#الحلقة_الثانية_عشر
كنا نتحدث و نمشي و نتوقف من حيث لآخر حتى وصـلنا إلى منتـدى علمي يجلس فيه الطلبة و الأساتذة و يتبادلون الآراء و النظريات ، هناك جلسنا وكان يبحث بعينيه في الجالسين و كأنه على موعد مع أحـدهم ، جـاء أحـد الوافدين و سلم علينا وفهمت أنه زميله في الجامعة و سأله عن شخص علمـت من الأجوبة أنه دكتور و سيأتي عما قريب ، في الأثناء قال لي صـديقي
: أنـا جئت بك لهذا المكان قاصدا أن أعرفك بالدكتور المتخصص في الأبحاث التاريخية و هو أستاذ التاريخ في جامعة بغداد و قد حصل على الدكتوراه في أطروحته التي كتبها عن عبد القادر الجيلاني و سوف ينفعك بحول االله ، لأنني لست مختـصا في التاريخ .
شربنا بعض العصير البارد حتى وصل الدكتور ونهض إليه صديقي مسلماً عليه و قدمني إليه و طلب منه أن يقدم إلي لمحة عن تاريخ عبد القادر الجيلاني ، واستأذننا في الانصراف لبعض شؤونه .
طلب لي الدكتور مشروبا باردا و بدأ يسألني عن إسمي و بلادي و مهنتي كما طلب مني أن أحدثه عن شهرة عبد القادر الجيلاني في تونس .
ورويت له الكثير في هذا المجال حتى قلت و الناس عندنا يعتقـدون بـأن الشيخ عبد القادر كان يحمل رسول االله على رقبته ليلة المعـراج عنـدما تـأخر جبريل خوفا من الاحتراق و قال له رسول االله ( صلى االله عليه و آلـه ) :
قـدمي علـى رقبتك و قدمك على رقاب كل الأولياء إلى يوم القيامة .
وضحك الدكتور كثيرا عند سماعه كلامي و ما دريت أكـان ضـحكه على هذه الروايات أم كان على الأستاذ التونسي الذي بين يديه !
بعد مناقـشة قصيرة حول الأولياء والصالحين قال أنه بحث طوال سبع سنوات سافر خلالهـا إلى لاهور في الباكستان و إلى تركيا و إلى مصر و بريطانيا و كل الأماكن الـتي بها مخطوطات تنسب إلى عبد القادر الجيلاني و اطلع عليها و صورها ، و لـيس فيها أي إثبات بأن عبد القادر الجيلاني هو من سلالة الرسول ، و غاية ما هنالك بيت من الشعر ينسب إلى أحد أحفاده يقول فيه :
" و جدي رسول االله " و قد يحمل ذلك كما قال بعض العلماء ، على تأويل حديث النبي ( صلى االله عليه و آلـه ) :
" أنا جد كل تقي " و زادني بأن التاريخ الصحيح يثبت أن عبد القادر أصله فارسي و ليس عربيا أصلا و قد ولـد في بلدة بإيران تسمى جيلان و إليها ينسب عبد القادر ، و قد نـزح إلى بغـداد حيث تعلم هناك و جلس يدرس في وقت كان في الانحلال الخلقي فيه فاشيا .
وكان الرجل زاهدا فأحبه الناس و بعد وفاته أسسوا الطريقة القادرية نسبة إليـه ، كما يفعل دائما أتباع كل متصوف و أضاف قائلا :
حقا أن حالة العرب مؤسفة من هذه الناحية .
و ثارت في رأسي حمية الوهابية فقلت للدكتور : إذاً أنت وهابي الفكر ياحضرة الدكتور فهم يقولون كما تقول ليس هناك أولياء .فقال : لا أنا لـست على رأي الوهابية .
والمؤسف عند المسلمين هو إما الإفراط و أما التفريط ، فأما أن يؤمنوا و يصدقوا بكل الخرافات التي لا تستند إلى دليل و لا عقل و لا شرع ، و أمـا أن يكذبوا بكل شيء حتى بمعجزات نبينا محمـد و أحاديثـه لأنهـا لا تتماشـى و أهواءهم و عقائدهم التي يعتقدونها و قد شرقت طائفة و غربت أخرى فالصوفية يقولون بإمكانية حضور الشيخ عبد القادر الجيلاني مثلا في بغـداد و في نفـس الوقت في تونس ، و قد يشفي مريضا في تونس و ينقذ غريقا في نهـر دجلـة في نفس اللحظة فهذا إفراط ...والوهابية - كرد فعل على الصوفية - كذبوا بكـل شيء حتى قالوا بشرك من توسل بالنبي ، و هذا تفريط لا يا أخي ..
نحن كما قـال االله تعالى في كتابه العزيز : { وكَذَلِك جعلْناكُم أُمةً وسطًا لِّتكُونواْ شهداء علَـى الناسِ }
أعجبني كلامه كثيرا و شكرته مبدئيا ، و أبديت قناعتي بما قال فتح محفظته و أخرج كتابه عن عبد القادر الجيلاني و أهدانيه ، كما دعاني للضيافة فاعتذرت و بقينا نتحدث عن تونس و عن شمال إفريقيـا حـتى جـاء صديقي ورجعنا إلى البيت ليلا بعد أن أمضينا كامل اليوم في الزيارات و المناقشات ، و شعرت بالتعب و الإرهاق فاستسلمت للنوم .استيقظت باكرا و صليت و جلست أقرأ الكتاب الذي يبحث في حيـاة عبد القادر ، فما أفاق صديقي حتى كنت قد أتممت نصفه ، و كان يتردد علـي من حين إلى آخر داعيا إياي لتناول الفطور فلم أوافق حتى أنهيت الكتاب و قـد شدني إليه و أدخل علي شكا لم يلبث طويلا حتى زال قبل خروجي من العراق .
* * *
أنت تقرأ
ثم اهتديت مكتملة
General Fictionقصتنا "ثم اهتديت" قصة تحكي عن رحلة اكتشاف جديد في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية عالم من اخواننا اهل السنة أبصر طريق النور بسبب موقف ونظرة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب تابعوها معنا 💚 ثم_اهتديت_،_الدكتور_التيجاني_السماوي.