عندها ستجد فضائحك و فضائح عائلتك في الصفحات الأولى للصحف و المجلات و على مواقع التواصل الاجتماعي..الخيار لك"..

صاح بولنت كأنه يخاطب مرسل الرسالة" ثمن بسيط يا هذا؟ اي ثمن بسيط؟ انك لا تعلم عم تتحدث؟ هذه الانتخابات التي تريدني أن انسحب منها هي كل أحلامي و طموحاتي..اجهز نفسي لها منذ سنوات..أبني عليها كل آمالي..لماذا تريد أن تحطمني و تقضي علي؟ من انت؟ و ما هي غايتك؟ هل انت منافس سياسي؟ و ان كنت كذلك..فلماذا لم تدع الناس يختارون المناسب بيننا؟ هل يجوز ان تستعمل اسلوب التهديد و الابتزاز معي؟ هل يجوز ان تضربني هكذا و انت متخفي؟ لماذا لا تظهر أمامي؟ فلتظهر امامي و لنتواجه..جبان انت..جبان..تهرب من المواجهة..و تستعمل هذا الأسلوب معي..ماذا لو رأى أبي و أمي هذه الصور؟ سينهاران..سينتهيان..سيخيب املهما بابنهما الوحيد..هذا اكثر مما أستطيع تحمله..ماذا افعل الآن؟ كيف انجو من هذا الفخ الذي وقعت فيه؟ مالحل؟ من ناحية لا اريد أن اخسر أحلامي و طموحاتي..و من ناحية أخرى لا أريد أن اخسر ابوي..سأحاول أن أكسب الوقت..سأوقف الحملة الانتخابية و سأؤجل الانسحاب الرسمي لأكثر وقت ممكن..لعلني اصل الى هذا المبتز و أتخلص منه..هذا هو الحل الوحيد الآن" ثم وقف و طلب الاجتماع بأعضاء الحزب و أعلمهم بأنه قرر ايقاف الحملة الانتخابية دون ان يشرح لهم السبب..استغرب الجميع ذلك و حاولوا الاستفهام منه لكنه تركهم مع حيرتهم و خرج..في شقته التي تقع في قلب مدينة اسطنبول..جلس ياغيز خلف حاسوبه و ابتسامة نصر و رضى ترتسم على شفتيه..قال بنبرة سعيدة" هذه البداية فقط أيها الحقير..أعلم بانك ستحاول أن تتذاكى و أن تكسب الوقت لكنني لن أسمح لك بذلك..سأضغط عليك الى أن تنهار..سأسود الدنيا في عينيك..و سأهدم الكون على رأسك..سأجعل خساراتك لا تحصى و لا تعد..ستدفع ثمنا أغلى مما كنت تتوقعه..ستندم على اليوم الذي ولدت فيه..هذا فقط ما سيخمد هذه النار التي تشتعل داخلي و التي لا ترضى أن تهدأ ابدا..حينما اراك مذلولا و مكسورا و مهزوما..حين اراك وحيدا و محطما..حينما تخسر كل شيء..عندئذ فقط سأشعر بأنني اخذت بثأر أخي..و بأنني أستطيع أن أنام مطمئنا و هادئا" قاطع كلامه مع نفسه صوت رنين الهاتف..نظر الى الشاشة و ابتسم بسخرية..انها هزان تتصل..رد" نعم حياتي" قالت" مرحبا حبيبي..كيف حالك؟ هل وصلت الى انقرة؟ " اجاب" نعم..لقد وصلت منذ قليل..اشتقت اليك" قالت" و انا ايضا..اشعر بوحدة غريبة من دونك..اشعر بأن الفراغ يلف حياتي..عد الي بسرعة..لو سمحت حبيبي" قال" سأنهي اعمالي و اعود في اقرب فرصة..انتبهي على نفسك..الى اللقاء" قالت" وانت ايضا..الى اللقاء جنم" و انهت المكالمة..

حُبّ مُلَوّثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن