3 - الصحابة في سرية أسامةمجمل هذه القصة: أنه صلى الله عليه وآله، جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومين، وأمر على هذه السرية أسامة بن زيد بن حارثة وعمره ثمانية عشر عاما، وقد عبأ صلى الله عليه وآله في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم منهم في تأمير أسامة، وقالوا:
كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب صلى الله عليه وآله غضبا شديدا مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج صلى الله عليه وآله معصب الرأس محموما، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض بأبي هو وأمي، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله، وأيم الله إنه كان خليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها..) (1).
ثم جعل صلى الله عليه وآله يحضهم على التعجيل وجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون.
إن مثل ذلك يدفعني إلى أن أتسأل: ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟!، وما هذا العقوق في حق الرسول الأكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم؟ لم أكن أتصور كما لا يمكن لأحد أن يتصور تفسيرا مقبولا لهذا العصيان، وهذه الجرأة.
وكالعادة، عند قراءة مثل هذه الأحداث التي تمس كرامة الصحابة من قريب أو بعيد أحاول تكذيب مثل هذه القضايا وتجاهلها، ولكن لا يمكن تكذيب ما أجمع عليه المؤرخون والمحدثون من علماء السنة والشيعة، وتجاهل ذلك.
وقد عاهدت ربي أن أكون منصفا، فلا أتعصب لمذهبي ولا أقيم وزنا لغير الحق، والحق هنا مر كما يقال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (قل الحق ولو كان على نفسك وقل الحق ولو كان مرا...) والحق في هذه القضية: هو أن هؤلاء الصحابة الذين طعنوا في تأمير أسامة قد خالفوا أمر ربهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشك ولا تقبل التأويل، وليس لهم عذر في ذلك، إلا ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظا على كرامة الصحابة و (السلف الصالح) والعاقل الحر لا يقبل بحال من الأحوال هذه التمحلات. اللهم إلا إذا كان من الذين لا يفقهون حديثا، ولا يعقلون، أو من الذين أعمت العصبية أعينهم فلم يعودوا يفرقون بين الفرض الواجب طاعته والنهي الواجب تركه، ولقد فكرت مليا عساني أجد عذرا لهؤلاء مقبولا، فلم يسعفني تفكيري بطائل، وقرأت اعتذار أهل السنة على هؤلاء بأنهم كانوا مشايخ قريش وكبراءها، ولهم الأسبقية في الإسلام بينما أسامة كان حدثا ولم يشارك في المعارك المصيرية لعزة الإسلام، كمعركة بدر وأحد وحنين، ولم تكن له سابقة بل كان صغير السن عندما ولاه رسول الله إمارة السرية، وطبيعة النفوس البشرية تأبى بجبلتها إذا كانت بين كهول وشيوخ أن تنقاد إلى الأحداث وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ولذلك طعنوا في تأميره وأرادوا منه صلى الله عليه وآله أن يستبدله بأحد من وجوه الصحابة وكبرائهم.
إنه اعتذار لا يستند إلى دليل عقلي ولا شرعي ولا يمكن لأي مسلم قرأ القرآن وعرف أحكامه إلا أن يرفض مثل هذا، لأن الله عز وجل يقول:
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1) (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (2).
فأي عذر بعد هذه النصوص الصريحة يقبله العاقلون وماذا عساني أن أقول في قوم أغضبوا رسول الله وهم يعلمون أن غضب الله في غضبه، وذلك بعد أن رموه بالهجر وقالوا بحضرته ما قالوا وأكثروا اللغط والاختلاف وهو مريض، بأبي هو وأمي، حتى أخرجهم من حجرته، أو لم يكفهم كل هذا، وبدلا من أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله ويستغفروه مما فعلوا ويطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم كما علمهم القرآن، عوضا عن ذلك فقد زادوا في الطين بلة كما يقول المثل الشعبي عندنا، فطعنوا في تأميره أسامة بعد يومين من رميه بالهجر والجرح لما يندمل، حتى أجبروه أن يخرج صلى الله عليه وآله بتلك الحالة التي وصفها المؤرخون، لا يقدر على المشي من شدة المرض وهو يتهادى بين رجلين، ثم يقسم بالله بأن أسامة خليق بالإمارة، ويزيدنا الرسول بأنهم هم أنفسهم الذين طعنوا في تأميره زيد بن حارثة من قبل ليعلمنا أن هؤلاء لهم معه مواقف سابقة متعددة وسوابق شاهدة على أنهم لم يكونوا من الذين لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ويسلمون تسليما، بل كانوا من الذين جعلوا لأنفسهم حق النقد والمعارضة حتى ولو خالفوا بذلك أحكام الله ورسوله.
ومما يدلنا على المعارضة الصريحة، أنهم رغم ما شاهدوه من غضب رسول الله ومن عقد اللواء له بيده الشريفة والأمر لهم بالإسراع والتعجيل، تثاقلوا وتباطأوا، ولم يذهبوا حتى توفي بأبي هو وأمي وفي قلبه حسرة على أمته المنكوبة التي سوف تنقلب على أعقابها وتهوى في النار ولا ينجو منها إلا القليل الذي شبهه رسول الله بهمل النعم.
وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب!
أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله (1).
فأين هو عمر من هذه الحقيقة التي أدركها أبو بكر، أم أن في الأمر سرا آخر خفي عن المؤرخين، أم أنهم هم الذين أسروه حفاظا على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة (يهجر) بلفظ (غلبه الوجع).
عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أغضبوه يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله، وكتاب الله يقول لهم في محكم آياته:
(قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله) (2).
وكأنهم هم أعلم بكتاب الله وأحكامه من الذي أنزل عليه وها هم بعد يومين فقط من تلك الرزية المؤلمة وقبل يومين فقط من لحوقه بالرفيق الأعلى يغضبونه أكثر فيطعنون في تأميره ولا يطيعون أمره، وإذا كان في الرزية الأولى مريضا طريح الفراش، فقد اضطر في الثانية أن يخرج معصب الرأس مدثرا بقطيفة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض وخطب فيهم خطبة كاملة من فوق المنبر بدأها بتوحيد الله والثناء عليه ليشعرهم بذلك بأنه بعيد عن الهجر ثم أعلمهم بما عرفه من طعنهم، ثم ذكرهم بقضية أخرى طعنوا فيها من قبل أربع سنوات خلت، أفهل يعتقدون بعد ذلك بأنه يهجر أو أنه غلبه الوجع لدرجة أنه لم يعد يعي ما يقول؟.
سبحانك اللهم وبحمدك كيف يجرؤ هؤلاء على رسولك فلا يرضون بالعقد الذي أبرمه، ويعارضونه بشدة حتى يأمرهم بالنحر والحلق ثلاث مرات فلا يستجيب منهم أحد، ومرة أخرى يجذبونه من قميصه ويمنعونه من الصلاة على عبد الله بن أبي ويقولون له: إن الله قد نهاك أن تصلي على المنافقين! وكأنهم يعلمونه ما نزل إليه في حين أنك في قرآنك: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (1).
وقلت أيضا: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (2).
وقلت وقولك الحق: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) (3).
عجبا لهؤلاء القوم! فمرة لا يمتثلون لأمره ومرة يتهمونه بالهجر ويكثرون اللغط بحضرته في غير احترام ولا أدب، وأخرى يطعنون في تأميره زيد بن حارثة ومن بعده في تأمير ابنه أسامة بن زيد فكيف يبقى بعد كل هذا شك عند الباحثين من أن الشيعة على حق عندما يحيطون مواقف بعض الصحابة بعلامات الاستفهام ويمتعضون منها احتراما وحبا ومودة لصاحب الرسالة وأهل بيته.
على أني لم أذكر من المخالفات غير أربع أو خمس وذلك للاختصار ولتكون أمثلة فقط، ولكن علماء الشيعة قد أحصوا مئات الموارد التي خالف فيها الصحابة النصوص الصريحة ولم يستدلوا إلا بما أخرجه علماء السنة في صحاحهم ومسانيدهم.
وإني عندما أستعرض بعض المواقف التي وقفها بعض الصحابة من رسول الله أبقى حائرا مدهوشا، لا من تصرفات هؤلاء الصحابة فحسب ولكن من موقف علماء السنة والجماعة الذين يصورون لنا الصحابة دوما على حق لا يمكن التعرض لهم بأي نقد، وبذلك يمنعون الباحث من الوصول إلى الحقيقة ويبقى يتخبط في التناقضات الفكرية.
وزيادة على ما سبق أسوق بعض الأمثلة التي تعطينا صورة حقيقية على هؤلاء الصحابة ونفهم بذلك موقف الشيعة منهم:
أخرج البخاري في صحيحه ج 4 ص 47 في باب الصبر على الأذى وقول الله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم) من كتاب الأدب، قال: حدثنا الأعمش قال سمعت شقيقا يقول قال عبد الله: قسم النبي صلى الله عليه وآله قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت أما أني لأقولن للنبي صلى الله عليه وآله فأتيته وهو في أصحابه فساورته فشق ذلك على النبي وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.
كما أخرج البخاري في الكتاب نفسه أعني كتاب الأدب في باب التبسم والضحك.
قال حدثنا أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وآله وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
كما أخرج البخاري في كتاب الأدب في باب من لم يواجه الناس بالعتاب قال: قالت عائشة صنع النبي صلى الله عليه وآله شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه فوالله أني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية..!.
