66..صفي حسابك معي أنا

1.3K 31 0
                                    

شعرت هزان بأنها تختنق و بأن حيطان القصر تتهاوى على رأسها..هذه المرأة التي كانت تشتعل غيرة منها في وقت من الأوقات تأتي اليها اليوم لكي تشكو اليها همومها و تخبرها بحملها من ياغيز..والد ذلك الجنين الذي ينمو في بطنها..جمدت هزان في مكانها و لم تدري ماذا تقول..اضافت سيفجي" هو لا يعلم بحملي..لكن اعتقد بأنه اذا علم سيتحمل مسؤولية ابنه و لن يتخلى لا عني و لا عنه..اليس كذلك هزان؟ سيفعل ذلك حتما؟" كانت هزان تائهة بنظراتها و بأفكارها و لم تسمع كلام سيفجي التي نبهتها من شرودها بقولها" هزان..اين ذهبت؟ الم تسمعي ما قلته؟" وجدت نفسها مجبرة على اجابتها" بلى..سمعتك..ليكن خيرا..لا اعلم ماذا اقول صراحة..لكنني اعتقد بأنه لن يتخلى عنكما" امسكت سيفجي بيديها و هي تقول" شكرا لك هزان..انت فعلا شخص رائع..انت تستطيعين فهم كلامي فها انت حامل بطفل رحل ابوه مع الأسف..و ستضطرين الى تحمل مسؤوليته لوحدك..و انا متاكدة بأنك ستكونين نعم الأم و الاب له..اما انا فسأسعى الى استعادة ياغيز لكي نكون معا عائلة متكاملة..شكرا لك هزان لأنك سمعتني و ساندتني..و الآن عن اذنك..تصبحين على خير" اكتفت هزان بالإيماء لها برأسها دون أن تنطق بحرف..تابعت ذهابها بقلب احرقته الغيرة و بعقل حدثها بأن هذا المتوقع من شخص مثل ياغيز لا يحترم لا العلاقات و لا المشاعر و يجرح و يؤذي دون رحمة..كانت تتمنى أن تبكي و ان تذرف الدموع لعل هذه الغصة التي استقرت في حلقها تغادرها دون رجعة و لعل الدموع تنجح في اطفاء نيران غضبها و المها التي لا تهدأ و لا تنطفئ..بعد لحظات من ذهاب سيفجي..توقفت سيارة ياغيز في مدخل القصر و ترجل منها و هو يحمل باقة ورد حمراء ضخمة و دخل الى الداخل..امام القصر كانت سيفجي لا تزال متوقفة بسيارتها هناك..لمعت في عيونها نظرة خبيثة و هي ترى سيارة ياغيز تدخل الى القصر..ضربت المقود بيدها و تمتمت بغضب" كنت واثقة بأنك وجدت أخرى..و هذا تفسير تلك الصورة التي وجدتها بجانب سريرك عندما دخلت الى منزلك اليوم سيد ياغيز..انت في علاقة مع هذه الارملة التي لم يمر شهر على وفاة زوجها..لن اسمح لك بأن تحبها و بان تعيش معها علاقة..انت لي ياغيز..لي وحدي..و لا اعتقد بأنها ستنظر في وجهك بعد الخبر القنبلة الذي فجرته في وجهها..مسكين..اتيت تحمل الورد..لكنك ستعود خائبا..لن يكون اللقاء كما كنتما تخططان له..سينقلب الى خصام و لوم و عتاب..و هذا ما اريده من كل قلبي..ستعود الي ياغيز..و ستترجاني لكي انظر اليك..سأنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر" ثم تحركت مبتعدة بسيارتها..

كانت هزان تذرع الصالون جيئة و ذهابا و الغضب و الانفعال باديين عليها عندما دخل ياغيز محملا بباقة ورود حمراء و قال بسعادة" مساء الخير هزان..تفضلي..هذه من أجلك" و اقترب منها يمد الباقة لها..رمقته هزان بنظرة باردة..حادة..قاسية..مخيفة..اجبرته على التراجع الى الخلف و الى التساؤل بنبرة حزينة" مالأمر هزان؟ لماذا عدت تنظرين الي بهذه الطريقة البغيضة؟ ما هو خطئي الذي ارتكبته هذه المرة؟" وضع هو الباقة على الطاولة و بقي ينتظر جوابها..قالت هي بعد صمت" لا..انت لم تخطئ..انا هي المخطئة..لأنني لم اتعلم مما جرى لي..و لأنني لم اخرجك تماما من حياتي..مالذي كنت انتظره من شخص بلا قلب مثلك..شخص بلا مشاعر..و بلا أخلاق..شخص لا يحترم العلاقات و الالتزامات و الوعود..شخص لا يهمه من المرأة سوى جسدها..و ما ان ترضي رغبته حتى يهرب منها و يتركها بغض النظر عما كانت تشعر به تجاهه..المهم ان تكون حرا و بلا قيود..ان تتنقل من امرأة الى أخرى دون الاهتمام بقلوب النساء التي تدوسها هنا و هناك..أنا المخطئة لأنني كدت أصدق بأنك شخص صادق و مستعد لتقديم المساعدة ..أنا حقا أشمئز منك و من كل الرجال أمثالك" حملق فيها ياغيز باستغراب و سأل بعصبية" هزان..لماذا تقولين هذا؟ ماذا فعلت انا؟ فيم أخطأت معك حتى تسمعينني كل هذا الكلام الجارح؟ ان كنت تقصدين علاقاتي السابقة فلن انكر أنني كنت رجلا مستهترا و متعدد العلاقات..لكنني لم اجبر أية امرأة على ان تقيم علاقة معي..كلهن كن يردن ما حدث و راضيات به..لم أعد ابدا اية واحدة منهن بأن أتزوجها او بأن أعطي علاقتي بها صبغة رسمية..على ماذا تلومينني اذا هزان؟ و ما سبب هذا الكلام؟ هلا تكلمت بصراحة لو سمحت" ردت هزان ببرود" أتحدث عن علاقتك بسيفجي..تلك المسكينة التي لا ذنب لها الا انها أحبتك من كل قلبها..و انت فعلت فعلتك المعتادة معها..تركتها و أغلقت بابك في وجهها..دون مراعاة مشاعرها و احاسيسها..لم تفكر فيها و لو للحظة واحدة..مالذي قد يصيبها اذا تركتها و تخليت عنها..انت .." قاطعها ياغيز بعصبية" هزان..و ما علاقتك انت بسيفجي؟ و لماذا تهتمين لأمرها هكذا؟ ثم من اخبرك بأنني تركتها؟ لا تقولي لي بأنها جاءتك و حدثتك عني و عنها؟" هزت هزان برأسها و قالت" نعم..لقد اتت الي و حدثتني عنك و عن حبها لك..ألن تتوقف عن ايذاء الناس و جرح مشاعرهم؟ الن تصبح أبدا انسانا ذا قلب و مشاعر و أحاسيس؟ الم يكفك ما فعلته بي؟ و تحدثني بكل وقاحة عن تعذيب الضمير..و هل تملك انت ضميرا من الاساس؟" صاح بها ياغيز" هزان..يكفي..هذا يكفي..نعم..انا انسان ضميره يعذبه كل يوم و يؤرق مضجعه.. انا انسان اكتشف مؤخرا بأن له قلبا قادرا على الحب..انا شخص ايقن ايضا بأنه لن يكون قادرا على قضاء اية لحظة من حياته الجديدة مع انسانة لا يحبها و لا يكن لها أية مشاعر..انا لا احب سيفجي و علاقتي بها كانت عبارة عن نزوة عابرة قررت انهاءها بعد أن اكتشفت بانني لن أكون قادرا على اعطاءها ايا من الاهتمام او الوقت الذي كنت امنحها اياه في السابق..لن اكون قادرا حتى على اقامة علاقة معها..هذا الأمر اصبح مستحيلا بعد أن.." توقف ياغيز فجأة عن الكلام لأنه كان واثقا بأن اعترافه لهزان بحبه لها في هذه اللحظة لن يكون امرا جيدا..بل سيزيد من عصبيتها و خاصة بعد أن رأى بأن عدم ثقتها فيه مازالت على حالها..واصل بعد وهلة" هزان..لو سمحتي..توقفي عن محاكمتي و عن اعدامي بكل كلمة تقولينها لي و بكل نظرة ترمقينني بها..اعلم بانك لا تثقين بي و لا تصدقينني..و ربما تكرهينني ايضا..و اعلم بأنني أخطأت في حقك و جرحتك..و ليلعني الله لأنني فعلت ذلك..لكن ارجوك..لا تحكمي علي بسبب علاقاتي السابقة..لانها كانت تخص ياغيز آخر غير هذا الذي يقف امامك اليوم..ذلك الحاقد و الغاضب و الساعي الى انتقام اعماه و قتل كل المشاعر داخله لا يشبه هذا الياغيز الذي يقف أمامك الآن..اليوم أستطيع القول بانني دفنت ذلك الذي كان في الماضي لكي يولد مكانه شخص جديد..سيفجي كانت تعلم منذ البداية بأنني لا أبحث عن علاقة رسمية او دائمة..اخبرتها بشروطي و قبلت بها..و الآن صارت تريد أن تغير كل شيء و ان تفرض نفسها علي..لذلك افهمتها بأن هذا لن يحدث أبدا..و بأنني تركتها..مالخطأ في ذلك؟ ثم هل سيكون افضل لو انني بقيت معها و أنا اكذب عليها كل يوم؟ لست مضطرا لذلك" انهارت هزان على الاريكة و قالت بصوت مخنوق" بلى..انت مضطر لذلك" سألها" و لماذا؟" اجابت" لأنها حامل منك..و لا اعتقد بأنك ستكون حقيرا الى درجة التخلي عن ابنك..اليس كذلك؟" بقي ياغيز ينظر لوهلة الى هزان ثم سألها من جديد" هل هي من اخبرك بذلك؟" هزت هزان رأسها بالايجاب فقال" لا بد بأنها تحاول الضغط علي لكي اعود اليها..هذه آخر ورقة رابحة تستطيع استخدامها..و حتى لو كان هذا صحيحا..لن اتخلى عن ابني و سامنحه اسمي و كل ما يحتاجه لكنني لن اتزوجها..بالتأكيد لن افعل ذلك" وقفت هزان فجأة و قالت و هي تتجاوزه نحو الباب" افعل ما يحلو لك..هذا امر لا يهمني..ساخرج لكي اتمشى قليلا..اشعر بانني سأختنق ان بقيت هنا"..

