٣٤ | الليلة الأخيرة

247 39 160
                                    

توقفت ريف تنظر إليهم سرًا، تراقبهم في الخفاء، هنالك ابتسامة دافئة قد رُسمت على محياها.

انطلق التوأم على الأرض الخضراء المنبسطة، وضحكاتهم العالية ومرحهم يثير في نفس ريف الحنين، بالرغم من أنها لا ترغب أبدًا في العودة إلى ماضيها، حين كانت مجرد فرد من عائلتهم، ولم يكونوا يعاملونها أساسًا كفرد. تأتي كلما سنحت لها الفرصة لتلقي نظرة، تعرف أن الوقت شارف على النفاذ، والرحلة لم يتبقَ عليها سوى أسبوع واحد وحسب، وعليها أن تحفظ كل ما تحبه وتخزنه في ذاكرتها، فربما لن تعود، رحلتها القادمة قد تغير حياتها للأبد، قد لا تتمكن من النجاة حتى!

نظرت إلى ساعدها، استشعرت تلك الطاقة التي كافحت حتى تجددها وتمارس كل القوة في تسويتها. هل أصبحت أقوى؟ طوال الخمسة أشهر ظلت تركز على تدريب نفسها، شاركت في عدة حلبات تقام في المدينة، ربحت في ثلاثة من أصل خمسة، أجل هي ملاكمة جيدة، لكنها ليست بشرية لتملك شيء من العناصر، مع ذلك عوضت عن ذلك النقص بذكائها ورشاقتها، فلا أحد يستطيع في فريقها مجاراتها في التسلق والمراوغة. عليها أن تكون دائمًا ممتنة للبيدق ناب، لأنه يحسن تدريبها منذ صغرها حتى الآن، وقد ظنت أنه سينشغل بالشادهافار، إلا أنه أصغى لها، وأعطى لها الكثير من النصائح، بل ودربها شخصيًا.

عكست طريقها بعيدًا عن التوأم الذي تحبه، ثم سارت إلى الكهف، حيث شاهدت بوضوح أبناء عمها يقضون وقتًا على مقاعدهم مقابل بيتهم. استشعرها بَشّ ما أن خطت نحوهم في ثقة غير مبالية، بل إنها لم تخفِ طاقتها أو نفسها، سارت ترفع رأسها مبتسمة. وضع الأخوة أيديهم على سيوفهم، لكن ريف واصلت المشي إليهم، فأشار جسور بهدوء لهم حتى لا يتأهبوا لأي قتال، لكن ريف قالت بصوت عال وهي تقترب: «دعهم، أنا مستعدة للقضاء على جميع حرسكم الجبناء.»

توقفت أخيرًا على بعد خطوات منهم، ولاحظت نظرة الغيظ على وجه بَشّ فقالت باستخفاف: «وأنتم أيضًا.»

ظل جسور متماسكًا، وراح يتأمل قسمات وجهها الفخور، ورأى فيها لأول مرة طبع عائلته.

— «كيف تجرؤين أيتها الهرة! أستطيع القضاء عليك من ضربة واحدة، هل نسيتِ نفسك؟» انفعل بَشّ واقفًا، وتوسعت ابتسامة ريف حتى تتحول إلى قهقهة ساخرة، أثارت غضب بَشّ أكثر، وأخرجته في طوره الوحشي. كاد أن ينطلق بَشّ كثور مصعوق، لكن جسور أمسك به قائلاً: «إنها تستغل غضبك، أنت هدفًا للتدريب بالنسبة لها.»

تفاجأت ريف من معرفة ابن عمها الأكبر بحقيقة ما تفعل، ابتسمت بصدق وقالت: «أنت محق، لكن التدريب من خلالكم ليس الهدف الوحيد وحسب، فقد خضت نزالات مع الكثير ممن في المدينة، بل حتى مع رفاقي، ولا بد أن الأخبار قد وصلت إليك. أنا أود وبشدة أنا أرى نفسي أخيرًا أعلى منكم، أريد اكتساب احترام نفسي، عن كل الإهانات التي ألحقتها بي.»

شادهافار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن