٤٣ | الليلة الزرقاء

291 26 59
                                    

تلاحق الأفق البراق، شعورًا واهنًا راودها، غارقة حتى النخاع في تأملها، ظلت صامتة لم تفه بكلمة واحدة، حتى دفعها غيهب دفعًا خفيفًا من كتفها، وحلقت أفكارها بعيدًا وصولًا لتألق السماء.

— «لا وقت لدخول نزال معه، لا تضيع ما تبقى من وقت الازرقاق». حثتها غانية حتى تصعد الجبل حيث ينتظرها الأسدف في الأعلى.

كان البيدق سيفان لا يزال يتتبعهم محاولًا الامساك ببريق التي لم تولِ له بالًا، فهناك أمور أكثر أهمية منه لتفكر بها.

أمسك غيهب بساعدها، وراح يسيرها للأعلى محتذيًا بغانية التي سبقتهم مهرولة. هفت رياح باردة وجنتيها، وكلما اقتربت للسماء ازداد الوهن في عظامها، وراحت همسات الأطياف تلحقها مكللة إياها بالشتائم والعار، لكنها لم ترَ طيف الشادهافار نور، ولا جدها، ولا حتى شادهافار آخر، وكانت سعيدة لذلك.

لم تمعن النظر في أرجاء المهبط الذي عاث الطائفيين فسادًا في طرقاته، بل سارت محدقة في السماء وحسب.

إنها الليلة التي ظهرت فيها أول أمهات الشادهافار.

— «وصلت أخيرًا فرشاة الأسدف!». هلل الطائفيون مرحبين بها، وبدوا أكثر سعادة لحضورها من أي وقت مضى.

كانوا على قمة جبل البرق، حيث لا تزال آثار الصعقة الأولى لعنصر البرق ظاهرة رغم مرور سنوات عدة، وقد اسودت الأرض وكأن حريقًا هائلًا أتلفها، في دائرة كبيرة مستوية السطح.

كان عددهم لا يتجاوز العشرة، والمئات منهم يقتلون البشر بالأسفل، فكرت بريق ملقية نظرة  إلى الجمجمة، وقد ظل ثابتًا في مكانه، وأشار لبعض معاونيه أن يجهزوها.

لم تعترض بريق أن تفلت قبضة غيهب الباردة، بل شعرت بحرية أكبر.

أمسكت بها المرأة من كتفها ذات الخمس أعين عديمة الأنف، ثم أنزلتها أرضًا على ركبتيها، وأخرجت عبوة من جيوب ثيابها التي تفوح برائحة الجثث والعفن، أدخلت أصابعها الطويلة بالعبوة وأخرجتها حمراء قانية، ثم مدتها إلى رأس بريق، ورسمت سهامًا وخطوطًا بدمٍ تجهل بريق من أي كائن جاء.

راحت المشعوذة تتلو كلمات لا تفقهها بريق، تهمس بها محركة رأسها حولها كأفعى تتربص بفريستها، وأخذ جماعتها يرددون ذات الكلمات وهم يشعلون نارًا في مطارقهم ويطوفون متهللين.

كانت غانية تراقب الطقس صامتة، ولا تدر إن كان سينجح أو لا. إن كتب المشعوذين القدماء تقول أن هجينة شادهافار هي مفتاح للعالم السفلي، وكتبوا كثيرًا من الطقوس، ولا بد أن صنديد قد تعامل في بدايته مع سحر أسود، ربما ليمتلك قوى، لكنه لم يتحول، بل قرأ ببساطة عن كتاب لم يهتم له الهجناء والغيلان آن ذاك، وعرف كيف يوهب، حتى وإن لم ينوِ شرًا، فإن نبشه في كتب محرمة لفعل الخير أدى للشر في النهاية.

شادهافار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن