٣٥

113 12 1
                                    

أسباب الاستبصار

أما الأسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جدا ولا يمكن لي في هذه العجالة إلا ذكر بعض الأمثلة منها:

1 - النص على الخلافة لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلا ما هو موثوق عند الفريقين وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون الأخرى، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأن الخلافة إنما كانت بالنص على علي كما يدعي الشيعة أو بالانتخاب والشورى كما يدعي أهل السنة والجماعة.
والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحا جليا كقوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) قال ذلك بعد ما انصرف من حجة الوداع فعقد لعلي موكب للتهنئة حتى أن أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنئين للإمام (ع) ويقولان: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة) (1).

وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنة، ولم أخرج أنا في البحث - هذا - إلا مصادر أهل السنة والجماعة ومع ذلك لم أذكر المصادر كلها فهي أكثر بكثير مما ذكرت، وللاطلاع على مزيد من التفصيل أدعو القارئ إلى مطالعة كتاب الغدير للعلامة الأميني وقد طبع منه ثلاثة عشر مجلدا يحصي فيها المصنف رواة هذا الحديث من طريق أهل السنة والجماعة.
أما الاجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد، فإنه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الاجماع وقد تخلف عن البيعة علي والعباس وسائر بني هاشم كما تخلف أسامة بن زيد والزبير وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو بريدة الأسلمي والبراء بن عازب وأبي بن كعب وسهل بن حنيف وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وخالد بن سعيد وغير هؤلاء كثيرون (1).
فأين الاجماع المزعوم يا عباد الله؟ على أنه لو كان علي بن أبي طالب وحده تخلف عن البيعة لكان ذلك كافيا للطعن في ذلك الاجماع إذ أنه المرشح الوحيد للخلافة من قبل الرسول على فرض عدم وجود النص المباشر عليه.
وإنما كانت بيعة أبي بكر عن غير مشورة بل وقعت على حين غفلة من الناس وخصوصا أولي الحل والعقد منهم كما يسميهم علماء المسلمين إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه، وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحمل الناس على البيعة بعد ذلك قهرا (2). كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة إن لم يخرج المتخلفون عن البيعة فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نقول بأن البيعة كانت بالمشورة وبالإجماع.
وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله

المسلمين شرها، وقال فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه; أو قال فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه (1).
ويقول الإمام علي في حقها: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير (2).
ويقول سعد بن عبادة سيد الأنصار الذي هاجم أبا بكر وعمر يوم السقيفة وحاول بكل جهوده أن يمنعهم ويبعدهم عن الخلافة ولكنه عجز عن مقاومتهم لأنه كان مريضا لا يقدر على الوقوف، وبعدما بايع الأنصار أبا بكر قال سعد:
والله لا أبايعكم أبدا حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، وأخضب سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي، فكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجتمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعوانا لطال بهم، ولو بايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام في خلافة عمر (3).
فإذا كانت هذه البيعة فلتة وقى الله المسلمين شرها على حد تعبير عمر الذي شيد أركانها وعرفت ما آلت إليه أمور المسلمين بسببها.
وإذا كانت هذه الخلافة تقمصا - من قبل أبي بكر - كما وصفها الإمام علي إذ قال بأنه هو صاحبها الشرعي.
وإذا كانت هذه البيعة ظلما كما اعتبرها سعد بن عبادة سيد الأنصار الذي فارق الجماعة بسببها.
وإذا كانت هذه البيعة غير شرعية لتخلف أكابر الصحابة والعباس عم النبي عنها.

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن