٣٠ | ترويض

178 40 71
                                    

راقبت بريق الطريق الممهد من خلال المياه، شعرت بنفسها واهنة، بين اليقظة والسبات. لم تعد تسعفها الألحان، النفق المائي يقترب منها رويدًا محاولاً أخذها في عناق مُبرم نهائي.

بدت لها ذكرياتها مشوشة، وتذكرتها كحلم ضبابي، لم تجد وجه مألوفًا ولا حتى وجهها. ملقاة على الأرض المائية، شاهدت انعكاسها من خلال سطح الماء فوقها، يقترب ويقترب، كان وجهها شديد اللمعان، عينيها براقتين، وقرنها شديد الطول، وقد برز منه أفرع أخرى جعلته أكثر ضخامة.

— «ماذا تريد مني؟» سألت.

واصلت المياه طريقها حتى تحجب جسد بريق، وصلت إلى بعض من أطرافها، وبدأت تزحف إلى ما تبقى منها. تساءلت بريق حقًا إن كان هنالك طرق أخرى يمكنها التعامل بها مع هذا الوحش الغريب الذي لا يتأدب إلا بلحنها، أو إن كان هنالك طريقة تستطيع بها الخروج من هذا المكان الغامض.

عادت تغني، اعتبرت أنها قامت بعملٍ مضن، فهي لا تحب أن تتعامل مع الوحوش بهذه الطريقة، ولكن لا خيار آخر أمامها، بل إنها وجدت الأمر سخيفًا ومذلاً.

الأمر المزعج بالنسبة لها؛ أنها لا تفهم ما هية الوحش، فهو أحيانًا يهدأ على الرغم من أنها لا تغني، وفجأة يغضب ويحاول إغراقها حتى تلحن ذلك اللحن الذي ورثته عن سديم الشادهافار السابق.

حاولت المراوغة ومحاربته دون جدوى، وقد كاد ينهي أمرها في ثوانٍ لو لم تتدارك الموقف وتنقذ نفسها مدندنة لحنًا تجهل كيف حفظته عن سديم رغم أنها لم تسمعه سوى مرة واحدة. سمعت صوتًا، جعلها تتوقف لثانية عن اللحن، فقد كان ذلك لحنًا آخر، لحنًا مختلف، وتفاجأت حين اتبعته ووجدت أنها تقترب من الصوت.

تحمست وهي تركض إبان اتباعها للحن في النفق المائي، وازدادت سرعتها ما أن اكتشفت أن النفق ينهار خلفها سريعًا، وكان عليها أن تتجاوزه مسرعة حتى لا تبتلعها مياه البحر. بدأت الأرض تحتها تتزعزع، ولم تعد قادرة على حملها جيدًا دون الغوص في أعماق المحيط، وخشت عندها أنها تتبع وهمًا، وأن ذلك اللحن ليس إلا من مخيلتها، وأن النفق أمامها لا نهاية له، وفي كل الأحوال سوف تتعب بعد لحظات وتستسلم، وسوف يسلبها البحر روحها.

عندما شاهدت الضوء أمامها صرخت باكية، كان نورًا مشعًا كلما اقتربت منه كلما ازداد اتساعًا، حتى اجتازته أخيرًا وأطلقت شهقة ذعر.

أخرجت رأسها من الماء بعنف، امسكت بالأيدي أمامها حتى يساعدونها على الخروج من المياه. سقطت على العشب تسعل بقوة، تقفقف جسدها رعبًا وبردًا، ولم تستطع الوقوف. وضع المساعد غطاءً على جسدها يقيها البرد، فيما لفته بريق حولها وأسنانها لا تتوقف عن الاصطكاك ببعضها. نظرت إليه شاكرة، فيما عاينت ما حولها باضطراب.

شادهافار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن