#الحلقة_الرابعة
طوال السنوات المنصرمة كانت الرسائل مع بعض الأصدقاء متواصـلة والأشواق متزايدة ، و قد توطدت علاقتي مع نخبة منهم ألحوا علي أن أزورهـم ،فأعددت العدة و رتبت الأمور للقيام برحلة طويلة تستغرق عطلة الصيف الـتي تدوم ثلاثة أشهر ، و كان التخطيط يمر بليبيا عن طريق البر ثم إلى مصر و منـها إلى لبنان عبر البحر ثم إلى سوريا و الأردن فالسعودية ، و هـي المقـصودة لأداء العمرة و تجديد العهد مع الوهابية التي روجت لها كـثيرا في أوسـاط الـشباب الطالبي و في المساجد التي يكثر فيها الإخوان المسلمون .
وتعدت شهرتي حدود مدينتي إلى مدن أخرى مجاورة ، فقد يمر المـسافر فيصلي الجمعة و يحضر تلك الدروس و يتحدث بها في مجتمعه ، و وصل الحديثإلى الشيخ إسماعيل الهادفي صاحب الطريقة الصوفية المعروفة بمدينة تـوزر عاصـمةالجريد ، و مسقط رأس أبي القاسم الشابي الشاعر المعروف .
وهذا الشيخ له أتباع و مريدون في كامل الجمهورية التونسية و خارجهافي الأوساط العمالية بفرنسا و ألمانيا .وجاءتني منه دعوة لزيارته ، عن طريق وكلائه في قفصة الذين كتبـوا إلي رسالة طويلة يشكرونني فيها على ما أقوم به لخدمة الإسلام و المسلمين و يدعونأن ذلك لا يقربني من الله قيد أنملة ما لم يكن عن طريق شيخ عارف ، و علـى الحديث المشهور عندهم " من لم يكن له شيخ فشيخه الـشيطان
" و يقولـون أيضا : " لا بد لك من شيخ يريك شخوصها و إلا فنصف العلم عندك نـاقص "وبشروني بأن " صاحب الزمان " و يقصدون به الشيخ إسماعيل قد اصطفاني منبين الناس لأكون من خاصة الخاصة .
وطار قلبي فرحا لهذا الخبر و بكيت تأثرا لهذه العناية الربانية التي ما زالت
ترفعني من مقام سام إلى ما هو أسمى و من حسن إلى ما هو أحسن ، لأنني اتبعتفي ما مضى من حياتي سيدي الهادي الحفيان و هو شيخ متصوف يحكى عنه عدة كرامات و خوارق و صرت من أعز أحبائه ، كما صـاحبت سـيدي صـالح بالسائح و سيدي الجيلاني و غيرهم من أهل الطرق المعاصرين و انتظرت ذلـك اللقاء بفارغ الصبر ، و لما دخلت بيت الشيخ كنت أتفرس الوجوه بلهفة و كان المجلس مليئا بالمريدين وفيهم مشايخ يرتدون لباسا ناصع البياض ، و بعد مراسم التحية خرج علينا الشيخ إسماعيل و قام الجميع يقبلون يده بـإحترام فـائق ، وغمزني الوكيل بأن الشيخ هو ذا ، فلم أبد حماسا لأنني كنت منتظرا غير الـذي رأيت و قد كنت رسمت له صورة خيالية حسب الكرامات والمعجـزات الـتي رسخها في ذهني وكيل الشيخ وأتباعه ، و رأيت شيخا عاديا ليس فيه وقار و لاهيبة ، و خلال المجلس قدمني الوكيل إليه فرحب بي وأجلسني على يمينه و قـدم إلي الطعام ، و بعد الأكل و الشرب بدأت الحضرة ، و قدمني الوكيل من جديد لأخذ العهد و الورد من الشيخ ، و هنأني الجميع بعد ذلك معانقين و مباركين ،وفهمت من خلال حديثهم بأنهم يسمعون عني الكثير ، و قـد دفعـني هـذا الإعجاب إلى أن أعترض على بعض أجوبة الشيخ التي كان يلقيها على السائلين ، و أعلل رأيي بالقرآن و الـسنة ، واستاء بعض الحاضرين من هذا التطفل و اعتبروه سوء أدب في حضرة الشيخ ، وقد اعتادوا أن لا يتكلموا بحضرته إلا بإذنه ، و أحس الشيخ بحـرج الجالـسين فأزاح تلك السحابة بلباقة و أعلن قائلا :" من كانت بدايته محرقة تكون نهايتـه مشرقة " و اعتبر الحاضرون هذا وساما من حضرته و سوف يكون أكبر ضـمان لنهايتي المشرقة و هنأوني بذلك ، و لكن شيخ الطريقة ذكي و مدرب لم يترك لي المجال مفتوحا لمواصلة هذا التطفل المزعج وروى لنا قصة أحد العـارفين بـاالله عندما جلس في حلقته بعض العلماء ، فقال له :
قم فاغتسل ، و ذهب العـالم واغتسل و جاء ليجلس في الحلقة فقال له ثانية : قم فاغتسل ، و ذهب العـالم وعاود الغسل كأحسن ما يكون ظنا منه بأن الغسل الأول لم يكن علـى الوجـه الصحيح ، وجاء ليجلس فانتهره الشيخ العارف و أمره بالاغتسال من جديـد فبكى العالم و قال له :
يا سيدي لقد اغتسلت من علمي و من عملي و لم يبـق عندي إلا ما يفتح الله به على يديك .
عند ذلك قال له العارف ، الآن اجلس .وعرفت بأني أنا المقصود من هذه القصة كما عرف ذلـك الحاضـرون الذين لاموني بعد خروج الشيخ للاستراحة و أقنعوني بالسكوت و لزوم الاحترام بحضرة الشيخ صاحب الزمان لئلا تحبط أعمالي مستدلين بالآية الكريمة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} صـدق الله العظيم.
أنت تقرأ
ثم اهتديت مكتملة
General Fictionقصتنا "ثم اهتديت" قصة تحكي عن رحلة اكتشاف جديد في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية عالم من اخواننا اهل السنة أبصر طريق النور بسبب موقف ونظرة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب تابعوها معنا 💚 ثم_اهتديت_،_الدكتور_التيجاني_السماوي.