لحقها ياغيز و قال" هزان..توقفي..لا يجوز بأن تخرجي لوحدك في هذه الساعة..خاصة بعد تهديدات تورغوت لك" لكنها تجاهلته و اخذت معطفها و خرجت..مشت باتجاه البحر الذي كان متاخما للقصر..كانت تحتاج ان تتنفس و تستنشق بعض الهواء النقي..لم يرد ياغيز ان يزعجها فتبعها من بعيد لكي يحميها و يكون قريبا منها..كان يعلم بأنها تحاول جاهدة ان تبني ثقتها به من جديد و بأنها تريد أن تصدقه لكن ما فعله معها في السابق يقف حاجزا بينها و بين ذلك..و هذا ما يزيد من تأنيب ضميره و من جلده لذاته و الذي صار مؤلما و موجعا خاصة بعد أن وقع في حبها..لذلك يسعى جاهدا الى التكفير عن ذنبه و الى اقناعها بصدقه و بأنه بجانبها دائما مهما حصل..الحب جعل منه شخصا آخرا يتعرف عليه للمرة الأولى..انسان لا يهتم سوى بمشاعر حبيبته و بسعادتها و أمانها و اطمئنانها..انسان يسعد لسعادتها و يحزن لحزنها..انسان مستعد ان يفعل كل شيء لكي يستعيدها و لكي يقنعها بصدق مشاعره..حتى لو كلفه ذلك حياته..فلن يتأخر في تقديمها فداءا لها..نظر ياغيز الى هزان التي كانت واقفة أمام البحر و كانها تحدثه و تشكي له همها..هم بالاقتراب منها عندما رأى رجلا يقترب منها و يحاول شدها من ذراعها..جرى نحوه فعرف بأنه تورغوت..كان يجذبها بقوة من يدها و يحاول ان يصعدها الى سيارته الواقفة قريبا منهما..قاومته هزان بقوة فرفع يده لكي يصفعها لكن ياغيز أمسكه من يده و صاح به" انزل يدك يا هذا" اجابه تورغوت بعصبية" لا تتدخل انت..و لا علاقة لك بما يجري" وضع ياغيز هزان خلفه و قال لتورغوت" اسمع يا هذا..لقد سئمت منك و من تهديدك التافه..ماذا تريد من هزان؟ تريد ان تنتقم منها؟ انها الشخص الخاطئ..هي مجرد ضحية لا ذنب لها..لا بد بأنك تبحث عن المبتز الذي فضح امر علاقتك ببولنت و تسبب في انتحاره..اليس كذلك؟ لا تتعب نفسك بالبحث..ها أنا اقف امامك..انا ياغيز ايجمان..المصور الفوتوغرافي..انا الشخص المطلوب..انا من سعيت الى الانتقام من بولنت بسبب ثأر شخصي بيني و بينه..لكنني آذيت اناس لا دخل لهم مثل هزان و صدقي و فريدة..ان كنت تريد الانتقام من شخص ما فأنا هو هذا الشخص..انا العقل المدبر و المخطط لكل ما جرى..دع هزان و شأنها و صفي حسابك معي أنا"

حُبّ مُلَوّثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن