١٤

138 25 0
                                    

#الحلقة_الرابعة_عشر 

               السفر إلى النجف 

أعلمني صديقي ذات ليلة بأننا سنسافر غدا إن شاء االله إلى النجـف ، وسألته و ما النجف ؟

قال : إنها مدينة علمية فيه مرقد الإمام علي بن أبي طالب ،فتعجبت كيف يكون للإمام علي قبر معروف .

لان شيوخنا يقولون أنه لا وجود لقبر معروف لسيدنا علي ، و سافرنا في سيارة عمومية حتى وصلنا إلى الكوفة و هناك نزلنا لزيارة جامع الكوفة و هو من الآثار الإسلامية الخالدة ، و كان صديقي يريني الأماكن الأثرية ويزورني جـامع مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و يحكي لي بإيجاز كيف استشهدا ، كما أدخلني المحراب الذي استشهد فيه الإمام علي ، وبعدها زرنا البيت الذي كان يـسكنه الإمام مع ابنيه سيدنا الحسن و سيدنا الحسين ، و في البيت البئـر الـتي كـانوا يشربون منها و يتوضؤون بمائها ، و عشت لحظات روحية نسيت خلالها الدنيا وما فيها لأسبح في زهد الإمام و بساطة عيشه و هو أمير المؤمنين و رابع الخلفـاء
الراشدين .

ولا يفوتني أن أذكر الحفاوة و التواضع اللذين شاهدتهما هناك في الكوفة ، فما مررنا بمجموعة إلا و قاموا إلينا و سلموا علينا ، وكان صـديقي يعـرف الكثير منهم ودعانا أحدهم و هو مدير المعهد بالكوفة إلى بيته حيـث إلتقينـا بأولاده و بتنا عندهم ليلة سعيدة ، و ذشعرت و كأني بين أهلي و عـشيرتي ، وكانوا إذا تكلموا عن أهل السنة و الجماعة يقولون :

" إخواننـا مـن الـسنة " 

فأنست بحديثهم و سألتهم بعض الأسئلة الاختبارية لأتيقن من صدق كلامهم.

تحولنا إلى النجف و هي تبعد عن الكوفة حوالي عشرة كيلومترات ومـا أن وصلنا حتى تذكرت مسجد الكاظمية في بغداد فبدت المآذن الذهبية تحيط بقبة من الذهب الخالص و دخلنا إلى حرم الإمام بعد قراءة الإذن بالدخول كما هـي عادة الزوار من الشيعة ، و رأيت هنا أعجب مما رأيت هناك في جـامع موسـى الكاظم ، و كالعادة وقفت أقرأ الفاتحة و أنا أشك في أن هذا القبر يحوي جثمان الإمام علي ، و كأني اقتنعت ببساطة ذلك البيت الذي كان يسكنه في الكوفـة وقلت في نفسي حاشى للإمام علي أن يرضى بهذه الزخرفة من الذهب و الفـضة بينما يموت المسلمون جوعا في شتى بقاع الدنيا ، و خصوصا لما رأيت فقـراء في الطريق يمدون أيديهم للمارة طلبا للصدقة فكان لسان حالي يقول :

أيها الـشيعة أنتم مخطئون ، اعترفوا على الأقل بهذا الخطأ فالإمام علي هو الذي بعثه رسول االله لتسوية القبور ، فما لهذه القبور المشيدة بالذهب و الفضة إنها و إن لم تكن شركا باالله فهي على الأقل خطأ فادح لا يغفره الإسلام . 

وسألني صديقي و هو يمد إلي قطعة من الطين اليابس هل أريد أن أصلي ، وأجبته في حدة :

نحن لا نصلي حول القبور !

قال : إذاً انتظرني قلـيلا حـتى أصلي ركعتين ، و في انتظاره كنت أقرأ اللوحة المعلقة على الضريح و أنظـر إلى داخله من خلال القضبان الذهبية المنقوشة و إذا به مليء بالأوراق النقدية من كل الألوان من الدرهم و الريال إلى الدينار و الليرة و كلها يلقيهـا الـزوار تبركـا للمساهمة في المشاريع الخيرية التابعة للمقام و ظننت لكثرتها أن لهـا شـهورا ، ولكن صديقي أعلمني في ما بعد أن المسؤولين عن تنظيف المقام يأخذون كل ذلك في كل ليلة بعد صلاة العشاء .

خرجت وراءه مدهوشا و كأنني تمنيت أن يعطوني منها نصيبا أو يوزعوها على الفقراء و المساكين و ما أكثرهم هناك كنت ألتفت في كل اتجاه داخل السور الكبير المحيط بالمقام حيث يـصلي جماعات من الناس هنا و هناك و ينصت آخرون إلى بعض الخطباء الذين اعتلـوا منبرا و كأني سمعت نواح بعضهم في صوت متهدج ورأيت جموعا من الناس يبكون و يلطمون على صـدورهم و أردت أن أسال صديقي ، ما بال هؤلاء يبكون و يلطمون و مرت بقربنا جنازة و شاهدت بعضهم يرفع الرخام في وسط الصحن و ينزل الميت هناك ، فظننـت أن بكـاء هؤلاء لأجل الميت العزيز عليهم . 
* * *

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن