الحلقة الرابعة
حاولت نور الإتصال بسلمى كثيرًا الهاتف مغلق أو غير متاح .. سألت عنها السكرتارية عرفت بأن لديها عمل في الخارج، ومن المفترض أنهت زيارتها للمشفى مبكراَ لحضور الإجتماع، ولكنها تأخرت .
****************
سلمى ﻻ تزال تبكي بشدة من وهل ما رأته، وهي تحاول أفاقة طارق بصياحها به
- أستاذ طارق ..طارق طااااارق فوق أرجوك .. حد يلحقنا
في هذه الأثناء تجمع كل من بالمشفى من أطباء وخلافه حولهم، طارق فتح عيناه أخيرًا وهو ممسك ذراعه من الألم .. فقد أصابت الرصاصة منكبه، بينما هو غارقاً في ألمه ودمائه، نظر لها حاول تهدئة روعها قليلاً .. ﻷول مرة يرى ضعفها، .
- أاانا كويس الحمد الله .. جات سليمة
مسحت سلمى دموعها وصاحت به :
- سليمة إيه بس مش شايف بتنزف ازاي
رد بألم ونبرة صادقة بالفعل :
- المهم أنتِ كويسة ؟
أجابت بنبرة شبه هادئة، تناست فيها خلافهما تمامًا نوعًا ما :
- كويسة .. المهم أنت سيبك مني دلوقتيلم يجيب عليها فقد تم حمله على الترولي وإلى غرفة العمليات على الفور، فقد نزف كثيرًا من الدماء .
هدأت سلمى قليلًا ولكن قلبها مازال متوترًا ويداها ترتعش، تخشى أن يحدث له شيء بسببها .. بعد قرابة نصف ساعة خرج طارق من غرفة العمليات، وتم إزالة الرصاصة بسلام وتم نقله إلى غرفة عادية كي يستريح .
قرابة الخمس دقائق دخلت سلمى بعد خروج الطبيب .. جلست بجواره حتى يستفيق، ارتسمت بسمة ﻻ إرادية عندما وجدته يحاول فتح عيناه، فأقبلت عليه بهدوء قائلة :
- حمد الله على سلامتك
رد طارق باسمًا بعفوية:
- الله يسلمك
استردت حديثها بنفس النبرة :
- أنت كويس دلوقتي ؟
أجاب طارق بإرهاق بسيط :
- الحمد الله بقيت أحسن
رغم ما حدث ولكن سلمى الفضول كاد أن يقتلها .. يوجد شيء ﻻ تعلمه، تطلعت إليه وتغيرت نبرتها إلى علامات أستفهام قائلة :
- الحمد الله .. هو إيه إللي حصل بالظبط عشان يحصل كل ده ؟
توتر طارق من نبرتها، فكيف يبرر ما حدث، أقترح بأن يخبرها الحقيقة فقال :
- مفيش كنت واقف برة عند العناية لقيت مرة واحدة الأستاذ ده بيقولي أنت مين وبتعمل إيه، سؤال عجيب هو ماله أصلًا وقام دبت خناقة
تفاجئت سلمى من كلماته فشعرت بالضيق والدهشة، ولكن رد بهدوء تام وجدية :
- امممم أفهم من كده إنك ممشتش وأستنتني، لو كنت مشيت مكنش حصل إللي حصل
نظر لها طارق ﻻ يعرف ماذا يقول، هو نفسه ﻻ يعلم لما فعل هذا من الأساس .. لا يستطيع أن يعترف أمامها إنه كان ينظر إليها ويراقبها خلف زجاج العناية بدون هدف أو مبرر محدد، وإلا سوف يكون في موقف محرج له للغاية، فلن يدع لها الفرصة كي تستخف به أو تحدثه بأسلوبها المستفز هذا مرة أخرى .. فلم تكن هي هدفه الأساسي لزيارة المشفى في هذا التوقيت، فرد ببرود سريعًا :
- هو أنا واقفلك مثلًا، ما أقف في المكان إللي يعجبني
شعرت بالغرابة أكثر والضيق من رد فعله .. فنظرت له وقالت بنبرة جادة ومنفعلة :
- لا والله، ربنا ستر على إللي حصل ده .. مكنتش جيت مكنش حصل كده
حاول طارق التغاضى عن انفعالها، وكأنها محور الكون كي يتركه ويذهب خلفها أينما تكون، وعلى صميم بأنه يراقبها، فمهما قال لن تصدق أن لقاءهما كان مجرد مصادفة ليس إلا .. تنهد بقلة صبر و رد بألم:
- أولًا أنا جيت في الأساس عشان أجيب تحاليل وأشعة والدتي، وقلت بالمرة أطمن على أستاذ هاشم، يعني مش جايلك مخصوص ولا ماشي وراكِ
نظرت له ولم ترد، تكره انتصاره عليها بهذا الشكل .. ظلوا في هذا الوضع بضعة دقائق وكل منهم أدار وجهه في ناحية مختلفة متجنب الآخر .. ليقطع صمتهما بفضول وتساؤل :
- آه صحيح هو مين الحيوان إللي ضربني ده ؟
نظرت له سلمى باستنكار وهي ترفع إحدى حاجبيها قائلة :
- اممم الحيوان ده يبقي خطيبي
نزلت تلك الكلمة على طارق كثقل الجبل فوق رأسه، مشاعر متداخلة وغير مفهمومة حزن ضيق وإحراج .. لجم لسانه وعقله لحظة واحدة، فلم يكن لديه اكتراث من قبل كي ينظر إلى يداها .. ﻻ يعرف لما يشعر بالحزن عندما علم بشان خطبتها .. ﻻ يعرف توضيح مشاعره، فأكتفى بالإعتذار منها قائلًا :
- احم.. أنا آسف مكنتش أعرف إنه خطيبك
شردت لحظة في حزن ثم تنهدت ونظرت له قائلة بنبرة هادئة :
- ده يبقي ابن شريك بابا، ماسك شغل باباه لأنه مسافر 6 شهور حالياً عقبال ما يرجع.. وطبعًا الطرفين عشان يكبروا الصفقة لازم بمشروع جواز
طرق في ذهنه سؤالاً بديهيًا، فقال دون تفكير :
- وعلى كده بتحبيه ؟
لم تستطع التغاضي عن هذا السؤال، فلن تسمح له بالإقتراب منها هكذا أو يقتحم حياتها الشخصية بهذه البساطة، لن تسمح له على أي حال، فرمقته بنظرتها وقالت بجدية بالغة :
- أظن دي مسالة شخصية ملكش إنك تدخل فيها وﻻ إيه يا أستاذ طارق ! .. على العموم حمد الله على السلامة مرة تانية
شعر بالإحراج للمرة الثانية، يبدو سلمى تخصص وضع من أمامها في هذه المواقف، ويبدو أن سؤاله ليس مناسبًا على ما يبدو عليه داخل غرفة بمشفى .
لحظات وسمعت نغمة هاتفها .. تناولته واستأذنت لتخرج وتجيب، كانت المتصلة نور :
- ألو ايوة يا نور
اندفعت نور عندما سمعت صوتها وصاحت بها :
- أنتِ فين يا بنتي روحتلك الشركة السكرتيرة قالتلي عندك شغل برة وعارفة إنك رايحة المستشفى .. أتاخرتي ليه كل ده مش عارفة إنك عندك إجتماع !
تذكرت سلمى ارتباطها بالشركة، فتحت فاها بشدة وطرقت كفها على جبهتها وهي تستجمع ذاكرتها لترد بصدمة :
- يا خبر!! .. أنا اتلخمت في إللي حصللي ونسيت موضوع الإجتماع ده خالص
صاحت بها نور بنفس النبرة :
- حصل إيه ؟ أنا من ساعتها قلقانة عليكِ
قصت عليها سلمى ما حدث .. قلقت نور للغاية ولم تصدق بأن عاصم تصدر منه تلك التصرفات المشينة .. صاحت بها في قلق :
- يا خبر .. أنتِ فين دلوقتى .. كويسة؟
تنهدت سلمى بعمق ثم ردت بكل هدوء :
- الحمد الله .. المهم هو أضرب بالنار بسببي
أنهت معها نور المكالمة في لهفة :
- طيب طيب أنا جيالك سلام