الحلقة السابعة والعشرون
صعدوا درجات السلم راكضين إلى أن وصلوا غرفتها، حاول الشباب كسر الباب بكل ما أتاهم من قوة حتى تكسر بأيديهم ليجدوا سلمى جثة هامدة على فراشها شاحبة اللون .. ركضوا جميعًا نحوها في رعب وفزع شديدين يصيحون بأسمها وكل منهم نار تشتعل في داخله بشدة، يؤنبون أنفسهم وتحملهم جزء من المسؤلية لما وصلت إليه .
يوسف بعجزه وضعفه الشديدين أتجاهها منذ البداية، كان له أن يمنع والده منذ البداية، والآن تأزم الوضع بطارق، فلا يكفي صياحه بوالده آخر مرة .. ولكن الآن لن يسمح لأي أحد أي كان من هو أن يتحكم بها بهذا الشكل بعد، كأنها دمية ليس لها رأي أو حرية .
وطارق يشعر بحالة غريبة من عدم الاستيعاب لما رأه ومما سمعه، وذهل عندما وجدها شبه ميتة هكذا أمامه .. فقد كان يريد الهروب بعيدًا عن أفكاره التي تراوده، لم يكن يريد منذ البداية الزواج بها بهذا الشكل، وأن نهايتها تكون هكذا لمجرد رفضها أياه .. فهو لم يتمسك بها حينها، فكر فقط بكلماتها الأليمة التي تفوهت بها بغضب وألم شديدين، كان يشعر بكل كلمة وحرف وأعتصر قلبه على حالها .. لذا قرر الأبتعاد عن الجميع حتى هي، وفكرة معاقبته ومعاتبته إياها تخلها عنها عندما شاهد إنهيارها .. لم يتدخل ينقذها من براثن أبيها، فقط تركها ترحل أمامه بهذه الطريقة ونظرة عيناها توحي بالكثير، استغاثة .. عتاب .. حزن .. ألم .. غضب .
حملها طارق بين ذراعيه سريعًا وكاد يوسف أن ينهشه بعيناه، وضعها بالأريكة الخلفية ليارته وجلست نور بجوارها، أما يوسف جلس بجانبه وقاد طالرق بسرعة جنونية يكاد لا يرى الطريق من شدة شروده .
وصلوا إلى المشفى ليحملها طارق في سرعة وهو يركض بها مدلفاَ باب المشفى وهو يصيح بصوته الجهور الذي كاد أن أن يزلزل أرجاء المكان، ليقبل عليه بعضاَ من الأطباء والممرضات بترولي يضعها عليه ويركض هو ويوسف ونور معها التي كانت تبكي بصمت ودموعها أنسابت بحرية تامة على وجهها حتى كستهم بالكامل .. انتظروا في الخارج على نار أشد من جمر في قلق وخوف إلى أن خرج لهم الطبيب ليركضوا نحوه ليطمئنهم على حالتها، إلى أن صاح به يوسف:
ـ طمنَا يا دكتور عليها أرجوك
أقبل الطبيب يصيح بهم بجدية:
ـ إللي حصل عشان توصل للمرحلة إللي هي فيها دي .. كانت هتموت لولا أنتوا لحقتوها في آخر لحظة
صاحت نور هي الأخرى بقلق:
ـ إللي حصل فهمنا
تنهد الطبيب وقال بحزم وجدية:
ـ واضح إنها لا بتاكل ولا بتشرب بقالها تلات أيام .. جسمها ضعيف جدًا .. علقتلها محاليل وأن شاء الله تكون كويسة .. الحمد لله أن جسمها قوى وقدرت تتحمل أنها تعيش الفترة دي من غير أي حاجة .. واحدة غيرها كان زمانها ماتت .. بس خلي بالكوا منها .. عن أذنكوارحل عنهم الطبيب وظلوا واقفين يتبادلون النظرات في دهشة وتحدي وغضب .. يوسف يعاتب نفسه بأنه ترك المنزل وهي وحيدة مع هاشم، لو كان موجود ما كان حدث ما حدث على الأقل .