الحلقة الثامنة والعشرون
لا يعرف لماذا تردد كثيرًا ليقدم على هذه الخطوة، لهذه الدرجة لا يريد رؤيتها، أم يخشى مواجهتها؟ حتى وهي نائمة .. ساكنة في فراشها لا حول لها ولا قوة، ليس لديها القدرة حتى على مواجهته .. يريد أن يحطمها كما حطمت قلبه بفعلتها، ولكن شيء بداخله يجعله يتراجع كلما تذكر آخر ما رأت عيناه وتلك الكلمات التي مزقت قلبه أشلاء .
جلس جوارها صامتًا، فقط ينظر إليها في شرود ومشاعر مختلفة تجنوا على رأسه دون أي رحمة ولم يشعر بنفسه وهو يقول معاتباً وبكل غضب
"ليه عملتي كده؟ ليه يا سلمى؟ .. مش كنا اتفقنا على كل حاجة .. كان لازم عنادك ودماغك إللي زي الحجر دي .. عجبك إللي وصلتيه؟ .. أدي أخرة جنانك وأخر حاجة ممكن أتصورها منك .. مش كنا خلصنا .. مش عارف بس أنتِ طلعتيلي منين دخلتي حياتي وبرجلتيها وسلبتي عقلي من غير ما أحس .. عايز أكسرك زي ما كسرتيني بس مش قادر .. كفاية عليكِ إللي هاشم وريهولك، مش قادر ألومك وفي نفسك الوقت لازم أعاتبك .. أنا محتار واقف في نص الطريق ومش عارف أعمل إيه .. كل حاجة باظت بسببك أنتِ يا سلمى خلافي مع أمي وأبويا .. حتى نور الحاجة إللي مهونة عليا راحت هي كمان ومش طايقة تبص في وشي بسبب اخوكِ .. حتى خطيبتي !! ياريتك ما ظهرتي في حياتي .. نفسي تفوقي عشان نخلص من الكابوس إللي وقعنا فيه كلنا ده .. وكله من تحت راسك ومن تصرفاتك اللي ملهاش سابق إنذار، كنتِ ممكن ترفضي بأي طريقة أو تكلميني أحاول أتصرف بس متكسرينيش كده يا سلمى .. كل ما بسمع أسمك مببقاش طايقك بفتكر كل حاجة عملتيها بداية من أسلوبك معايا لحد هروبك .. حسابك معايا لما تفوقي .. مش هسمحلك تدمري أي حاجة بعد كده يا سلمى .. فاهمة ؟ .. مش هسمحلك كفاية جنان لحد كده .. أنتِ ولا حاجة بالنسبالي ولا حاجة"انسدلت الدموع من جانب عيناها دون أن يلاحظ، وبدون أي مقدمات بدأ جهاز رسم القلب يعرض الخط المستقيم معلناً نهاية رحلتها المأساوية من تلك الحياة البائسة .. فزع طارق ولم يصدق صفير الجهاز الأمر الذي حدا به أن ينطفض من مكانه ويصيح بأسمها برعب حقيقي لأول مرة، خوف .. توتر .. تشتت لا يعلم ماذا يفعل سوى أن هرول للخارج ليصيح في الجميع برعب، ليلتفتوا إليه في هرع شديد وهو يقول :
- الدكتور .. فين الدكتور .. سلمى قلبها وقف .. حد يشوف الدكتور بسرعة .. أتحركوا
في ذات اللحظة التي صاح بها طارق ركضت نور نحوهم في فزع شديد بعدما كانت تراقبهم من بعيد، ليتعجب يوسف من ظهورها المفاجئ ليصيح به بعنف:
- إللي حصل؟
صاح هو الآخر بعنف شديد وعلا صوته:
- هو ده وقته .. هات الدكتور
لم تنتظر نور تلك المشادة بينهم لتهرول في لهفة إلى غرفة العناية وشاهدت الخط المستقيم بعيناها لتتبعها سميحة الآخرون، صرخت بأسمها ليهرول يوسف في صياح باحثً عن الطبيب ليأتي مسرعًا ومعه ممرضة .. صاح بهم في انفعال:
- أطلعوا كلكوا برة
تراجعوا للخلف وعيونهم مشبثة عليها بغير تصديق، فقط يشاهدونها خلف الزجاج الطبيب يصعق قلبها بهذا الصادم الكهربائي عدة مرات دون استجابة منها .
انهارت نور وأنفجرت باكية، لتضمها سميحة وتبكي معها هي الأخرى بألم وحزن شديدين على مصير تلك المسكينة التي بين الحياة والموت الآن .
أمير يشعر بأن هناك شيئًا ما غير واضح ومفهوم في كل ما يحدث، شيئًا ما خاطئ ويجب أن يحل هذا اللغز المحير الذي لازال يحدث حوله .
ويوسف الذي هربت الدماء عن وجهه وتخشب في صدمة ورعب، أخذ يفرك يداه بعنف شديد ويسير في توتر شديد ذهابًا وإيابًا .. أما طارق فلم يسمع نحيب نور ولا سميحة وخطوات قدم يوسف السريعة، كأنه انتشل من وسطهم ولم يعد يشعر بأي شيء حوله ووجد نفسه في عالم غريب، لم يرى أمامه سوى مشهد اهتزاز يديها وصفير الجهاز معلنًا عن أكثر شيء يخشى أن يحدث .. لا يعرف بما يشعر به .. فقط تخشب وجهه وشلت حركته، ليسترد وعيه ونور تتشبث به من أعلى قميصه بعدما تركت ضمة سميحة إليها وصاحت به في غضب شديد وهيستريا بكاء:
- أنت قلتلها إيه .. أنطق .. كانت كويسة ومفيش أي حاجة .. علمت إيه .. مش هسامحك لو جرالها حاجة يا طارق .. سامع .. مش هسامحك
فضت سميحة بينهم وجذبت نور نحوها في رفق، ولا تزال عيناها تنهشه غضب وألم، ويوسف يشاهد ما حدث ولا يفهم شيء .. ليتوتر طارق ويقول مدافعًا:
- معملتش حاجة .. دخلت عادي أطمن عليها وفجأة حصل إللي حصل
رمقته نظرة عتاب لتقول بغضب:
- مش مصدقاك يا طارق ..
لتقاطعها سميحة قائلة بحدة وهي مشبثة بمنكبيها:
- خلاص يا نور وطارق ذنبه إيه يعني .. أهدي يا بنتي وأن شاء الله هتكون كويسة
سكن طارق جانبًا مع أمير محاولًا تجنب نظراتها، بعد دقائق من التوتر خرج الطبيب لينقضوا جميعًا عليه في لهفة وقلق، لتصيح نور أولهم:
- إللي حصل عشان قلبها يقف بالشكل ده .. هي عاملة إيه دلوقتي ؟
رد الطبيب بهدوء يتناسب مع الموقف وقلقهم البين أمامه :
-الحمد الله جات سليمة .. ده إللي أنا مستغربه بصراحة .. حالتها لا تستدعي توقف قلبها
هنا رمقته نور نظرة نارية خشى هو منها، كادت أن تحرقه في مكانه ليستأنف الطبيب حديثه:
- بس الحمد لله إنها بخير .. ممكن تفوق على آخر اليوم بإذن الله .. عطيتها حقنة مهدئة .. عن أذنكوا