ولعمري إن الذين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله يميل به الهوى ويحيد به عن طريق الحق فيقسم قسمة لا يريد بها وجه الله وإنما تبعا لهواه وعاطفته، والذين يتنزهون عن أشياء يصنعها رسول الله اعتقادا منهم بأنهم أتقى لله وأعلم به من رسوله، فهؤلاء ليسوا جديرين بذلك التقديس حيث ينزلهم البعض منزلة الملائكة فيحكمون بأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله وأن المسلمين مدعوون لاتباعهم والاقتداء بهم والسير على سنتهم لا لشئ إلا لأنهم صحابة رسول الله وهذا يتناقض مع أهل السنة والجماعة الذين لا يصلون على محمد وآله إلا ويضيفون إليهم الصحابة أجمعين وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد عرف قدرهم وأنزلهم منزلتهم فأمرهم بأن يصلوا على رسوله وأهل بيته الطاهرين ليا لأعناقهم ليخضعوا ويعرفوا مكانة هؤلاء عند الله فلماذا نجعلهم نحن في منزلة فوق منزلتهم ونسويهم بمن رفع الله قدرهم وفضلهم على العالمين.
ودعني أستنتج بأن الأمويين والعباسيين الذين ناصبوا أهل البيت النبوي العداء فأبعدوهم وشردوهم وقتلوهم وأتباعهم وشيعتهم، تفطنوا لما في هذه المزية من الفضل العميم والخطر الجسيم، فإذا كان الله سبحانه لا يقبل صلاة مسلم إلا إذا صلى عليهم، فبماذا يبررون عداءهم وانحرافهم عن أهل البيت، ولذلك تراهم ألحقوا الصحابة بأهل البيت ليموهوا على الناس بأن أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.
وخصوصا إذا عرفنا أن ساداتهم وكبراءهم هم بعض الصحابة الذين استأجروا ضعفاء العقول ممن صحبوا رسول الله أو من التابعين ليرووا الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة وبالأخص في من اعتلوا منصة الخلافة وكانوا سببا مباشرا في وصولهم - أي الأمويين والعباسيين - إلى الحكم والتحكم في رقاب المسلمين والتاريخ خير شاهد على ما أقول; إذ أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرد شبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه قط وقد ولاه أبو بكر وأقره عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب واللوم، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له إن معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرجال، فكان عمر يجيبهم: (دعوه فإنه كسرى العرب) واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاما لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولآيات أخرى مكنته من الاستيلاء على الثروة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين وإرغامهم بالقوة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصة أخرى طويلة لست بصدد تفصيلها في هذا الكتاب والمهم هو أن أعرف نفسيات هؤلاء الصحابة الذين اعتلوا منصة الخلافة ومهدوا لقيام الدولة الأموية بصفة مباشرة نزولا على حكم قريش التي تأبى أن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم (1).
وللدولة الأموية الحق بل من واجبها أن تشكر أولئك الذين مهدوا لها، وأقل الشكر أن تستأجروا رواة مأجورين يروون في فضائل أسيادهم ما تسير به الركبان وفي نفس الوقت يرفعون هؤلاء فوق منزلة خصومهم أهل البيت باختلاق الفضائل والمزايا التي يشهد الله أنها إذا ما بحثت تحت ضوء الأدلة الشرعية والعقلية والمنطقية، فلن يبقى منها شئ يذكر، اللهم إلا إذا أصاب عقولنا مس وآمنا بالتناقضات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نسمع الكثير من عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل (عدلت فنمت) وقيل دفن عمر واقفا لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدث ولا حرج، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوخ سنة رسول الله ولم يتقيد بها، فقد ساوى النبي صلى الله عليه وآله بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا على أحد، واتبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضل العرب على سائر العجم، وفضل الصريح على المولى (1) وفضل مضر على ربيعة، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين (2) وفضل الأوس على الخزرج (3).
فأين هذا التفضيل من سنة رسول الله؟ ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لا حصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي صلى الله عليه وآله.
ولكن الصحيح من التاريخ يدلنا على أن عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: يا أمير المؤمنين أني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصل واضطر عمار بن ياسر أن يذكره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحملك ما تحملت (4).
فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي صلى الله عليه وآله الذي علمهم كيفية التيمم كما علمهم الوضوء، وعمر نفسه يعترف في العديد من القضايا بأنه ليس بعالم، بل بأن كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال وبقوله عدة مرات، لولا علي لهلك عمر، ولقد أدركه الأجل ومات ولم يعرف حكم الكلالة التي حكم فيها بأحكام متعددة ومختلفة كما يشهد بذلك التاريخ.
كذلك نسمع عن بطولة عمر وشجاعته وقوته الشئ الكثير حتى قيل إن قريش خافت عندما أسلم عمر، وقويت شوكة المسلمين بإسلامه، وقيل إن الله أعز الإسلام بعمر بن الخطاب وقيل إن رسول الله لم يجهر بدعوته إلا بعد إسلام عمر، ولكن التاريخ الثابت الصحيح، لا يوقفنا على شئ من هذه البطولة والشجاعة، ولا يعرف التاريخ رجلا واحدا من المشاهير أو حتى من العاديين الذين قتلهم عمر بن الخطاب في مبارزة أو في معركة كبدر وأحد والخندق وغيرها، بل العكس هو الصحيح فالتاريخ يحدثنا أنه هرب مع الهاربين في معركة أحد وكذلك هرب يوم حنين، وبعثه رسول الله لفتح مدينة خيبر فرجع مهزوما، وحتى السرايا التي شارك فيها كان تابعا غير متبوع، وآخرها سرية أسامة التي كان فيها مأمورا تحت قيادة الشاب أسامة بن زيد.
فأين دعوى البطولات والشجاعة من هذه الحقائق..؟ ونسمع عن تقوى عمر بن الخطاب ومخافته وبكائه من خشية الله الشئ الكثير، حتى قيل إنه كان يخاف أن يحاسبه الله لو عثرت بغلة في العراق لأنه لم يعبد لها الطريق، ولكن التاريخ الثابت الصحيح يحدثنا بأنه كان فظا غليظا لا يتورع ولا يخاف فيضرب من يسأله عن آية من كتاب الله حتى يدميه بدون ذنب اقترفه، بل وتسقط المرأة حملها لمجرد رؤيته هيبة ومخافة منه، ولماذا لم يتورع مخافة من الله عندما سل سيفه وهدد كل من يقول بأن محمدا قد مات وأقسم بالله أنه لم يمت وإنما ذهب يناجي ربه كما فعل موسى بن عمران وتوعد من يقول بموته بضرب عنقه (1).
ولماذا لم يتورع ولم يخش الله سبحانه في تهديد حرق بيت فاطمة الزهراء بالنار إن لم يخرج المتخلفون فيه للبيعة (2) وقيل له إن فيها فاطمة فقال: وإن; وتجرأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة (3).
وإنما أخذت هذا الصحابي الكبير الشهير كمثل واختصرت كثيرا لعدم الإطالة ولو شئت الدخول في التفاصيل لملأت كتبا عديدة، ولكن كما قلت: إنما أذكر هذه الموارد على سبيل المثال لا الحصر.
والذي ذكرته هو نزر يسير يعطينا دلالة واضحة على نفسيات الصحابة وموقف العلماء من أهل السنة المتناقض، فبينما يمنعون على الناس نقدهم والشك فيهم، يروون في كتبهم ما يبعث على الشك والطعن فيهم، وليت علماء السنة والجماعة لم يذكروا مثل هذه الأشياء الصريحة التي تمس كرامة الصحابة وتخدش في عدالتهم إذن لأراحونا من عناء الارتباك.
وإني أتذكر لقائي مع أحد علماء النجف الأشرف وهو أسد حيدر مؤلف كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) وكنا نتحدث عن السنة والشيعة، فروى لي قصة والده الذي التقى في الحج عالما تونسيا من علماء الزيتونة، وذلك منذ خمسين عاما، ودار بينهما نقاش في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فكان العالم التونسي يستمع إلى والدي وهو يعدد الأدلة على إمامته (ع) وأحقيته في الخلافة فأحصى أربعة أو خمسة أدلة، ولما انتهى سأله العالم الزيتوني هل لديك غير هذا؟ قال: لا، فقال التونسي: أخرج مسبحتك وابدأ في العد، وأخذ يذكر الأدلة على خلافة الإمام علي (ع) حتى عدد له مائة دليل لا يعرفها والدي، وأضاف الشيخ أسد حيدر: لو يقرأ أهل السنة والجماعة ما في كتبهم، لقالوا مثل مقالتنا ولانتهى الخلاف بيننا من زمان بعيد.
ولعمري إنه الحق الذي لا مفر منه لو يتحرر الإنسان من تعصبه الأعمى وكبريائه وينصاع للدليل الواضح.
أنت تقرأ
ثم اهتديت مكتملة
General Fictionقصتنا "ثم اهتديت" قصة تحكي عن رحلة اكتشاف جديد في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية عالم من اخواننا اهل السنة أبصر طريق النور بسبب موقف ونظرة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب تابعوها معنا 💚 ثم_اهتديت_،_الدكتور_التيجاني_السماوي.