٣٨ | أطياف وسيف

133 27 38
                                    

لماذا صنعت؟ وكيف صنعت؟

لم تخطر ببالي أسئلة كهذه سابقًا، بل لم أكن مهتمة لأمرها، لكني الآن مستعدة لفعل أي شيء يمكني من معرفة معلومة واحدة، معلومة واحدة تشرح لي شيئًا بسيطًا عن نفسي الحقيقية.

لقد كنت أغوص في الجهل طوال سنيني الماضية، الجهل حول نفسي وحول عالمي، والآن ها هي المعلومات تتدفق إلى عقلي دون رحمة، ولا يسعني التفكير في أمر واحد فقط، لا يسعني النوم، ولا يسعني التأمل، ولست أشتكي، فهذا ما يجب أن أخوضه منذ البداية، هذه عاقبة أن أظل جاهلة، علي تقبل كل هذا العلم الغزير، علي تقبله وإن كان في ذلك ضرًا.

أنا ممتنة لصمت مخلوقات الشادهافار، ممتنة أنها مختلفة تمامًا عن البشر، حتى صغارهم يرعون بصمت وتأمل، ويقفون بوقار حول الشجيرات، وينحنون بأدب كلما شاهدوني دون أن يصدروا همسًا، كنت ممتنة بحق، ممتنة أنهم لم يبدأوا بطرح الأسئلة، كيف عشت وأين ولماذا، بل ظلوا هناك في انتظار إشارة مني أشعرتني قليلاً بعبئها.

لم أنم الليلة الماضية، كنت أقلب ذكريات سديم في رأسي، منذ حملها حتى ولادتها بي، وذلك اليوم المشرق الذي وضعت فيه الرضيعة بين يدي أيامين المضطرب لأول مرة.

— «إنها تشبهك!» أمسك أيامين بالطفلة بطريقة خرقاء، تأملها لدقيقة ثم أعادها إلى حضن سديم قائلاً: «ربما علينا أن نوكل أمرها لإحدى الحارسات، لست واثقًا من أنك لن ترمي بها في النهر لأنها أزعجتك.»

— «لن أفعل ذلك.» ابتسمت وهي تقبل جبين طفلتها ثم أردفت: «لأنها جزءًا منّا صحيح؟»

مشيت ما أن بدأت الشمس بالطلوع ناحية تلك الشجرة الكبيرة، حيث راقبت فيها سديم الصياد وقلادته المميزة. كان الشادهافار الكبير أو ربما علي القول جدي؛ قد تركني أنام في أحد الكهوف، لكنني لم أستطع أن أنام برأس ممتلئ بالأفكار.

راقبت الأوراق الزاهية، وشعاع الشمس الدافئ يلقي نوره بخجل مصفرًا، وركضت قطرات الندى قافزة إلى العشب، فيما وضعت يدي على جذع الشجرة الندي والبارد، ثم استلقيت كما فعل أبي تحتها قبل سنوات، ووضعت ذراعي أسفل رأسي، وشاهدت ما كان يشاهده، تسللت أضواء الصباح بين الأوراق الكثيفة، أشعة ذهبية، وانتظرت ظهورها، ظهور سديم فوق الغصن وهي تراقب، انتظرتها بصبر، لكنني لم أحمل قلادة أو أي شيء يجذبها، وعندما لم تأتِ؛ بكيت، تكورت حول نفسي وقد مزقت العشب بين يدي. لن تأتي مجددًا، لأنها لم تعد موجودة، هي تلك المرأة التي أمقتها، المرأة التي أنجبتني، المرأة التي...

استقمت، ولا زال بعض العشب بين أصابعي، ركضت بسرعة والرياح تجفف دمعي المسترسل، ولكنني لم أتوقف، صعدت الدرجات الحجرية، سمعت الهمسات ذاتها، الأطياف حولي، والمزيد من الكلام.

شادهافار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن